خصائص الخطاب الإعلامي للتيار العلماني الحداثي بالمغرب من خلال وسائل التواصل الاجتماعي

07 يونيو 2024 18:11
واشنطن تلزم طالبي تأشيرات الدخول بالكشف عن حساباتهم بمواقع التواصل

هوية بريس – أحمد العبودي

المشاهدات المختلفة لأشرطة فيديوهات على وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة وهي تناقش بعض قضايا الإسلام والمسلمين الاجتماعية والفكرية والفقهية والتراثية تقود المتتبع المنصف إلى حصر خصائص محددة للخطاب الإعلامي للتوجه الذي يعتبر نفسه توجها علمانيا حداثيا في بلادنا، التوجه الإعلامي الذي يُوهم أو يتوهم أنه تيار تنويري، وما هو في حقيقة الأمر إلا نزعة لا دينية تشتغل ضد الدين بمادة دينية مهجنة ، بمعنى أنها نزعة لا ترى للدين الإسلامي، تحديدا، أثرا في الوقائع، أو هي تصر على استبعاده من معركة الحياة اليومية للمغاربة، فضلا عن حياتهم السياسية والاجتماعية والثقافية.

وتَبرز جليا خصائص خطاب أصحاب هذا التوجه/النزعة، عند مواجهتهم  لبعض رموز التيار الإسلامي الحركي المعتدل وتنظيماته وهياكله، ومن تلك الخصائص أو السمات التي سنذكرها من غير حاجة للتفصيل، خصائص مرتبطة أساسا بالمنهج والرؤية والمعرفة لدى أصحاب هذه النزعة أو النزوة على الأصح.

وأشير إلى أن هذا الخطاب الإعلامي ليس خطاب مثقفين ولا مفكرين (وإن كان منهم من يحلو لهم أن يلقبهم الناس دكاترة وأساتذة…)، بقدر ما هو خطاب ينطلق من قنوات ومنصات إعلامية لأشخاص يسعون أن يكونوا مؤثرين، والحقيقة أنهم في ذلك موجَّهون وفق أجندات خاصة يفرق بينهم التنافس على المكاسب وتجمع بينهم غاية التشكيك وإثارة الشبهات وصرف الناس عن قضايا حياتهم اليومية ذات الصلة بالهوية والقوت اليومي.

لقد ضجت بهم فضاءات التواصل الاجتماعي وافتتن ببعضهم الناس، فهم لا يكادون يستريحون أو يعطون لأنفسهم لحظة تأمل وهم يواجهون خصومهم في اندفاع غير محسوب العواقب.

ومن خصائص هذا الخطاب الإعلامي نذكر:

1-التناقض والارتباك: فهو مثلا خطاب يعادي النزعة “الماضاوية” في التراث الإسلامي بشكل عام وفي نفس الوقت يمجد ماضي الغرب ويقدس بعض مفكريه وفلاسفته ولو كانوا من قرون مرحلة ما قبل الميلاد (فلاسفة الإغريق وحكماء الهند والصين…).

2-التدليس والتشكيك: يفتري أصحاب هذه النزعة على النصوص الدينية بالجهل ويتطاولون بأساليب سمجة حتى على ما حصل عليه إجماع علماء الأمة، ويفرضون على تلك النصوص (خاصة القرآن الكريم وما صح من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم) تأويلات متعسفة، لا تسلم من هذيان وانتحال باطل، فيسعون ليجعلوا من الشاذ قاعدة ومن القاعدة العامة أمرا قابلا للنقاش، ويسوقون في ذلك أدلة ضعيفة وسخيفة وهم يحاولون إنزالها منزلة الحقيقة المطلقة وإن كانوا لا يؤمنون بالمطلق إلا إذا كانت من العبث الفكري أو العدمية الوجودية.

3-الجهل والمكابرة: كما أنه خطاب ينتقد في عماية ويتخبط في دوغمائيته المنهجية والتصورية/الأيديولوجية، لا يعرف أي إنصاف لمخالفيه، وفي ذات الوقت يرفض قبول أي نقد أو توجيه أو نصح، يفترض دوما أنه على صواب وأن غيره على باطل، يؤمن زورا بنسبية الحقيقة ويأبى في عصبية عشائرية قبول التصحيح والتصويب، فضلا عن كونه خطابا يدعي الاجتهاد من غير أن يعرف شروطه ولا مقتضياتها الأخلاقية والعلمية.

4-التقية والروغان: لا يجرؤ الخطاب الإعلامي العلماني لهذا التوجه الأيديولوجي على التصريح والتوضيح، فهو يتقن لعبة اللف والدوران والتجلي أحيانا والتخفي أخرى وهو يناقش قضايا ذات صلة بثوابت المغاربة وبتاريخهم الديني والسياسي وتراثهم الفكري والعلمي، لذلك فهو يستتر خلف بريق عناوين العلمانية والحداثة والعقلانية والاجتهاد ونسبية الحقيقة خاصة الحقيقة الدينية مهما تكن قطعية.

5-السخرية واللمز: يسعى للتنقيص من شأن العلماء والدعاة ويصفهم بنعوت باطلة كالتخلف وسوء الفهم والتشدد والجهل والإرهاب الفكري وسوء التصرف وقصر النظر، وهو خطاب يسلك في ذلك أساليب صبيانية طفيلية ووقحة أحيانا.

6-التبعية والولاء للغرب: هذا الخطاب ينتقد المجتمعات والحكومات في البلاد العربية والإسلامية من طنحة إلى جاكرتا، لكنه لا يستطيع أن يوجه اللوم للغرب الاستعماري ولا للكيان الإسرائيلي الاستيطاني المحتل، إلا فيما ندر، وتبعيته لا يخفيها بعضهم خاصة التوجه الفرنكوفوني من نشطاء هذا الخطاب الإعلامي العقيم.

7-السطحية والغباء: في التحليل والتفسير يستبعد هذا الخطاب الأسباب والعوامل الحقيقية لحركية المجتمع والتاريخ ويركز على الثانوية منها، أو بعبارة أخرى إنه خطاب معتلّ لا ينفذ إلى عمق الحقيقة العلمية ولا يعنيه الحق والصواب، فأسباب التخلف، مثلا، ومظاهر ظلم المرأة هو الإسلام والفقهاء…وليست سياسة النظام الاقتصادي والاجتماعي المجحف الذي لا يضمن الحماية لا للمرأة ولا للرجل ولا للأطفال، كما أن التخلف في البلاد العربية، في زعمهم، سببه التراث الفقهي وليس الاستبداد السياسي والغرب الاستعماري والتبعية العمياء لخصوم الأمة والوطن والإنسانية…

8-انتهازي براغماتي: إنه خطاب إعلامي يستهويه الدعم المالي ويصرخ في وجه المسؤولين إن هم منعوه من ذلك، وأحيانا يصمت خوفا وطمعا، ويجأر بشراسة في وجه خصومه كلما تبين له أن ذلك يقوي حظوظه من الاستفادة ويوفر له أسباب الحصول على الغنيمة. وهو في ذلك يستغل المنصات والمنابر الإعلامية المدعومة ويتحالف معها ليقتنص المناسبات من مهراجانات ومنتديات وينتهز فرصة الكيد المجاني والتشكيك السطحي والهجوم المتهورعلى خصومه.

9-تحريضي واستعدائي: خطاب يعلن عداءه للمعارضة الحكومية لكنه يستقوي بها ضد خصومه ويتهمها بالتقصير في مواجهة المتشددين والظلاميين، وبمكر سافر يستغل مناسبة تصريح أو خطبة عيد أو جمعة لينادي بتوقيف خطيب أو واعظ بدعوى أنه يناهض مؤسسات الدولة ويزرع الفتنة، والمفارقة أنه أنه خطاب يصاب بخرس صممي إزاء قضايا الحريات العامة واختلاس المال العام وإشكالات الفساد والاستبداد في البلاد .

10-مهزوم ولا شعبي: رغم ضجيجه المسموع ورغم تمكنه من استثمار تقنيات الإعلام والتواصل الحديثة وهيمنته على بعض المنابر الإعلامية يبقى هذا الخطاب معزولا شعبيا ومهزوما إيديولوجيا، وما تزداد أسهمه ويقوى حظه إلا بسبب سذاجة بعض مخالفيه الذين يتولون الرد على كل صغيرة وكبيرة أثارها هذا الخطاب المأزوم المهزوم.

 

 

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
20°
19°
السبت
19°
أحد
19°
الإثنين
19°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة