دحمان يكتب: خطورة التطبيع التربوي على النسيج المجتمعي

27 سبتمبر 2025 13:50

خطورة التطبيع التربوي على النسيج المجتمع

هوية بريس-ذ.عبد الإله دحمان

أضحى موضوع التطبيع التربوي أحد أخطر التحديات التي تواجه المجتمعات العربية والإسلامية في العقود الأخيرة، إذ لم يعد التطبيع محصورا في المجال السياسي والاقتصادي والأمني ومختبرات البحث العلمي، بل الأخطر هو تسرّب التطبيع إلى مناهج التربية وفضاءات المدرسة والجامعة. لماذا؟ لأن هذا الشكل من التطبيع يسعى إلى إعادة تشكيل وعي الأجيال الناشئة على نحو يتناغم مع الرواية الصهيونية، ويحتضن سرديتها، مما يؤسس لثقافة قبول “الآخر” المحتل لا بوصفه غازيا مغتصبا، وإنما “شريكا طبيعيا” في المشهد الإقليمي والقاري. لذا وجب تحديد وضبط المفاهيم ومنه مفهوم التطبيع التربوي.

 

1-مفهوم التطبيع التربوي

التطبيع التربوي هو إدماج مضامين أو توجهات في البرامج التعليمية والأنشطة المدرسية والجامعية، تتبنى خطابا مموها يسعى إلى تليين الموقف من الاحتلال، سواء عبر تغييب القضية الفلسطينية من المقررات، أو عبر تقديم سرديات بديلة تصف “الاحتلال” بـ”النزاع”، أو من خلال تشجيع أنشطة مشتركة بين الطلبة العرب وطلاب صهاينة تحت عنوان “التعايش والسلام”. إنه عملية منظمة تهدف إلى هندسة الوعي وخلق أجيال منزوعة المناعة تجاه العدو.

 

2-آليات التطبيع التربوي:

يراهن التطبيع التربوي على مداخل متعددة، منها إعادة صياغة المناهج، أي حذف كل ما له علاقة بالمقاومة أو بالجغرافيا السياسية لفلسطين وللقضية. والسعي إلى إنتاج خطاب محايد من قبيل “تازة قبلة غزة”، أو استعمال مفردات مثل “النزاع” بدل “الاحتلال”، و”السلام” بدل “التحرر”، مما يربك الهوية المفهومية لدى المتعلم ويعيد صياغة تمثلاته العامة. ويستغل في ذلك الأنشطة الموازية والزيارات المتبادلة الطلابية، ومحاولة استنبات ورشات “التسامح”، وعقد الندوات المشتركة، وهي في جوهرها قنوات لتطبيع الوجدان والمخيال.

كما يلعب التأثير الإعلامي والتكنولوجي دورا مهما في إدماج منصات تعليمية رقمية أو محتويات بصرية تحاكي “السلام الإقليمي”، وتغيب الجرائم اليومية للاحتلال.

 

3-خطورة التطبيع التربوي على النسيج المجتمعي

تنتشر خطورة التطبيع وتخترق تماسك النسيج المجتمعي وتكرس واقعا مختلا من قبيل:

1-تفكيك الهوية الجماعية فالمدرسة التي كانت فضاء لغرس قيم التحرر تصبح مع التطبيع أداة لخلخلة الانتماء الوطني.

2-إضعاف الذاكرة التاريخية ومسخها، بحيث الأجيال الجديدة تُربّى على النسيان، ما يقطع استمرارية التضامن مع القضية الفلسطينية بل وإنهاء القضية في الذاكرة، لأن هذه الأخيرة هي مجال المعركة حاليا وباستغلال الثورة التكنولوجيا على مستوى التواصل والاتصال.

3-السعي إلى إحداث شرخ قيمي بين الأجيال، من خلال أن يتشبع الجيل الجديد بقيم مغايرة لمواقف الأجيال السابقة، مما يتولد معه صراع داخلي في الأسرة والمجتمع.

4-إعادة تشكيل الولاءات في مقابل الولاء للأمة وقضاياها المركزية، أي إعادة توجيه الولاء نحو “جهات في المجتمع الدولي” و”القيم الكونية” المفرغة من بعدها التحرري.

5-إضعاف الحصانة المجتمعية، أي انتاج المجتمع الذي يتبنى خطاب “التعايش مع الاحتلال”، مما يفقده أدواته الدفاعية، ويصبح أكثر عرضة للاختراق السياسي والاقتصادي والثقافي.

 

4-أبعاد تفكيك النسيج المجتمعي وهي مرتبطة بالأجندة الصهيونية الاستراتيجية وذلك من خلال ما يلي:

1- البعد الثقافي من خلال السعي الى ضرب المرجعيات الرمزية المشتركة التي كانت توحّد المجتمع حول قضايا العدالة والتحرر.

2- البعد الاجتماعي، من خلال السعي الى تفتيت الروابط التضامنية بين الفئات، وتحويل الاهتمام من القضايا المصيرية إلى اهتمامات فردانية مرتبطة بمنظومة نصالح شخصية او جماعية.

3- البعد السياسي وذلك من خلال خلق جيل “مُحايد سياسياً” لا يرى في المقاومة خيارا شرعيا، مما يفتح الباب أمام شرعنة سياسات الاحتلال.

خاتمة

بناء على ما سبق فالتطبيع التربوي ليس مجرد خيار سياسي، بل مشروع استراتيجي يهدف إلى إعادة إنتاج الإنسان العربي نفسه في صيغة متماهية مع العدو. وإذا كان النسيج المجتمعي يقوم على مشتركات الهوية والذاكرة والقيم، فإن التطبيع التربوي يضرب هذه الأسس في العمق، ما يجعله أخطر من أي شكل آخر من أشكال التطبيع. مواجهة هذا التحدي تقتضي تحصين المدرسة والمجتمع، وصيانة المناهج من كل اختراق، وربط التعليم بمشروع التحرر الوطني والقومي.

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
9°
19°
السبت
20°
أحد
20°
الإثنين
19°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة