“خطة تسديد التبيلغ”.. هذا موضوع “الخطبة الموحدة” غدا الجمعة
هوية بريس – متابعة
خصص المجلس العلمي الأعلى خطبة منبرية موحدة في موضوع: «الصِّيام وآثاره على الفرد والمجتمع»، ليوم الجمعة 02 رجب 1446هـ، الموافق لـ: 03 يناير 2025م.
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي فرض من الشرائع ما تزكو به النُّفوس، وتطمئنُّ به القلوب، فأوجب الصَّلاة والزَّكاة والصِّيام والحج لمن استطاع إليه سبيلاً، له الحمد على ما شرع لتحقيق مصالح العباد في الدُّنيا والدِّين، ونشهد أنَّه الله الذي لا إله إلا هو، خلق فسوَّى، وقدَّر فهدى، ووعد فأوفى، نحمده سبحانه وتعالى ونستعين به ونستغفره.
ونشهد أنَّ سيِّدنا محمداً عبده ورسوله، الصَّادق الوعد الأمين، صلَّى الله وسلَّم عليه في الأولين، وصلَّى عليه وسلَّم في الآخرين، وصلَّى عليه في الملأ الأعلى إلى يوم الدِّين، وعلى آله الطَّيبين البررة، وصحابته الكرام الخِيرة، وعلى التَّابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدِّين.
أما بعد عباد الله، إنَّ ممَّا تُعنى به “خطة تسديد التَّبليغ” التي يشرف عليها العلماء، هو إبراز آثار العبادات وثمارها في حياة النَّاس، حيث سبق الحديث في خطبٍ سابقةٍ عن هذه الآثار والثمار في: الطَّهارة والصَّلاة والزَّكاة، وأنَّ الله جعلها وسيلةً لتحصيل السَّعادة في الدُّنيا والآخرة، سعادة تظهر في جميل المعاشرة، وحسن المعاملة، وكريم الأخلاق.
واليوم نخص الحديث عن “الصَّوم وآثاره على الفرد والمجتمع”. ليكون لنا الموعد مع التَّفصيل في أحكامه قُبيل شهر رمضان المكرم بإذن الله تعالى. انطلاقاً من قوله سبحانه:
﴿يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ اُ۬لصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَي اَ۬لذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾.[1]
عباد الله، إنَّ للصَّوم فرضاً ونفلاً مقاصد عدَّة، نذكر منها:
* مقصد تهذيب النَّفس وتزكيتها بكريم الخصال من جميل الأقوال والأفعال، فالصَّوم ينمِّي في العبد مراقبة الذَّات ومحاسبة النَّفس حتى تعتدل في شهوتين قد يميل المرء إلى المبالغة فيهما، وهما: شهوة البطن والفرج، بأن يواظب العبد على محاسبة نفسه كلَّ يومٍ وليلةٍ؛ ابتغاء مرضاة الله سبحانه، وهي مراقبةٌ يدرك بها الصَّائم من الجزاء الأوفى ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر، كما قال الحقُّ سبحانه في الحديث القدسي:
«يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، الصِّيام لي وأنا أجزي به، والحسنة بعشر أمثالها»[2].
* مقصد المحاسبة؛ بتصفية النَّفس وتنقيتها من كلِّ الشَّوائب التي تؤثر في قَبُول الأعمال وتمامها، وهذا الخلق لا يُثمر في حياة العبد إلا بالمواظبة على الذِّكر، وحضور القلب، بما يحفظه ويقيه من نزغ الشَّيطان، ووساوس النَّفس وإغراء الهوى. والصَّوم على هذه الحقيقة وبهذا الوعي الإيماني هو الذي يحفظ صاحبه من شرِّ الآفات والأمراض، ويبعده عن المعاصي، ويكفه عن المنكرات.
* مقصد هجر المعاصي، والكفِّ عن الحرام، وهذا مقصدٌ عظيمٌ وغايةٌ كبرى، باعتبار الصَّوم وسيلة للإمساك عن الشَّهوات، فمن ترك الشَّهوات المباحة من طعامٍ وشرابٍ؛ استجابة لله تعالى، حريٌّ به أن يترك المحرمات من كذبٍ وشهادة زورٍ واعتداء على النَّاس في أموالهم وأعراضهم؛ تحقيقاً لمعنى الاستجابة، وإلا كان صومه عبثاً لا معنى له، كما قال النَّبي ﷺ:
«من لم يدع قول الزُّور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه»[3].
فالغاية من الصِّيام بهذه المعاني إذاً هي: ترك ما حرَّم الله تعالى.