خطبة الجمعة والجيل Z.. توظيف المنبر لخدمة أجندة سياسية

03 أكتوبر 2025 18:48

خطبة الجمعة والجيل Z.. توظيف المنبر لخدمة أجندة سياسية

هوية بريس – متابعات

خطبة الجمعة ليوم الجمعة 3 أكتوبر 2025 التي حملت عنوان “الحرص على تجنب الوقوع في التهلكات” أثارت جدلا واسعا لأنها بدت وكأنها بعيدة تماما عن واقع المغاربة في هذه اللحظة الحساسة.

ففي الوقت الذي خرج فيه آلاف الشباب من جيل Z إلى الشوارع مطالبين بالكرامة والعدالة الاجتماعية والحق في التعليم والصحة والشغل، جاءت الخطبة الموحدة لتحدثهم عن “المخدرات” ثم مباشرة عن “الإدمان على مواقع التواصل الاجتماعي”، ما اعتبره البعض إيحاء واضحا أن هؤلاء الشباب المحتجين مجرد مدمنين فاقدي البصيرة، في حين اعتبره آخرون استهدافا متحايلا لمصدر تعبئة الشباب وتحركاتهم.

لقد بدت الخطبة وكأنها تغرد في واد بينما الواقع المغربي يجري في واد آخر، ما جعلها مادة للنقد بدل أن تكون مجالا للهداية والتأطير.

المعارضون تساءلوا بحرقة وغيرة على المنبر: لماذا لا تتحدث وزارة الأوقاف عبر خطبة الجمعة عن القضايا الجوهرية التي تؤرق المغاربة؟

لماذا لم يفتح للخطيب الباب للحديث عن مسؤولية الدولة في توفير الشغل للشباب، وتحسين الخدمات الصحية والتعليمية، وصون الكرامة الإنسانية؟

لماذا يتم تغييب هذا البعد الاجتماعي الحارق مقابل خطاب يزج بالمنابر في معركة سياسية آنية؟

وهنا استُحضر تناقض واضح مع تصريحات سابقة للوزير أحمد التوفيق الذي كان يؤكد رفضه المطلق للخلط بين الدين والسياسة، فإذا به اليوم يجيز تسخير الخطبة لخدمة مشروع حكومي في مواجهة موجة احتجاجية شبابية واسعة. وهو ما أعاد إلى الأذهان جدلا قديما حول علاقة المسجد بالسلطة، وحول حدود الموعظة الدينية التي يفترض أن تكون جامعة وهادية، لا أداة في يد الحكومة لشيطنة معارضيها.

ردود الأفعال لم تقتصر على النقد الجاد، بل أخذت أيضا منحى ساخرا، حيث كتب ناشط: “نشكرك على خطبة تـZـديد التبليغ.. أنا من الآن سأتوقف عن استهلاك المخدرات العقلية وسأغادر الأنترنيت حتى لا أكون مدمنا. قل لرئيسك في الحكومة فليتاجر في المحروقات كما يشاء وليحرق جيوبنا فإننا عصاة مخدرون فوضويون”.

في حين ختم آخرون تعليقاتهم بعبارة لاذعة: “أحسن الله عزاءنا وعزاءكم في خطبة الجمعة”.

مثل هذه التعليقات تعكس حجم الهوة بين ما انتظره الناس من منابر الجمعة وما قدمته الوزارة بالفعل، حيث كان الأمل أن يسمعوا خطابا يواسيهم في هذه الظروف ويعزز روح المسؤولية ويحض على التماسك والابتعاد عن التخريب والفتنة، لا أن يختزل مشكلتهم في إدمان الشبكات.

وإذا كان الهدف المعلن من الخطبة التحذير من التهلكات فإن الواقع الاجتماعي يفرض أن يكون الحديث عن التهلكة الحقيقية التي يعيشها الشباب المغربي: البطالة، التهميش، فقدان الثقة في المؤسسات، وانسداد الأفق.

إن منبر الجمعة ليس منصة لإعادة إنتاج لغة السلطة، بل فضاء لتنوير الناس وتذكيرهم بواجباتهم وحقوقهم معا. ولذلك فإن الصوت النقدي الذي عبّر عنه الدكتور رشيد بنكيران بدا أكثر التصاقا بالواقع حين قال: “أيها الخطباء: حدثوا الناس بواجب الوقت. لو لم يكن الخطيب مقيدا بموضوعات مفروضة لاختار ما يسهم في نشر الوعي بخطورة ما يجري، ولوجّه الأبناء والآباء معا إلى القيام بواجبهم في حماية أنفسهم ووطنهم والابتعاد عن الفتنة وأعمال التخريب، وتحمل مسؤولياتهم في هذه اللحظة الحرجة. وإني لأدعو الخطباء أن يستشعروا ثقل الأمانة، وأن يحدثوا الناس بما يوقظ وعيهم ويضيء عقولهم ويأخذ بأيديهم إلى ما يقتضيه واجب الوقت في هذه اللحظة العصيبة”.

وفق بعض المحللين فقد باتت خطبة الجمعة التي كان يفترض أن توحد الناس وتفتح لهم أفقا من الرجاء والحكمة خطبة سياسية مقنّعة، ففقدت بذلك قيمتها وأثارت الغضب بدل أن تعزز الثقة، وأعادت سؤالا جوهريا إلى الواجهة: هل ما زالت منابر المساجد للناس جميعا أم أصبحت أداة لتصريف خطاب الحكومة؟

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
7°
19°
السبت
20°
أحد
20°
الإثنين
19°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة