خسر قبلها صلاح الدين معركة كبيرة ويحاول الصهاينة محو آثارها.. ماذا تعرف عن معركة حطين في ذكراها؟
هوية بريس – عربي بوست
وقعت معركة حطين في مثل هذا اليوم 4 يوليوز عام 1187، بين جيش المسلمين بقيادة صلاح الدين الأيوبي، والصليبيين يتقدمهم جاي دي لوزينان ملك بيت المقدس، وريموند الثالث أمير طرابلس ورينالد دي شاتيون أمير الكرك.
وتعد معركة حطين من المعارك الفاصلة في التاريخ الإسلامي، فقد نتج عنها انتصار المسلمين بقيادة صلاح الدين الأيوبي انتصاراً عظيماً، إذ مُني الجيش الصليبي بهزيمة مروعة أسفر عنها القبض على كل من الملك جاي دي لوزينان ورينالد دي شاتيون، وعامل صلاح الدين الملك «لوزينان» بشكل جيد لكنه أعدم شاتيون؛ لأعمال السلب والنهب وترويع الآمنين التي كان يقوم بها.
استطاع صلاح الدين بعد المعركة استرداد عكا ونابلس ويافا وتورون وصيدا وبيروت وعسقلان وطبرية ومدن الجليل والمدن الساحلية في تتابع سريع، إذ كان الأمر أشبه بالنزهة العسكرية أكثر منه حرباً؛ وذلك بسبب مقاومة الصليبيين الضعيفة ما سهل لجيش المسلمين التقدم نحو بيت المقدس في 20 سبتمبر 1187.
غدر الصليبيين.. كلمة السر وراء اشتعال المعركة
خاض صلاح الدين الأيوبي عام 1177 م معركة مونتجيسارد أو معركة الرملة مع الجيش الصليبي بقيادة بلدوين الرابع ملك بيت المقدس، وأسفرت المعركة عن هزيمة مروعة لجيش المسلمين وأراد الصليبيون الاستفادة من ذلك النصر فهاجموا دمشق عام 1178 م لكن صلاح الدين نجح في ردهم.
كان الملك بلدوين الرابع مُصاباً بمرض الجذام الذي سرعان ما أصابه بالعمى وأودى بحياته ليتولى ابن أخيه ووريثه الوحيد عرش بيت المقدس، الذي كان حينها طفلاً وسرعان ما توفي أيضاً عام 1186، وبعد وفاة الطفل أضحت أخت بلدوين «سيبلا» هي وريثة العرش التي تنازلت عنه لزوجها دي لويزينان ليصبح بذلك التنازل ملكاً لبيت المقدس في سبتمبر 1186.
عقد صلاح الدين الأيوبي هُدنة مع الصليبيين حتى يتمكن من حل مشاكله مع الزنكيين ويبسط سيطرته على بلاد الشام حتى لا يهاجمها الصليبيون مرة أخرى، لكن رينالد دي شاتيون كسر الهدنة وهاجم قافلة مسلمة عام 1187م واستولى عليها ورفض الإفراج عن السجناء وإعادة ممتلكاتهم، ولما كان شاتيون هو الحليف الأقوى والأقرب للملك إذ كان يعتمد عليه كثيراً لتقوية سلطته فلم يجازف الملك بمحاسبته على مهاجمة القافلة، وبسبب تلك الحادثة قرر صلاح الدين الأيوبي محاربة الصليبيين ووقف طريق التسوية.
دعا صلاح الدين الأيوبي في مارس 1187م إلى الجهاد ضد الصليبيين وتحرير بيت المقدس في كل البلاد الإسلامية، وأعلن فتح باب التطوع بمصر لمحاربة الصليبيين وأرسل المراسلات إلى الموصل والجزيرة العربية يطلب منهم دعم الجيش، وفي مايو 1187م عبر جيش المسلمين نهر الأردن جنوبي طبريا وقطع طريق الإمدادات إلى القدس من طرابلس وأنطاكية.
الحرب خُدعة
عسكر جيش المسلمين في الأقحوانة الواقعة على الطرف الجنوبي لبحيرة طبرية لمدة 5 أيام، ثم ارتحلوا عنها صوب الغرب من أجل الوصول لقرية الصنبرة عند تلال المنطقة القريبة من بحيرة طبرية، وقد أراد صلاح الدين أن يثير الصليبيين ويجعلهم يتحركون تاركين مراكزهم عند صفورية.
وقد نجحت خطته بالفعل، فقد أمر جاي لوزينان بالتحرك شرقاً نحو طبرية وذلك يوم 2 يوليوز واكتشف الصليبيون في صباح اليوم التالي 3 يوليوز أنهم محاصرون بعيداً عن الماء فقرروا التحرك مرة أخرى مسرعين إلى قرون حطين، لكن كان التعب قد أنهكهم بسبب شدة الحرارة والعطش الشديد ولذلك عندما دارت رحى المعركة في اليوم التالي انهزم الصليبيون هزيمة مروعة.
حاول القائد ريموند الثالث أثناء المعركة احتلال الممر المؤدي لقرية حطين، حيث يمكنه الوصول لينابيع الماء والآبار، ولذلك انفصل مع قواته عن باقي الجيش وعندما وصل للممر وجد نفسه هو وقواته محاصرين من جانب المسلمين فحاولوا الرجوع للمعركة لكن رماة الجيش الإسلامي رموهم بالنبال فلقي الكثير منهم مصرعهم على الفور.
وفي الوقت الذي كان فيه ريموند الثالث مُحاصراً من قبل المسلمين كان الملك يهاجم في قلب الجيش وسرعان ما انضم فرسان الداوية والاسبتارية بقوة وقتلوا بعض المسلمين لكنهم لم يستطيعوا استثمار ذلك النجاح الصغير، إذ انسحب المشاة بسبب الإرهاق والحر الشديدين إلى أحد قرون حطين، وحاول الملك استعادتهم لكنه فشل ومع انسحاب المشاة انكشف قلب الجيش الصليبي وتعرض للمزيد من ضربات جيش المسلمين.
كيف أثر الوضع السياسي والاجتماعي على مجريات الأمور؟
كان الوضع الاستراتيجي للبلاد العربية في ذلك الوقت لصالح المسلمين، فمن ناحية الخصائص الاستراتيجية الإسلامية فقد اتسعت رقعة البلدان الإسلامية وامتلكت خطوط مواصلات وقواعد آمنة من أجل التموين الذي اعتمدت فيه على حلب وحماة شمالاً ومن الموصل وقلاع الجزيرة شرقاً ومن مصر وبلاد المغرب والنوبة واليمن غرباً وكلها مدن حصينة.
وفي القاهرة كانت القاعدة التي أرساها صلاح الدين عام 1182م من أجل تدريب الجنود وإعدادهم وتموينهم وإليها كان يُرسل الأسرى والجرحى ومنها يُطلب المدد لسد النقص بميادين المعارك.
في ذلك الوقت كان الصليبيون يسيطرون على السواحل السورية والفلسطينية التي تعتمد على البحر من أجل استمرار الإمدادات من الخارج، وخلف خط الدفاع الأول كانت هناك القلاع الصليبية الممتدة من بحيرة طبريا ثم المعاب وداروم وبيت جبريل، وفي الشمال حصون عكا والكرك ومن ورائها جميعاً المدن الساحلية الكبرى مثل طرابلس وأنطاكية وبيروت ويافا وعسقلان، وقد امتازت القلاع الصليبية بتحصينها؛ إذ جمعت بين خصائص العمارة الشرقية والغربية من حيث ازدواج الأسوار وتعدد الأبراج وتوفير كل وسائل التموين الصحية.
تجدر الإشارة إلى أن الدولة الصليبية على مدار قرابة الثمانية عقود كاملة لم تتمكن من توسيع بقعة أملاكها في بلاد الشام أو في مصر، وظلت محتفظة فقط بقلاعها الحصينة قرب البحر ولهذا كانت محاصرتهم ليست بالعملية الصعبة.
على الصعيد الاجتماعي كان هناك فساد مستشرٍ بشدة في رأس المؤسسة الدينية الصليبية متمثلاً في الكنيسة، ففي عام 1180م انتخب البطريرك هرقل رئيساً لأساقفة قيسارة وكانت مهمته تمثيل المملكة الصليبية في الخارج، لكن هذا البطريرك كانت له تصرفات سلوكية منحلة مثل علاقته المشبوهة بابنة أحد التجار الصليبيين في نابلس، إذ جعلها البطريرك تحضر إليه في بيت المقدس عدة مرات وعقب وفاة زوجها اشترى لها منزلاً كبيراً في المدينة المقدسة حتى تكون بالقرب منه ما عكس فساده المالي والأخلاقي.
لم يقتصر الفساد على رأس السلطة في الكنيسة وإنما امتد للقطاعات الأدنى، فقد أكد المؤرخ الصليبي البارز وليم الصوري أن تلك الفترة شهدت أوضاعاً غير مستقرة للمملكة الصليبية، إذ ذهبت الكثير من المناصب السياسية لغير أصحابها وتفشت عوامل الانقسام الداخلي بين الأمراء الصليبيين، وذلك في الوقت الذي كان يقوم فيه صلاح الدين بإكمال ما بدأه نور الدين محمود من حيث حركة الإحياء السني والتعبئة المعنوية للجيش إذ تمكن صلاح الدين من تكوين جبهة موحدة من القاهرة وحلب ودمشق وأدانت له الموصل بالولاء وهكذا وجد الصليبيون نفسهم محاطين بكيان إسلامي قوي ينصاع لأوامر شخص واحد يملك فكراً جهادياً موحداً.
وقد كتب المؤرخ وليم الصوري في عمله الأخير «تاريخ الأعمال» حول تهاوي الدولة الصليبية إذ أثار تساؤل حول مدى قدرة الصليبيين على الحفاظ على بيت المقدس وقد تسببت صراحته تلك في مقتله فمات مسموماً عام 1186م أي قبل عام واحد من دخول صلاح الدين بيت المقدس.
السلطان صلاح الدين الأيوبي.. ذكاء حربي فائق
كان صلاح الدين الأيوبي قائداً كردياً وواحداً من أعظم القادة الاستراتيجيين في العالم، أسس السلالة الأيوبية في مصر وسوريا والحجاز، ودرس في أيام شبابه الأولى القانون والأدب والهندسة والرياضيات والعلوم الدينية والفقهية.
جدير بالذكر أن صلاح الدين كان أكثر شغفاً بالدراسة عن الحياة العسكرية لكن السياق التاريخي آنذاك رسم للأيوبي مساراً آخر، إذ انتقل نجم الدين والد صلاح الدين إلى بعلبك وأضحى والياً عليها لسبع سنوات وأمضى صلاح الدين طفولته وشبابه في بلاط الملك نور الدين محمود بن زنكي أمير دمشق؛ وفي بداية حياته توجه مع نور الدين زنكي وعمه أسد الدين شيركوه إلى مصر على رأس الجيش من أجل السيطرة على تمرد الوزير شاور الذي غدر بهم واستنجد بالفرنجة وفي صحراء الجيزة تقاتل الطرفان وظهرت قوة صلاح الدين حينها فحارب ببسالة حتى فتح الإسكندرية عام 1167 وتخلص من جيشي الفرنجة والشام.
كانت مصر قبل قدوم صلاح الدين مقراً للدولة الفاطمية لكنها كانت دولة ضعيفة يحكمها الوزراء، وكان وزير الدولة هو صاحب الأمر والنهي، ولهذا استطاع أسد الدين شيركوه أن يكون الرجل الأول في البلاد وعقب وفاته عُين صلاح الدين في منصبه لكنه تعرض لمحاولة اغتيال من قبل جنود الخليفة، ولهذا تخلص صلاح الدين من حرس قصر الخليفة العاضد لدين الله واستبدلهم بحرس موالين له، ولم يلبث العاضد طويلاً حتى مات في فراشه فأصبح صلاح الدين هو الحاكم الفعلي للبلاد ونقل جميع أفراد أسرته إلى مصر ليكونوا له أعواناً مخلصين وبهذا انتهت الدولة الفاطمية في مصر تماماً بعد استمرارها قرابة 262 سنة.
بعد تمكنه من مصر استطاع صلاح الدين مد نفوذه إلى بلاد الشام ففرض سيطرته على المغرب الأدنى وفلسطين وسوريا الوسطى وغربي شبه الجزيرة العربية والعراق في دولة موحدة قوية تحيط بمملكة بيت المقدس والحصون الصليبية من الشمال والشرق والجنوب ولقب نفسه باسم «سلطان مصر والشام».
إسرائيل تنوي بناء بلدة درزية في أرض المعركة
أعاد نادي «مملكة القدس» الإسرائيلي تمثيل أحداث معركة حطين التاريخية التي وقعت 1187، وذلك وفقاً لتصريح صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، إذ قسم الممثلون أنفسهم لفريقين الفريق الأول هو الجيش الإسلامي بقيادة صلاح الدين الأيوبي والآخر هو جيش الصليبيين، وأشارت الصحيفة إلى أن معركة حطين كانت بداية سقوط الدولة الصليبية ونشرت الصحيفة مجموعة من الصور لمشاهد تمثيل المعركة ظهر فيها الممثلون بزي وأسلحة تلك الحقبة الزمنية وقاموا بمحاكاتها في نمط الطعام والشراب والمعيشة.
من الجوانب المثيرة للاهتمام أن الحكومة الإسرائيلية تسعى لبناء دولة درزية جديدة في نفس المكان الذي شهد أحداث معركة حطين التاريخية، ما أثار غضباً شعبياً واسعاً لاسيما من السكان الدروز، وقد تعرضت خطة حكومة بنيامين نتنياهو للكثير من الانتقادات، خاصة من قبل المزارعين والمؤرخين الذي أكدوا أن بناء بلدة درزية في تلك المنطقة يهدد الكنوز التاريخية والأثرية والمناظر الطبيعية المرشحة للانضمام إلى مواقع التراث العالمي على قائمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونسكو».
لكن رغم الاعتراضات فقد وافق مجلس التخطيط والبناء الوطني الإسرائيلي على خطة البناء في يناير 2016، وأكدت الحكومة الإسرائيلية أن الموقع سيشهد أول بلدة درزية يتم بناؤها من أجل طائفة الدروز منذ قيام الكيان الصهيوني عام 1948م.