خطة تسديد التبليغ.. هذا موضوع الخطبة الموحدة القادمة
هوية بريس – متابعة
قررت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية تخصيص خطبة الجمعة ليوم 25 صفر 1446هـ الموافق 30 غشت 2024 في موضوع: “أثر الإيمان في شخصية المسلم”
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلَّى الله وسلَّم على سيِّدنا محمد وآله وصحبه
الحمد لله الذي هدَى من ضلالة، وأرشد من غواية، نحمده سبحانه وتعالى حمداً بلا نهاية، ونشكره على نعمه الظَّاهرة والباطنة، لا إله إلا هو وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو حيٌّ لا يموت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير،
﴿مَّا يَفْتَحِ اِ۬للَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٖ فَلَا مُمْسِكَ لَهَاۖ وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُۥ مِنۢ بَعْدِهِۦۖ وَهُوَ اَ۬لْعَزِيزُ اُ۬لْحَكِيمُۖ ﴾[1]
ونشهد أنَّ سيِّدنا محمداً عبد الله ورسوله، ومصطفاه من خلقه وخليله، أرسله الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدِّين كلِّه، وكفى بالله شهيداً، فاللهم صلِّ وسلِّم عليه، وعلى آله ذوي المجد والقُربى، وصحابته نجُوم الاهتداء والاقتداء، والتَّابعين ومن تبعهم بإحسان في السِّر والنَّجوى.
عباد الله؛ أوصيكم ونفسي أولا بتقوى الله وطاعته، فاتَّقوا الله حقَّ التَّقوى، واستمسكوا بالعُروة الوُثقى؛
﴿وَمَنْ يُّطِعِ اِ۬للَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَيَخْشَ اَ۬للَّهَ وَيَتَّقِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اُ۬لْفَآئِزُونَۖ﴾[2]،
جعلني الله وإيَّاكم من المتقين، وجعلنا من الفائزين. آمين. يا ربَّ العالمين.
أمَّا بعد، أيها الإخوة والأخوات في الإيمان: إنَّ ممَّا ينبغي التَّذكير به في إطار مشروع العلماء الكبير في خطة: “تسديد التَّبليغ”، وترشيد سُبله ليصل بالعباد إلى غاياته المرجوَّة من تحقيق الحياة الطَّيبة الموعودة للنَّاس؛ أنَّ الله تعالى خلق الإنسان من ضُعفٍ، ثم مهَّد له السَّبيل في التَّرقي في مدارج الكمال الإنساني عن طريق الإيمان والعمل الصَّالح، إذ بهما يتغلَّب على ضُعفه، ويكون مالك ناصية أمره، فيما يصدر عنه في سرِّه أو جهره.
يقول الله تعالى:
﴿ إِنَّ اَ۬لِانسَٰنَ خُلِقَ هَلُوعاً اِذَا مَسَّهُ اُ۬لشَّرُّ جَزُوعاٗ وَإِذَا مَسَّهُ اُ۬لْخَيْرُ مَنُوعاً اِلَّا اَ۬لْمُصَلِّينَ اَ۬لذِينَ هُمْ عَلَيٰ صَلَاتِهِمْ دَآئِمُونَۖ وَالذِينَ فِےٓ أَمْوَٰلِهِمْ حَقّٞ مَّعْلُومٞ لِّلسَّآئِلِ وَالْمَحْرُومِۖ وَالذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ اِ۬لدِّينِۖ ﴾[3] …،
عباد الله؛ في هذه الآيات الكريمات يبيِّن الحقُّ سبحانه بعض صفات الضُّعف في الإنسان؛ ومنها الهلع: وهو شدَّة الجزع، والجزع: وهو قلَّة الصَّبر والتَّحمل عند الشَّدائد، ومنها أيضاً المنع من العطاء في حالة اليسر لشدَّة تمكُّن البُّخل والشُّح من النَّفس الإنسانية. ولا دواء لهذه الأدواء والأسقام؛ إلا بالإقبال على ما استُثني بعدها من خصال القُّوة والتَّمكين في مقاليد نفس الإنسان، والتَّغلب على سلطان الهوى، وهي الصَّلاة التي تربط العبد بمولاه فيقوى بها، والإنفاق الذي يطهِّر النَّفس من الشُّح حتى يصير الانفاق أحبَّ إليها من الامساك، فتجد للعطاء لذَّةً أعظم من لذَّةِ الإمساك، والتَّصديق بيوم الدِّين الموعودِ للجزاء على فعل الخير، والمحفِّزِ على فعل الخيرات رغبةً في رفع الدَّرجات يوم القيامة. ثم باقي الصِّفات المذكورةِ في سياق هذه الآيات من سورة المعارج، الجامعة بين أصُول الإيمان، وأركان الإسلام، وخصال الإحسان، التي بها يعيش المؤمن في الدُّنيا حياةً طيِّبةً، ويشار إليه في الآخرة إشارةَ تنويهٍ وتعظيمٍ في بحبُوحَة الجنان:
﴿أُوْلَٰٓئِكَ فِے جَنَّٰت مُّكْرَمُونَۖ﴾[4]
عباد الله، يجدُر بكلِّ مؤمن ومؤمنة أن ينتبه إلى الصِّفات الإيمانية التي يجب أن تشكل شخصيته فتميزها، فكلُّها صفات تدخل في تحمُّل المسؤولية أمام الله تعالى، مسؤولية النَّفس، ومسؤولية الأهل، ومسؤولية الجماعة.
لقد كثُر الحديث في هذا العصر عن الشَّخصية القويَّة، والشَّخصية الضَّعيفة، واعتاد النَّاس أن يبنُوا أحكامهم على معايير نفسية تتَّصل في الغالب بالصَّلابة في اتِّخاذ القرار، ولكن المنظور الإيماني يبرز لنا أنَّ الشَّخصية القويَّة، هي الشَّخصية المتشبِّعة برُوح الإيمان التي تزرع في صاحبها كلَّ معاني الخير، وتبني فيه الضَّمير الإيجابي الذي يحرص على أداء الحُقوق، والالتزام بالواجبات ونفع النَّاس. فليسأل كل مؤمن وكل مؤمنة ما نوع شخصيته وهو ينظر في معالم، وأسرار، وصفات الشَّخصية المؤمنة التي حدَّثنا عنها الوحي.
فاتَّقوا الله، عباد الله، وتدبَّروا آيات كتابه المبين، وتأملوا ما جاء في سنَّة سيِّد المرسلين، تجدوا في الوحيين ما تزكو به النُّفوس، وتطمئن له القلوب، وتسمو به الأرواح عن صفات الضُّعف، فيكون حال المؤمن كما قال النَّبي ﷺ:
«عجباً لأمر المؤمن، إنَّ أمره كلَّه خير، وليس ذاك لأحد إلاَّ للمؤمن، إن أصابته سرَّاء، شكر، فكان خيراً له، وإن أصابته ضرَّاء، صبر، فكان خيراً له»[5]
نفعني الله وإيَّاكم بالقرآن العظيم، وبحديث سيد الأولين والآخرين، وأجارني وإيَّاكم من عذابه المهين، وغفر لي ولكم ولسائر المسلمين، آمين. هو الحيّ، لا إله إلا هو، فادعوه مخلصين له الدِّين. الحمد لله ربِّ العالمين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ذي القوَّة المتين، والصَّلاة والسَّلام على نبيِّنا محمد القوي الأمين، وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى التَّابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدِّين.
أيها الإخوة والأخوات في الإيمان، إذا كانت خصال الضُّعف في الإنسان متعدِّدة ومتنوعة لحكمة أرادها الله تعالى لانتشاله من مهاوي الهلع، والعجلة، والجحود، والأنانية، والأثرة، والظُّلم، وغير ذلك من الأوصاف المذمومة التي حذَّر القرآن الكريم من الاتِّصاف بها، فإنَّ الله تعالى لم يترك الإنسان هملاً، بل أنزل في كتابه ما تسمو به نفوسهم عن هذه الصِّفات فتزكو. فسبيل صلاح النَّفس هو الإيمان القويُّ، والطَّمع فيما عند الله تعالى، والخوف من بطشه وعقابه، وكلُّها أركان تثمر العمل الصَّالح، الذي هو سبيلنا للنَّجاة والفلاح، كما قال الحقُّ سبحانه:
﴿فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِۦ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاٗ صَٰلِحاٗ وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِۦٓ أَحَداٗۖ﴾[6]
فافقهوا يرحمكم الله قول نبيِّكم ﷺ الذي قال:
«المؤمن القويُّ، خير وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضَّعيف، وفي كلٍّ خيرٌ، احرص على ما ينفعُك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيءٌ، فلا تقل لو أنِّي فعلت، كان كذا وكذا، ولكن قل: قدَرُ الله وما شاء فعلَ، فإنَّ “لو” تفتح عمل الشَّيطان»[7]
فاتَّقوا الله عباد الله كما أمر، وانتهوا عمَّا نهى عنه وزجر، وأكثروا من الصَّلاة والسَّلام على ملاذ الورى في المحشر، سيِّدنا محمد وعلى آله وصحبه، فاللهم صلِّ وسلِّم على سيِّدنا محمد وعلى آله، وأزواجه، وذريَّاته، والتَّابعين، كما صلَّيت وسلَّمت على سيِّدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنَّك حميد مجيد. وارض اللهم عن الخلفاء الرَّاشدين أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن باقي الصَّحب أجمعين، وعنَّا معهم برحمتك، وجودك، وفضلك يا أرحم الرَّاحمين، يا ربَّ العالمين.
وانصر اللهم بنصرك المبين، عبدك الخاضع لجلالك، المعزَّ لدينك وسلطانك، مولانا أمير المومنين جلالة الملك محمداً السَّادس، واحفظه اللهم بما حفظت به كتابك الكريم، وأقر عين جلالته بولي عهده المحبوب، الأمير الجليل مولاي الحسن، وشدَّ أزر جلالته بصنوه السَّعيد، الأمير الجليل مولاي رشيد، وبباقي أفراد الأسرة الملكية الشَّريفة، إنَّك سميع مجيب.
وارحم اللهم الملكين الجليلين، مولانا محمداً الخامس، ومولانا الحسن الثاني، اللهم طيِّب ثراهما، وأكرم مثواهما، وارفع منزلتهما في أعلى عليين، مع المنعم عليهم من النَّبيئين والصِّديقين والشُّهداء والصَّالحين.
اللهم زيِّنا بزينة الإيمان، وأكرمنا بكرامة القرآن، وألبسنا بخلعة القرآن، وتوفنا وأنت راض عنَّا يا ربَّ العالمين، اللهم اجعلنا هداة مهتدين، لا ضالِّين ولا مضلِّين، اللهم ألبسنا في الدَّارين سترك وعافيتك، وأدخلنا برحمتك جنَّتك، اللهم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على دينك وطاعتك، وأمتنا على ملَّة نبيِّك ﷺ.
اللهم حبِّب إلينا الإيمان وزيِّنه في قلوبنا، وكرِّه إلينا الكُفر والفُسوق والعصيان، واجعلنا من الرَّاشدين، فضلاً منك ورحمة يا أرحم الرَّاحمين. يا ربَّ العالمين
اللهم اجعلنا من المحبِّين لك، ولرسُولك، ولكتابك، ومن المتحابِّين فيك، وحبِّب إلينا كلَّ ما يقربنا إليك.
ربَّنا اغفر وارحم، وتجاوز عمَّا تعلم، فإنَّك تعلم ولا نعلم، وأنت علاَّم الغُيوب؛
ربَّنا إنَّنا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن آمنوا بربِّكم فآمنَّا، ربَّنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفِّر عنَّا سيئاتنا وتوفنا مع الابرار، ربَّنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة، إنَّك لا تخلف الميعاد؛
ربَّنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننَّ من الخاسرين؛
ربنا آتنا في الدُّنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النَّار.
سبحان ربِّك ربِّ العزَّة عمَّا يصفُون، وسلامٌ على المرسلين،
والحمد لله ربِّ العالمين.
[1] – سورة فاطر، الأية: 2.
[2] – سورة النور، الآية: 50.
[3] – سورة المعارج، الآيات: (19-35).
[4] – سورة المعارج، الآية: 35.
[5] – صحيح مسلم؛ كتاب الزهد والرقائق باب المؤمنُ أمره كله خير: (8/227)، رقم الحديث بمنصة محمد السادس للحديث الشريف 5071
[6] – سورة الكهف، الآية: 105.
[7] – صحيح مسلم، كتاب القدر باب في الأمر بالقوة وترك العجز والاستعانة بالله وتفويض المقادير لله، (4/2052)، رقم الحديث بمنصة محمد السادس للحديث الشريف: 4545.
اللهم اصلح هذه الامة