خطورة التصور النمطي للشر!
هوية بريس – تسنيم راجح
على مر وقت طويل من العرض الجامد للدين في حياة المسلمين، وكذاك التصوير النمطي للكافرين والأشرار في القصص والكرتون والأفلام والمسلسلات .. بتنا كمسلمين لا نتصور وساوس الشيطان إلا بارزة واضحة ولا نتصور شياطين الانس والجن أو صحبة السوء أو حتى المعاصي إلا بصورة بشعة شريرة تكاد رائحة النتن تفوح منها !
كثيراً ما ننسى أن المعاصي قد تبدو جميلة، الدعوة للتبرج قد تبدو جذابة، الأغاني (التي تفسد القلب وتنمّي الشهوات الحرام وتخرج منه كلام الله) قد تكون رومانسية وهادئة وقد تكون ممتعة، الفاشنيستات المتبرجات (اللواتي يعشن على عرض مفاتنهن) قد يبدين جميلات ولطيفات وعندهنّ قدرة على الترتيب والتنسيق لدرجة عالية، المسلسلات (التي تمتلئ بالاختلاط وتزيين الزنا) قد تكون مسلية فعلاً، الصاحب السوء (الذي يضرني ويجرني لقبول الحرام) قد يبدو لطيفاً ومحبّاً ومنصتاً جيداً، وحتى القريبة (التي يصعب قضاء الوقت معها دون الدخول في كثير من المحرمات كالغيبة والنميمة) قد تكون كريمةٌ ومريحةٌ وعندها بعض الخصال الجيدة في التعامل!
صحيح أن الأصل أن ينفر المسلم من الشرّ فطرةً ويرفضه، والأصل أن تزيد التربية والصحبة الصالحة والورد اليومي وغيرها من مكونات الحياة اليومية هذا النفور من الشر وكذلك حب الخير والميل له (ولذلك تجد كثيرين ممن تربوا على ذلك ينفرون بطبيعتهم من الاختلاط مثلاً، ويرفضون تلقاتئياً الموسيقى ويتضايقون منها…)..
لكن بغياب ذلك وبتشوهات مجتمعاتنا وبتزيين الشرور بالشهوات (التي سمّيت كذلك لأن الإنسان يشتهيها) وبترك البشر لغرائزهم وبكثرة الفتن حولهم فإن الشر كثيراً ما يبدو جميلاً و المعاصي وحتى الكفر كثيراً ما تكون جاذبة جداً وخادعة! بل وحتى قد تبدو وردية و”إنسانية” و”طيبة”!
ولذلك نحتاج التنبه إلى عدم الانخداع بما يظهر لنا من الأمور دون تدقيق وقياس على ما يرضي الله بعلمٍ ووعي وفهم..
فذاك المتكلم على اليوتيوب وإن ظهر بلباس الإنسانية أو الاحترام أو الحب أو الوطنية أو النكات المسلية فإنه قد يكون داعياً للكفر إن كان في النتيجة يساوي بين كل الأديان ويقول لك ألا فرق بين الطرق التي تختارها للوصول لله!
صديقتك اللطيفة معك قد تكون صاحبة سوء لكِ إن كانت تخببك على زوجك من باب “المحبة” و”الفضفضة”!
جلسة المقهى وإن كانت مريحةً وتجمعكَ بالأصحاب فإنها قد تضرك حين تقتل ساعاتك وتقربك شيئاً فشيئاً من الأراكيل ومن ثم التدخين وتزيد تهاونك بالموسيقى وآفات اللسان وإطلاق البصر في الحرام…
والأمثلة على ذلك كثيرة..
فالمعصية ليست ذات هيئة معينة، الكافر لا يبدو دوماً كما صوروا لنا أبا جهل في الدراما والكرتون الإسلامية(!)، الشر الحقيقي لا يأتي بقرون وعيون حمراء، الأماكن المؤذية لا تفوح منها روائح نتنة، والأشخاص الذين يؤذونك أو يضلونك (بعلمٍ أو بجهل) ليسوا بالضرورة شريرين أو حقودين أو مكارين مئة في المئة بالمناسبة ولا يشترط أن يكونوا ذوي هيئة ولا أسلوب معين..
يكفي أن يبعدوك عن الله ولا يرضوا التوقف، يكفي أنك تبتعد عن طاعة الله أو تتهاون بحدوده بصحبتهم أو قربهم أو متابعتهم أو القراءة لهم..
فدعك من ميلك الأوّليّ لهذا أو ذاك، دعك مما “ارتحت له” وما “يبدو” جميلاً أو لطيفاً أو طيباً..
قس الأمور بميزان الله.. صوب بوصلتك وسمّ الشر باسمه وانظر إلى حقيقته وأصله وأثره الفعليّ دون ما يثيره من عواطف أو غرائز ..
ثم أجبر نفسك على رفضه ونفّر نفسك منه أياً كان..
ضع الاخرة صوب عينيك واستعن بالله..