خلف كمامة كورونا.. فرنسا تستغل الوباء للفتك بحقوق المسلمين
هوية بريس – متابعات
حين حلَّ الرئيس الفرنسي ماكرون ضيفا على حي “بورزويل” بمدينة “ميلوز” في مقاطعة “الراين الأعلى” شرقي فرنسا. صافح ماكرون الحضور بحرارة وابتسامة، لكنه لم يعلم أن على بُعد 250 مترا فقط توجد الكنيسة الإنجيلية التي ستصبح البؤرة الأولية لانتشار فيروس “كوفيد-19” القادم من الصين في شتى أنحاء البلاد، مُخلِّفا قرابة 7 ملايين إصابة ونحو 115 ألف حالة وفاة في البلاد حتى لحظة كتابة هذه السطور. (1)
وفق “الجزيرة” لم يُفكِّر ماكرون أثناء زيارته تلك بأزمة الوباء، بل شغلته مواضيع أخرى مثل حماية العلمانية، ومواجهة التغلغل الإسلامي في المجتمع، والخطر الذي يتهدَّد المبادئ المقدسة للجمهورية الفرنسية. بعد عشرة أيام من ذلك التاريخ، أعلن ماكرون رسميا شنَّ حرب لا هوادة فيها ضد ما سمَّاه “الانعزالية الإسلامية”، وقد كرَّر الرئيس الفرنسي أكثر من مرة، وفي أكثر من مناسبة، انشغاله بذلك الهاجس الذي يؤرِّقه والطبقة السياسية في البلاد، وهو هاجس أن “تنعزل” الأقلية المسلمة وتحتكم في حياتها العملية والسياسية والدينية إلى قوانين الشريعة الإسلامية واضعةً إياها فوق الدستور الفرنسي ومبادئ الجمهورية.
رغم تأكيد ماكرون أن إصدار قانون كامل ومفصَّل بشأن الأمر مسألة وقت فقط، فإن الأزمة الصحية في العالم أجَّلت المشروع لبعض الوقت، بعدما حل “كوفيد” ضيفا ثقيلا على نشرات الأخبار وأستوديوهات “التوك شو”، لكن سرعان ما عادت عجلة الحياة تدور في الإليزيه وعادت معها “الانعزالية الإسلامية” إلى الساحة، إذ أعلن الرئيس الفرنسي في أكتوبر 2020 تقديم مشروع قانون لمحاربة التطرف والانعزالية الإسلامية إلى مجلس الدولة يوم 9 ديسمبر من السنة نفسها.
لم يكن مصطلح “الانعزالية” (تُترجم الكلمة الفرنسية “Séparatisme” إلى الانفصالية أيضا) متداولا داخل الأروقة السياسية أو العلمية الفرنسية، بل ارتبط المصطلح أساسا بمطالب إقليمَيْ “الباسك” و”كتالونيا” بالانفصال عن إسبانيا، وبمطالب الاسكتلنديين بالخروج من عباءة بريطانيا، وربما ببعض الحركات الانفصالية في أفريقيا وأميركا اللاتينية. ويُطلَق المصطلح في العموم على الحركات المسلحة التي تحاول الخروج على السلطة الحاكمة، تماما كما حدث في الولايات المتحدة الأميركية حينما بدأ الأميركيون ذوو الأصول الأفريقية بالدعوة إلى الانفصال عن البيض وثقافتهم وديانتهم، والعودة إلى ثقافتهم الأصلية ودياناتهم مثل الإسلام وبعض الديانات الوثنية. (2) ورغم ندرة هذا المفهوم في القاموس السياسي الفرنسي، فإن ماكرون استقاه من أحد رموزه المفضلين، الرئيس الفرنسي السابق “شارل ديغول”، الذي حارب الأفكار الشيوعية شأنه شأن باقي الدول الغربية أثناء الحرب الباردة.
في يوم 20 ماي 1952، خرج ديغول في خطاب قال فيه إنه سيعمل بجد حتى يحارب ذلك الداء المُستشري في المجتمع الذي يُسمى “الانعزالية” بهدف إعادة الوحدة الوطنية التي تضمن لفرنسا القوة والسعادة، ومن ثمَّ حارب ديغول الشيوعيين واعتبرهم سرطانا سيهدم الدولة ومفاصلها. يسير ماكرون اليوم على الخط نفسه، مستبدلا مكة بموسكو ليس إلا، ومُعلِنا عن حرب سياسية تستهدف الأقلية المسلمة في البلاد، رغم أن المقارنة ليست متكافئة في الحقيقة، ذلك لأن الحزب الشيوعي الفرنسي حظي بتعاطف ربع الفرنسيين في حين يظل الحضور السياسي للإسلام ضعيفا ومُتشتَّتا داخل أقلية بعينها. (3)
رغم أن تشريع هذا القانون ارتبط إعلاميا بالأحداث التي عرفتها فرنسا مؤخرا، وعلى رأسها مقتل المعلم الفرنسي “صامويل باتي” بعد عرض صور كاريكاتورية مسيئة للنبي محمد ﷺ، فإن فكرة سن مشروع يستهدف الأقلية المسلمة راود ماكرون منذ ديسمبر/كانون الأول 2017. وحسب ما كشفته صحيفة “لوباريزيان” الفرنسية، فقد طالب الرئيس الفرنسي وزير الداخلية السابق “جيرارد كولومب” بتكثيف مراقبته على ضواحي المدن حيث تتركَّز الجاليات الإسلامية، ومحاولة اختراقها من أجل التحقيق في وجود شبكات جهادية نشطة داخل فرنسا وخارجها، وسرعان ما بدأت الخطوة الأولى بـ 15 ضاحية، هذا وحرصت الحكومة الفرنسية على سرية الخطوة وعدم الترويج لها إعلاميا إلا بعد التأكُّد من تحقيقها نتائج مرجوة. (4)
بعد رحيل كولومب وتعيين كريستوف كاستانير وزيرا للداخلية، جاءت تعليمات الإليزيه واضحة بالعمل على استصدار قانون يؤطر مراقبة الفعاليات الإسلامية من مساجد وجمعيات وناشطين، وأن يكون القانون قويا وصارما بما يكفي، دون أن يتصادم مع قانون 1905 الذي يفرض على الدولة عدم التدخُّل في الشؤون الدينية. وقد سرَّعت الأحداث من صدور هذا القانون في ظل اتهامات المعارضة اليمينية لماكرون بعدم الضرب بيد من حديد على “التطرف الإسلامي”، ما دفع ماكرون لوضع اللمسات الأخيرة على نص يظهر به أكثر حزما في عيون الناخبين مقارنة بالخطاب العنصري الفاشي الكلاسيكي الذي يُنتجه حزب “مارين لوبِن”. واستدعى الإليزيه المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية التابع بصورة غير عضوية للدولة، وصاحب العلاقات القوية مع وزارة الداخلية، مُطالِبا إياه بالانخراط في المشروع وتأكيد نقطتين أساسيتين: محاربة الإسلام السياسي، ورفض التمويل الخارجي للمساجد والجمعيات الإسلامية. (5)
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
1- Séparatisme islamiste : l’histoire secrète d’un projet de loi brûlant
2- Un séparatisme « venu d’en haut » Rhétorique identitaire pour élites en mal de légitimité populaire Vincent Geisser
3- Du séparatisme communiste au séparatisme musulman
4- Séparatisme islamiste : l’histoire secrète d’un projet de loi brûlant
5- المصدر السابق.