دة. صفية الودغيري تكتب عن: فن القراءة وفن الكتابة
هوية بريس – صفية الودغيري
إن فن الكتابة يختلف عن فن القراءة، فحين تختار أن تكون قارئا لدواخل النفس وبواطن الروح، فأنت تمارس فن الإصغاء لذاتك وذوات من حولك، وتمارس فن التذوق ولذّات الشعور والتفكير في عوالم عجيبة وفريدة، تدعوك إلى سبر الأغوار واكتشاف الحقائق والأسرار، والإحاطة بجزئيات وتفاصيل لا يلقي لها بالا من حُرم تلك البصيرة النافذة إلى الأعماق..
وخلال هذه الرحلة الشاقة والماتعة قد تكتشف امتلاكك لموهبة في ممارسة فن الكتابة، فينتج عن ذاك اجتماع وتوافق بين ألوان مختلفة لم تكن تميزها من قبل، وتكتشف بينها ذوقك المختار ولونك المفضل، فتبدأ تستحم في حبر مدادك، وتريقه على صفحاتك وأوراقك البيضاء، وتستمتع بنشوة ذاك الخليط من الانسجام المشترك بين ألوان مختلفة من الخواطر، والفصول الطويلة والقصيرة من القصص والحكايات، فيولد قلمك بعد مخاض عسير في رحم الأفكار، يحتويك ويحتوي شعورك الأخاذ، ويهزك ويهز حروفك والكلمات هزا قويا، يحركك من سكون ومن مرقدك الخامل، فيسطع إلهامك كما تسطع الشمس في أول بزوغها نقية صافية في زمن ما أو مكان ما..
إنه ميلادك وميلاد قلمك، وميلاد حياة أخرى ستغير مجرى وسيرورة اهتماماتك، خلالها يلزمك ويلزم قلمك أن تتأبط الورق وتمتطي صهوة السطور، وتركض خلف المعاني حتى تمسك بجوهرها النفيس، وتتأهب لذاك الحدث الجليل تأهُّب البطل الفارس المغوار الذي لا يثنيه عن خوض غمار ساحات الكتابة مانع، ولا يردُّه عن جهاده في البيان والتعبير إلا أن يقبل على ممارسة فن الكتابة بكل ما أوتي من قوة ورباطة جأش، في تشاكل وتناغم بين ما أوتيت من إلهام وبين ما رُزقت من موهبة التعبير بحذق وإجادة، وتمكُّن من أدوات البيان والفصاحة بلغة تسمو بك وبقلمك، وتشد انتباه القارئ والمتلقي لكلامك، وتنفذ بيسر إلى منافذ روحه وقلبه، فتنجب للحياة جيلا من القراء وعشاق القراءة يتعلمون منك كيف يعبرون بلا قيود ..
فيا أيَّتها الحروف والكلمات التي ضمَّتتْها الشِّفاه..
غَرِّدي على عرش السُّطور والصَّفحات..
وانْسُجي ما حاك في الصَّدر من شوارد الأفكار..
وداعبي رفيف الخَواطر وفصول الحكايات كي تعانق لمعة الإلهام في البكور والإصباح..
وأَذيبي الجليد المتراكم على سفوح الصُّدور والسطور والصفحات..
واقبضي على جمر القهر واليأس المُلَبَّد بالانهزام والانكسار..
واحملي قلمك الأشَمّ الصَّامد بلا انْصِهار الحِبر يملأ الفراغات، والبياض الحافي من النِّقاط..
وتنَفَّسي نبضاتك من أعماق بحورك بلا انْقطاع..
ودَعي الآمال والأحلام تصنع لها وجودا وحياة بقوة بلا اغْتِراب..
كي لا تغيبين، وتغيب شموس الأقلام في معابِر النِّسْيان والضَّياع..