خطبة جمعة الأمس عن التوحيد ونقيضه
هوية بريس – محمد بوقنطار
وأنت تستمع إلى الخطيب تاليا ما كتب له على الاختيار في حماسة وحسن تشخيص، يحملك التجرد للحق أن تشكر كاتبها وناسج غزلها، فقد أصل وقعد للتوحيد وما يضاده من ظلم الشرك، متتبعا غرز الآيات البينات وموارد الأحاديث المباركات التي ذهبت مذهب الترغيب في التوحيد، وأنها دعوة الأنبياء والمرسلين جميعا، والترهيب من الشرك وسوق الوعيد تلو الوعيد لمعشر المشركين المتشاكسين…
ثم ما تلبث أن تستفهم في عفوية وإنصاف عن سر السكوت والضرب صفحا عن تسمية مظاهر الشرك وفضح تمظهرات الوثنية العائدة في قوة ورسوخ وغلبة، وعن عبادة المقبورين، والطواف حول أضرحتهم، والسجود عند أعتابها التي تم تقديسها عنوة وزورا وبهتانا، وشد الرحال إليها ودعائها وسؤالها قضاء الحوائج وتحقيق الآمال والرغبات، وتزويج العانس، وهبة الولد للعاقر، ورد الغائب، والنسك لها من دون الله، وتقديم القرابين، وأكل الشوك، وعجن الزجاج، والمشي فوق الجمر، وشرب الماء الساخن، وملاعبة الأفاعي السامة، وضرب الطبل، والنفخ في مزمار الشيطان، وضرب الجسد بالسكاكين والسيوف، وافتراس الأنعام وهي حية ترزق، وولغ دمها المسفوح… إنها أحوال شاذة لم تعرف الجاهلية الأولى لها نظائر وأمثالا، وقد عشنا في المغرب صيفا ساخنا قد تصولت وتغولت في أيامه الحارة عمارة تلك المواسم الشركية ذات النكسة العقدية الغاشمة، وكأننا أمة لم يبعث فيها نبي مرسل، بله سيد الأنبياء والمرسلين، وإمام الموحدين…
فهل غاب عن مصنف الخطبة في سياق تسديد التبليغ وتأدية صك الأمانة المنوطة بشخصه، ملمح هذه الموبقات المهلكات، حتى أنه لم يقرب حماها الزائف ولم يسم طقسها الحائف؟؟!
وهب أن المصنف له من الإكراهات الرسمية، ما يسوغ هذا التغافل والصفح الطافح المدخون حسب منطقه ونصاب عذره من جهة نفسه وهواه لا دينه وتدينه، ألم يكن حريا بتالي الخطبة أن يعرج على ذكر هذه المصائب وتحذير مريدي خطبته من خطرها الداهم ولو على سبيل الاستطراد؟؟!
وإنه والله لصمت مريب، وإمساك كئيب، بل خيانة لله ولرسوله، وتنازل عن الميثاق الذي أخذه الله على العلماء مصداقا لقوله تعالى “وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه، فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبيس ما يشترون” (الآية 187 آل عمران).