خطير.. غازات كيماوية سامة تخلف رعبا كبيرا بآسفي
هوية بريس – عبد الله النملي
مرة أخرى، يتسبب المكتب الشريف للفوسفاط بآسفي في حادثة خطيرة إثر تسرب غازات كيماوية سامة تسببت في رعب كبير لساكنة مدينة آسفي. فلا حديث لساكنة آسفي هذه الأيام، في البيوت، المقاهي، ومواقع التواصل الاجتماعي، إلا عن التسربات الغازية الملوثة والخطيرة من ثاني أكسيد الكبريت السام، والتي شهدتها المدينة منذ يومه الخميس 2 غشت 2018 وطيلة ثلاثة أيام متواصلة، لم تعرف لها المدينة مثيلا، مند وضع اللبنات الأولى لمغرب كيمياء سنة 1965.
وقد تسببت هذه الغازات في تأزم الأجهزة التنفسية للمختنقين المسفويين بينهم مغاربة مهاجرين بالخارج إبان زيارتهم للمدينة، وخصوصا ذوي الحساسية والمصابين بالربو، وعلى الأخص المسنين والأطفال والرضع، حولت حياة الساكنة إلى جحيم في وقت الذروة، حيث تسربت مساء وليلا، وامتدت حتى وقت متأخر من الليل، لتشمل كل الدواوير السبعة المجاورة للمركب الكيماوي، وتطال باقي الأحياء المتواجدة جنوب آسفي في مرمى فوهات المركب الكيماوي، تسببت في نقل عشرات من المواطنين والمرضى المصابين بأمراض الربو والحساسية على وجه السرعة إلى مستشفى محمد الخامس، وإلى بعض المصحات داخل المدينة وخارجها، حيث شوهد العديد من ساكنة الجنوب الذين خرجوا ليلا، أو من هم في البيوت الواقعة بجوار فوهات مداخن المركب الكيماوي، وقد وضعوا مناديل وأقمشة على أنوفهم علها تقيهم تلك السموم كما لو كانوا مزكومين، بعد أن شعروا بحروق على مستوى البلعوم والعينين وضيق حاد في التنفس وحالة القيئ، ومنهم من أغلق كل نوافذ البيت طيلة الليل، وظل يفكر في وسيلة تخلصه من السموم التي تسللت خلسة إلى غرفاته، ومنهم من سكب ورش كل العطور والروائح التي يدخرها في بيته على كل زوايا وأركان البيت، ومنهم من جرب كل البخور وأوقد كل أعواد العطور لعله يطرد تلك الغازات الملوثة لكن دون جدوى، ومنهم من استسلم لنوبات السعال المزمن والحاد، ومنهم من نقل للمستشفى الوحبد بالمدينة في حالة حرجة جراء الاختناق، وترك في قاعة لا تتوفر سوى على طبيب واحد وقليل من الكمامات، وينتظر حصته من الأكسجين إن وجد، في قاعة مخصصة للإنعاش تفتقد لأبسط مقومات الإنعاش في مثل هذه الحالات.
وعقب الحادث الخطير، أصدر نواب العدالة والتنمية بآسفي، حسن عديلي، ادريس التمري، ورضا بوكمازي، ملتمسا موجها بشكل مستعجل للسيدة كاتبة الدولة المكلفة بالبيئة والتنمية المستدامة، يطالبون فيه بإيفاد لجنة من المختبر الوطني لقياس جودة الهواء بآسفي بعد تفاقم معاناة الساكنة من الإنبعاثات الصادرة عن المجمع الشريف للفوسفاط . وجاء في الملتمس أن ( هذه الحوادث تتكرر باستمرار، دون أن يقوم المسؤولون بالمجمع الشريف للفوسفاط بأية إجراءات لوضع حد لهذه المعاناة، علما أن إدارة هذه المؤسسة سبق أن وعدت باعتماد تكنولوجيا حديثة لمعالجة تلك الإنبعاثات، وهي الوعود التي لم ير المواطن لها أي أثر في الواقع لحد الآن). والتمس البيان في الاخير ( التعجيل بإيفاد لجنة من المختبر الوطني لقياس جودة الهواء بآسفي، واتخاذ ما يلزم من تدابير وإجراءات عاجلة لوضع حد لمعاناة الساكنة ).
وفي بيان للمرصد المغربي لحقوق الإنسان فرع آسفي تساءل فيه عن ( مدى تفعيل البرنامج الوطني للهواء والذي تمت المصادقة عليه من طرف اللجنة الوطنية ورصد جودة الهواء بتاريخ 21 يوليوز 2017 والممتد إلى 2030 والذي يهدف إلى تقليص التلوث الناتج عن الوحدات الصناعية ووسائل النقل وتقوية الترسانة القانونية لتقليص تلوث الهواء ورفع مجهودات الأطراف المعنية لمواجهة مشاكل تلوث الهواء)، كما حذر المرصد ( من خطورة التأثير المباشر لتلوث الهواء من جراء الإنبعاثات الخطيرة على صحة الساكنة على الأطفال، وخاصة المصابين بالأمراض التنفسية وأمراض القلب والشرايين الناتجة عن تعرضهم للجسيمات والمواد العالقة والتي تؤدي وفي بعض الأحيان إلى الوفاة من جراء استنشاقها لهذه الإنبعاثات الغازية الخطيرة)، وحمل البيان (مسؤولية ما ستؤول إليه الأوضاع بمدينة آسفي للمسؤولين عن الشأن الداخلي للمدينة).
وقد سبق أن عرفت مدينة آسفي اختناقات مماثلة عديدة في السنوات الماضية، بسبب غازات التصنيع الكيماوي بمغرب فوسفور آسفي، تعرضت لها الساكنة المجاورة للمركبات الكيماوية أو البعيدة عنها. وكان بلاغ سابق لنقابة الفوسفاط قد ألقى كل المسؤولية على عاتق المنظومة الإدارية التي وصفها باللامسؤولة، وعزا أغلب الانبعاثات الغازية الكثيفة إلى ما أسماه بجشع المسؤولين للرفع من الإنتاج والمردودية، دون مراعاة لشروط الصحة والسلامة والبيئة. في حين لازالت دعاوي مسؤولي المركب تتخذ من العوامل المناخية مشجبا لتفسير التسربات الخطيرة، من قبيل أن “عوامل مناخية منها أساسا ارتفاع درجات الحرارة والتحرك البطيء للتيارات الهوائية التي تعمل عادة على تفكيك مقذوفات الغازات المنبعثة من العوادم، وضعف حركة التيارات الهوائية وكتل الغيوم، جعلت مقذوفات الغازات تتمركز فوق المدينة ومنعتها من التوجه نحو البحر!!.
إنها تراجيديا مدينة مهمشة تعيش تحت وطأة التلوث بشكل دائم، في وضح النهار، وفي جوف الليل والناس نيام، لكنها هذه المرة اتخذت طابعا كارثيا ومتواصلا لتقصف المنطقة بأكملها، فمن المسؤول عن هذه التسربات الغازية الخطيرة المتكررة التي جعلت صحة الساكنة في خطر؟، أليس بالمنطقة بشر يخشى عليه؟، أم أن أثر التلوث على صحة الساكنة، مثل أثر التجريح في جثة هامدة؟. وبكلام شعري زجلي بليغ يوضح مأساة آسفي مع التلوث الكيماوي المتكرر دوما، كتب الزجال المسفيوي محمد لبزيز قائلا (بتصرف):
شم يا وليدي شم
شم وعرف أش كاين تم
شم وبلا ما تحشم
هدا حقك من الocp
الى كنتي كتفهم
***
آسفي مسكينة غارقة في الهم
حتى مسؤول مبغ ينطق مبغ يتكلم
قتلتونا بالبطالة زدتونا السم
جربتوا فينا العجب وحنا بشر ولا غنم???*
***
مشيت السبيطار نداوي ما بيا
ها الديقة، ها الكحة، ها الحساسية
زادوني ريحة على ريحة خرجوا عليا
تبوقت مزيان حتى واحد ماداها فيا
ناري زادونا المحطة الحرارية
ميمتي راه كملات لينا القضية
***
حكايتنا مع الريحة حكاية طويلة
تزورنا من الليلة الليلة
مرة اوسيبي مرة زببيلة
القلب تقهر والنفس ولات عليلة
***
وا عباد الله عتقو آسفي راها كتموت
التهميش، البطالة، الفقر والتلوت
الغلة مشات مبق لا سردين لا حوت