دراسة ميدانية للبرلمان تستنكر استمرار حضور الفرنسية في الإدارة والإعلام وتواصل المسؤولين
هوية بريس – متابعة
أنكرت الدراسة الميدانية للبرلمان حول اللغات الوطنية والأجنبية استمرار حضور الفرنسية واستعمالها في الإدارة رغم عدم قانونيتها، وأيضا تبقى الفرنسية هي اللغة الرسمية الحقيقية للانتقال الرقمي.
كما أكدت المؤسسة الوطنية على استمرار المسؤولين في التواصل باللغة الفرنسية، وعلى مستوى الإعلام العمومي، يسجل حضور مبالغ فيه للغة الفرنسية.
وهذا نص البيان كاملا:
“لقد أكدت الحكومة رفضها غير المبرر الإنصات إلى مطالب المغاربة المتزايدة بإلغاء استعمال اللغة الفرنسية في الإدارة والمرفق العام ووسائل الإعلام العمومية بما فيها الإذاعات والتلفزيون، وكذا التراجع عن فرنسة التعليم التي نتج عنها ضرر كبير للتلاميذ، بشهادة العاملين في المجال، وقد طالب المغاربة، إضافة إلى تعزيز الطابع الرسمي والسيادي للغتين الرسميتين، الانفتاح الحقيقي على اللغة الإنكليزية لكونها لغة التواصل العالمي، ونظرا للانفتاح الكبير الذي بدأ يعرفه المغرب، والمجتمع المغربي خصوصاً، والذي بات يعتبر استمرار الحفاظ على اللغة الفرنسية ومنحها طابعاً قدسياً رغم أنها لا تمت بأي صلة إلى المغاربة وليست مظهرا من مظاهر هويتهم ولا تعبر عن انتمائهم الحضاري، إهانة بحد ذاتها للمغرب بلدا وشعبا، نظرا لحالة التخلف والتأخر التي باتت تعرفها هذه اللغة على الصعيد الإقليمي قبل الدولي.
كما أكدت الحكومة رفضها التجاوب مع مطالب المغاربة رغم الحملات الشعبية الواسعة، وكان آخرها الحملة الوطنية التي شارك فيها ملايين المغاربة على شبكات التواصل الاجتماعي، ورافقتها عريضة إلكترونية مطلبية حملت توقيعات ما يناهز 13000 مؤيد لمطلب الاستقلال اللغوي عن فرنسا وتعزيز الحضور الدستوري والشعبي للغتين الوطنيين، مع الانفتاح على اللغة الإنكليزية بما يشمل التعليم والإدارة والحياة العامة، من خلال اعتماد معايير معقولة وموضوعية كما هو معمول به في الدول المتقدمة والديمقراطية، على النحو الذي لا يؤثر على حضور ومكانة اللغات الوطنية.
يسود شبه إجماع على ضرورة إحداث نقلة نوعية في هذا المجال، للانتقال الفعلي نحو العدالة اللغوية، وذلك بتبني سياسات لغوية عصرية ديمقراطية تشاركية، تقطع مع زمن الإقصاء والاستفراد بالقرار اللغوي واستئثار فئة محدودة بصلاحية الاختيار اللغوي بما يضمن مصالحها الضيقة على حساب الشعب المغربي.
لقد أكدت الدراسة الميدانية الأخيرة التي أعدها البرلمان، وبشكل رسمي هذه المرة، الاختلالات التي يعرفها الوضع اللغوي في المغرب، واستمرار الارتهان إلى توجهات تعود إلى فترة الاستعمار، لم تعد تواكب العصر، ولا تراعي حجم الوعي الشعبي.
وبمناسبة هذه الدراسة العلمية غير المسبوقة التي أعدتها لأول مرة مؤسسة رسمية وهي السلطة التشريعية، نعيد سرد عدد من الملاحظات نلخص فيها الوضع اللاقانوني للغة الفرنسية، واستمرار تغولها ضد على إرادة الشعب المغربي:
أولا، على مستوى الإدارة، يسجل أن هذه الأخيرة مازالت تستعمل اللغة الفرنسية رغم عدم قانونيتها على نطاق واسع، سواء في تصرفاتها الداخلية أو في تواصلها الكتابي مع المرتفقين، كما أن الفرنسية هي لغة استقبال المكالمات الهاتفية.
ثانيا، في ما يخص التحول الرقمي، فإن تساؤلات واقعية وموضوعية تطرح حول جدوى هذا المشروع الوطني السيادي الذي صرف عليه أموال طائلة، حيث أن الفرنسية مازالت هي اللغة الأساس إن لم نقل أنها اللغة الرسمية الحقيقية للانتقال الرقمي، ذلك أن عددا من المنصات والمواقع الإلكترونية العمومية ترفض توفير اللغة العربية، أو في أفضل الأحوال تطلق باللغة الفرنسية ثم بعد وقت طويل يتم إضافة العربية، كما أن الردود والاشعارات عبر البريد الإلكتروني تتم غالبا باللغة الأجنبية، فضلا عن ذلك، فإن معظم المواقع العمومية تجعل نسختها الرئيسية باللغة الفرنسية، وهو ما يساءل السلطة المشرفة حول مدى التزامها بالنص الدستوري الذي أعطى للعربية الأولوية وألزم بتنمية استعمالها
ثالثا، استمرار المسؤولين في التواصل باللغة الفرنسية، بل إن هناك من يُشرّع لنفسه حق الدفاع عنها، حيث يعمد بعضهم إلى تبرير استعمال الفرنسية بكونها -وفق رأيهم الشخصي -لغة الإدارة، رغم عدم وجود نص قانوني منظم لها.
رابعا، امتناع وزارة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، عن التجاوب مع شكاياتنا والتي تجاوزت الثلاثين شكاية، وكل ردودها لا تخرج عن تكرار لازمة إنشائية لا تغني ولا تسمن، وفي أحد أجوبتها بررت الوزارة استعمال الفرنسية بدل العربية في عدد من الحالات، بوجود أجانب في المغرب.
خامسا، في ما يتعلق بالحياة العامة والمرفق العمومي، يتم تغييب، عمدا اللغة العربية في عدد من اللافتات واللوحات التشويرية والتعريفية، خاصة في المدن الكبرى، وإذا أخذنا الدار البيضاء كنموذج، فإن السلطات المنتخبة على مستوى هذه الجماعة، تبنت في الأعوام الأخيرة نهجا راديكاليا ضد اللغة العربية، تجاوز كل حدود المعقول، إذ أمست رسميا العربية لغة ثانية بعد الفرنسية، إن لم نقل مجرد لغة ثانوية لا قيمة لها، وهو ما يمكن ملاحظته جليا في جميع اللوحات التي تضعها الجماعة على مستوى المدينة، سواء ما تعلق منها بلوحات المشاريع والأشغال، أو بعض المرافق، أو على مستوى محطات الترامواي، حيث هناك سياسة لغوية فرانكوفونية رسمية تكرس كتابة اللغة العربية تحت اللغة الفرنسية.
سادسا، على مستوى الإعلام العمومي، يسجل حضور مبالغ فيه للغة الفرنسية، فعلى الرغم من أن دستور المملكة حصر استعمال اللغات الأجنبية في مجال التعليم، وألزم في الفصل الخامس بتعلم اللغات الأجنبية الأكثر تداولا في العالم، فإن إقرار قانون السمعي البصري للغة الأجنبية، والذي اعتمدت عليه الوزارة الوصية في تخصيص هامش كبير ومبالغ فيه للغة الفرنسية في دفاتر تحملات الإعلام السمعي البصري العمومي، لعدد من الخدمات الإذاعية الوطنية أو القنوات، كالقناة الثانية التي خصص لها نسبة 20 بالمئة من مساحة البث باللغة الفرنسية، وهو ما يفتح الباب واسعا للتساؤل حول مدى دستورية قانون السمعي البصري.
وبهذا الخصوص أيضا، يسجل وجود سياسة إقصائية وعدائية ممنهجة تجاه اللغة العربية في القناة الثانية التي تصر على طابعها الفرانكفوني رغم أنها خدمة عمومية، حيث يجري تضييق هامش اللغة العربية الفصحى، ففي البرامج الموجهة للأطفال مثلاً نلاحظ حضور مخجل للغة العربية الفصحى بالمقارنة بالمساحة الكبيرة المخصصة للفرنسية، وذلك وفق بيانات رسمية صادرة عن القناة.
إن الفرنسية تبقى لغة غير قانونية كما سبق لأحد أحكام القضاء أن وصفها، ولا تتوفر على أي إطار قانوني ينظمها أو يمنح مؤسسات الدولة حق استعمالها، وحيث أن المغاربة، كما جاء في الدراسة التي أعدها البرلمان، أكدوا على ضرورة استعمال اللغة العربية في الإدارة، وفضلوا اللغات الوطنية في الإعلام، فإنه لا يحق للسلطة التنفيذية، أن تجبر المغاربة على لغة أصبحوا يرفضونها ويعبرون عن إرادتهم، هذه، عبر عدة وسائل وبأشكال نضالية مختلفة، بل إنهم عبروا عنها، أيضا، هذه المرة، عبر السلطة التشريعية مثلما عبروا عنها عبر السلطة القضائية التي أنصفتهم.
نبيل بكاني
رئيس مجلس الإدارة حرر في الدار البيضاء 16 فبراير/ شباط 2023″.