خواطر سريعة حول المناظرة التاريخية بين محمد حجاب و”ويليام لين كريغ” (فيديو)

20 سبتمبر 2024 17:56

هوية بريس – د.سامي عامري

جرت البارحة مناظرة على مدى ساعة كاملة حول معقولية التثليث النصراني بين الأخ محمد حجاب والفيلسوف (واللاهوتي) ويليام لين كريغ، أشهر مدافع عن النصرانية في الغرب في القرن الأخير.

وهذه خواطر سريعة حول المناظرة:

1
عليّ أن أقدّم كل الشكر للأستاذ محمد حجاب على اختياراته في مناظراته مع النصارى بعد مناظرته التي كسر فيها أنف دافيد وود، وأنه لم يقع في الفخ الذي وقع فيه كثير من الدعاة.. لقد سئمنا كل السآمة من مناظرات يجريها دعاة لهم وزن مع نكرات أو مشاغبين يبحثون عن الشهرة بين المسلمين من خلال انتقاء من لهم صوت بيننا.. ويليام كريغ مدخل عظيم لمخاطبة النصارى، خاصة المثقفين منهم.. إذا أردت أن تصطاد، فاصطد رأسا لا ذيلا، وانقل المعركة إلى أرض خصمك.

2
كما عليّ أن أشكر الأستاذ محمد حجاب أنه اختار موضوع التثليث؛ لسببين، أولهما أنّه جعل موضوع البحث متعلقا بمشاكل النصرانية؛ فهو يكسب أرضا للدعوة في حواره، وثانيا أنّ التثليث أضعف مباني النصرانية، رغم أنّه من أصولها، ولذلك يرفض عامة النصارى ابتداء المناظرة في هذا الموضوع (كما ذكرته في مقدمة كتابي: من اختار الأناجيل الأربعة؟).

3
أشكر الأستاذ حجاب أنّه أظهره الاحترام لمشاهديه من المسلمين الذين مثّلهم في هذا الحوار، بأن أحسن الإعداد للمناظرة، وفعلَ ما هو للأسف نادر بين كثير من المحاورين، وهو الاطلاع على كتابات المخالف وتتبعها والرد عليه من خلالها.. قد يبدو هذا التعليق غريبا، لكنه يعكس الواقع حقيقة.. لقد رأيت مناظرات عشوائية لناس تتحدث “مُخيخي” دون إعداد، باعتبار أن المخالف صاحب عقيدة فاسدة، ولا حاجة للإعداد، وفي ذلك غفلة عن أن المناظر المسلم لا بد أن يسعى أن ينكي في الباطل من كل وجه، لا أن يلقي معارضاته دون اعتبار لقوتها أو مناسبتها السياق أو موافقتها لطبيعة مذهب المخالف.

4
أحسن الأستاذ محمد حجاب عندما قلب على كريغ محاولة نقله الجدل إلى الدائرة الإسلامية؛ بالإشارة إلى اختلاف أهل القبلة المسلمين في بعض مسائل الصفات. كان الرد شديد الذكاء ببيان أنّ القضية التي يجب أن تثير عقل السامعين ليست الاختلاف في هذه المسألة بين أهل دين واحد؛ فإنّ هذا الاختلاف لا يعود على الأصل بالنقض، الإشكال الحقيقي هو أن ويليام لين كريغ يتبنى رؤية للتثليث لا يكاد يوافقه عليها أحد من لاهوتيي النصارى (وقد كذب كريج عندما زعم مثلا أن كليمنت السكندري يوافقه، ولهذا البحث تفصيل).. بمعنى: “كيف تدافع عن التثليث النصراني، وهو أصل أصولكم، ولا أحد يتابعك على فهمك؟! ألا يدل ذلك أنّك تقرّ بلاعقلانية ما عليه جميع اللاهوتيين النصارى على مدى ألفي سنة؟”.. ثم تقدم الأستاذ حجاب خطوة رائعة إلى الأعلى، بقوله أنا أوافقك أنّ ما عليهم عامة لاهوتيي الكنيسة في شأن التثليث باطل، وغير عقلاني، وشركي.. وهنا ضرب الجميع بعصا محاوره، ضرب لاهوتيي الكنيسة بصواب اعتراضات كريغ عليهم، وضرب كريغ بأنّ تفسيره للتثليث ملفّق؛ فإنّه لم يهتد إليه أحد قبله تقريبا!

5
اعترض الأخ محمد حجاب على التثليث عقليا بدليل التمانع، وكثير من المفسرين على أنه دليل قرآني، فلم يدر كريج جوابا؛ إذ حاول أن يعترض بمعقولية اتفاق الآلهة وعدم تخالفها، فرده الأخ حجاب إلى حقيقة السؤال،وهو وجوب هذا الاتفاق لا مجرد جوازه عقلا. كما كشف الأخ محمد حجاب أن كريغ يقول بقدرة اختيارية للإله تتعارض مع مذهبه في وجوب الفعل على الإله، وقد أقر كريغ بالأمر، ولم يجمع بينهما جمعا سائغا. جواب كريج كان من صريح الشرك الذي هو أوضح من أن يجادل فيه، فالتثليث عنده: ثلاثة أشخاص، لكلٍ إرادة مستقلة عن الآخر! إذا لم يكن هذا شركا؛ فما الشرك؟ كما تحير كريج في شأن اشتراك الأقانيم في الخلق، مع أنّ لكل منهم إرادة مستقلة عن الآخر! والعجيب أنّ كريغ أظهر أنه يتبنى أيضا أن الأقانيم أجزاء للثالوث.. وكانت أمثلته لشرح مذهبه تزيده رهقًا، وتلصقه بالهراطقة.

6
كنت أودّ لو كان الجدل في” التثليث بين العقل والنص”؛ لأن مشكلة التثليث تشمل أيضا مخالفة منصوص العهدين القديم والجديد، وأيضا يندرج تحت ذلك أمر تحريف العهد الجديد انتصارا للتثليث. وهي مسائل ناقشتها بتفصيل في كتاب “تحريف الإنجيل”، ولكن كان العنوان الرسمي للمحاورة متعلقا حصرا بالجانب العقلي وحده، والعجيب هنا أن كريج سعى أثناء المناظرة إلى نقل الجدل إلى التثليث والنص، ببيان موافقة مذهبه للعهد الجديد، وهذا من التلاعب غير الأخلاقي بالحوار من جهته.

7
بدأ كريج حديثه باتهام الأستاذ محمد حجاب أنه أساء فهم التثليث هو وعامة المسلمين تأثرا بالقرآن الذي أخطأ -بزعمه- في فهم التثليث (أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله) إذ جعله: الآب والابن والأم، لا الآب والابن وروح القدس. وقد أحسن الأستاذ حجاب الرد عليه باختصار، ببيان أن الآية في الغلو في مريم حتى جعلها كثير من النصارى محل عبادة، وهو ما عليه كثير من المستشرقين في تفسير الآية، مثل Sidney Griffith و David Thomas و Guillaume Dye.. وقد ناقشتُ هذه المسألة بتفصيل في كتاب “شبهات تاريخية حول القرآن الكريم” -ومن باب التسريب، هذا الحديث جزء من كتاب أكاديمي بالإنجليزية كنت أعمل عليه هذا الصيف المنصرم، ولعلي أنشره آخر السنة القادمة بإذن الله، ويتعلق بمسألة خاصة بالدراسات الاستشراقية ومصادر القرآن، وربما أعرّبه لاحقًا إن شاء الله-.

رابط المناظرة (لم تُعرّب بعد):

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M