“داعش” ينتخب “ترامب”
هوية بريس – حسام عبد العزيز
عملاء يجثمون على صدور شعوب مسلمة مغلوبة على أمرها. حكام غربيون يزعمون احترام الإسلام ويحاربونه في كل شبر متدثرين بشعارات الحرب على الإرهاب. شعوب كافرة لن ترضى عن المسلمين حتى يتبعوا ملتهم. مسلمون يساكنون كفار الغرب ويقدمون الدعاية لهم. هكذا تقرأ الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) المشهد، وترسم وفق هذه القراءة استراتيجيتها لتفكيك هذا النظام العالمي.
اعتمد داعش منذ ظهوره على بث المشاهد المرعبة لعمليات الإعدام التي ينفذها. صور تخلع القلب لرقاب أجانب تحزها السكاكين، ورسائل تتوعد الغرب بالفتح القريب على يد جنود “دولة الخلافة”. في هذه الأثناء كان التنظيم ينفذ عددًا من الهجمات في مدن غربية على يد مقاتليه الأجانب. هجمات بلغت ذروتها العام الجاري وكان آخرها هجوم أوهايو الذي نفذه صومالي وأعلن داعش مسؤوليته عنه.
لكن ما الذي يريده داعش بهذه الهجمات وهذه الصور؟
يقول آري كروجلانسكي – بروفيسور علم النفس في جامعة ميريلاند: “هذا بالضبط ما تسعى إليه الدولة الإسلامية: استفزاز الجماهير ليقوموا بأعمال ضد المسلمين. حينئذ يكون التنظيم قادرا على أن يقول (للمسلمين المقيمين بالغرب): لقد أخبرتكم بذلك. هؤلاء أعداؤكم وأعداء الإسلام”. (واشنطن بوست 17 نوفمبر 2015).
ويرى جيلز كيبل البروفيسور بمعهد الدراسات السياسية بباريس أن انتشار هجمات داعش العمياء سيحرض على عمليات إعدام للمسلمين خارج إطار القانون والهجوم على المساجد والتحرش بالمحجبات. (واشنطن بوست 17 نوفمبر 2015)
يخطط داعش -كما يقول في العدد السابع من مجلته الرسمية “دابق”- لهدم ما يسمى “المنطقة الرمادية” وتقسيم العالم إلى “معسكرين لا ثالث لهما”: معسكر للإيمان وآخر للكفر. بعبارة أخرى: يريد داعش أن “يعرِّي” شعوب أوروبا والولايات المتحدة قيميًا أمام المسلمين، وذلك حين يتعرض المسلمون هناك إلى العقاب على ذنوب لم يقترفوها على يد جيرانهم الغربيين الذين طالما تغنى المسلمون هناك بتحضرهم وعدالتهم. وكلما تعرض المسلمون للاضطهاد هرع المزيد منهم إلى ما يسمى بدولة الخلافة لتكون هذه الأعداد بمثابة المدد الذي لا ينقطع.
ينشر داعش في مجلته الرسمية: “سيجد المُسلمون في البلدان الصليبية أنفسهم مدفوعين لترك مساكنهم للحصول على مكانٍ للعيش في أرض الخلافة، وذلك حين يزداد اضطهاد الصليبيين ضد المسلمين القاطنين في الأراضي الغربية”.
ويضيف: فحضور الخلافة أيضًا يضخّم التأثير السياسي والاجتماعي والاقتصادي والعاطفي لأي عملية يقوم بها المجاهدون ضد الصليبيين الحاقدين. وهذا التأثير المتعاظم سيفرض على الصليبيين هدم المنطقة الرمادية بأنفسهم، المنطقة التي يختبئ فيها كثيرٌ من المُنافقين والمُبتدعة المُنحرفين مِمّن يعيشون في الغرب.
لكن ما الذي يسوغ لتنظيم مسلم إلحاق الأذى بمسلمين من أجل غاية شرعية؟
الحقيقة أن داعش لا يرى عذرا شرعيا لمسلمي الغرب في البقاء هناك، فهم “ظالمو أنفسهم” لإقامتهم بين “ظهراني المشركين” بنص الآية 97 من سورة النساء، وهم كالمشركين حين جامعوهم وساكنوهم. (انظر الفيديو الذي أصدره المكتب الإعلامي في محافظة دير الزور شرق سوريا بعنوان: “إلى مخيمات الخذلان”، وكذا العدد السابع من مجلة دابق)
لقد نجح داعش في استراتيجيته، وارتفع عدد الاعتداءات على المسلمين في أوروبا. ففي فرنسا التي تضم أكبر نسبة للمسلمين بأوروبا، رصدت منظمة “التجمع ضد الإسلاموفوبيا في فرنسا” تضاعف أعمال العنف ضد المسلمين وتخريب المساجد إلى أكثر من أربعة أضعاف خلال الستة أشهر التالية لحادثة تشارلي إبدو، وذلك بالمقارنة مع نفس الفترة من عام 2014. كما حذرت فريدوم هاوس في مايو 2016 من تصاعد الإسلاموفوبيا في أوروبا بما يهدد الديمقراطية. أضف إلى ذلك عشرات الاعتداءات التي تم رصدها في الولايات المتحدة بمجرد إعلان ترامب رئيسا للولايات المتحدة.
لا تقتصر استراتيجية داعش على الدفع باتجاه الردكلة Radicalisation على المستوى الشعبي أو “إظهار وجه الشعوب القبيح”، بل تستهدف أيضا تحقيق ذلك على مستوى القيادة السياسية وبآليات ديمقراطية. كيف ذلك؟
تزداد هجمات داعش في الغرب وتتصاعد وتيرة الاعتداءات على المسلمين هناك، وتقود مشاعر الإسلاموفوبيا الشعوب “المتحضرة” إلى انتخاب اليمين المتطرف والقادة الذين يجهرون بعدائهم للإسلام صراحةً وليس لداعش وحدها. حينها يكون الصدام قويا والصراع واضحا وبلا منطقة رمادية. صراع يحشد المسلمين كلهم ضد الغرب على طريقة الحروب الصليبية. وبينما كان النخب يحذرون من انهيار المجتمع الأميركي بانتخاب دونالد ترامب، تصم الشعوب العاطفية غير العاقلة آذانها عن النداء وتصر على تنصيب المتطرف السبعيني رئيسا على حساب كلينتون التي كانت ستدعم بشار الأسد والعبادي والسيسي كخصمها ترامب ولكن بوجه أكثر نعومة وخبثًا ودون استعداء المسلمين.
البغدادي يلاعب الغرب بسلاح الديمقراطية ذي الحدين ويعول على الشعوب الموتورة في تفكيك النظام العالمي على يد شعوبه. ترامب رئيسا لأكبر قوة في العالم، واستطلاعات الرأي حول إرسال القوات الأميركية لمواجهة داعش تقلبت بشكل عجيب من الرفض إلى التأييد بين عامي 2014 و2016، ورموز اليمين المتطرف المعادية للمسلمين واللاجئين تتقدم بثبات إلى دوائر الحكم أو التأثير في فرنسا وهولندا وألمانيا وإيطاليا وبلجيكا والسويد واليونان.
لن تكون هجمات أوهاويو الأخيرة بالتأكيد، لاسيما بعد تراجع أعداد المقاتلين الأجانب في صفوف داعش فبينما تهلل الولايات المتحدة لهذا التراجع بوصفه نجاحا لحملة قوات التحالف، يرى خبراء كبيتر نومان مدير “المركز الدولي لدراسة التطرف” في “كلية لندن الملكية” أن هذا ينذر بمرحلة جديدة يختار فيها المقاتلون الأجانب تنفيذ الهجمات داخل أوطانهم بدلا من السفر خارجها.
يحاول تنظيم الدولة الخروج من النظام العالمي بل وإعادة تشكيله بطريقة تشبه الفوضى الخلاقة التي أرادتها واشنطن للشرق الأوسط. محاولة قد تفرز وضعا أفضل وقد تشعل نارا لا يصطلي بها إلا مسلمو العالم.
الغرب لا يحتاج إلى ذريعة لإضطهاد المسلمين و إيذائهم و الإعتداء عليهم سواء داخل بلاد المسلمين أو خارجها لأن الله تعالى يقول : { و لا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا } ,