درس غزة القاسي

27 أكتوبر 2024 17:34

 هوية بريس – ابراهيم أقنسوس

الإمعان في تقتيل الأطفال والنساء والشيوخ، هو عين الهزيمة، والإصرار على تدمير كل شيء، مع كل العجز عن تحرير الرهائن، ومع كل العجز عن تحقيق الانتصار الموهوم، على جماعات من المواطنين المقاومين، الذين لا يملكون شيئا، عدا الإيمان بعدالة قضيتهم، وحقهم في العيش، على أرضهم وديارهم، كما تقول كل المواثيق الدولية، وتردده كل المعاهدات، ويؤمن به كل العقلاء، ومن لا زالوا يملكون عقولهم، بعد كل هذا الدمار الذي لا يتوقف ؛ الاستمرار في هذا الجنون، هو عين الهزيمة التي مني بها هذا الكيان الغاصب.

ولست أدري كيف يصوغ للبعض المقارنة بين الضحية والجلاد، بين مواطنين انتزعوا من أرضهم واقتلعوا من جذورهم، وبين محتلين تم استقدامهم، من بلاد شتى، باسم تأويلات مغرضة ومتطرفة لليهودية، وتم تدجيجهم بأفتك أنواع الأسلحة، لمواجهة مواطنين عزل، أغلبهم نساء وشيوخ وأطفال ؛ هذا هو الفرق بين المقاومة والاحتلال، بين المشروعية والتدليس، بين الرغبة المجنونة في السيطرة، وبين الحق في الوجود والكرامة على الأرض ؛ هل مازلنا في حاجة إلى المزيد من الدلائل ؛ ماذا بقي من غزة، وغير غزة،  ولماذا تقصف كل يوم؟

إنها الهزيمة التي لم يكن ينتظرها هذا الكيان الغاصب، والتي لم يسبق له أن تذوق مرارتها كما هو اليوم، بعد كل هذا المسار العريض من التسويفات والتراجعات والوعود الزائفة، بعد مصافحة عرفات لرابين، وتوقيع اتفاقية أوسلو، ثم اغتيال رابين، فقط لأنه قال بسلام ما، في لحظة ما، وبعد مجيء يهود باراك ثم شارون، السيئ الذكر، وتوالي سقوط كل أقنعة ما سمي سلاما. ما الجدوى من الحديث اليوم عن الفروق المذهبية بين ألوان المقاومات ؟، بعد كل هذا التقتيل الذي لا يكاد يتوقف لحظة ؛ نعم، حماس لا تعترف بإسرائيل، ولكنها تقبل بحل الدولتين، فأين نحن اليوم من حل الدولتين، نعم ؛ حماس تحتفظ اليوم بعدد من الرهائن، لا يتجاوز المائتين، في وقت تحتجز فيه إسرائيل أكثر من خمسة آلاف رهينة، فيهم النساء والأطفال والمسنون.

إنه لا يهم إسرائيل أن تكون سنيا أو شيعيا، يمينيا أو يساريا أو إسلاميا، عربيا أو أمازيغيا، أو ما شئت من التسميات، فهذا شأنك، بل يهمها، ويهمها فقط، أن تحوز كل هذه الأرض التي تعتبرها أرضها هي، وتمتلك كل هذه المقدسات التي تعتبرها مقدساتها هي، بكل القسوة والفظاظة والشراسة، التي تتصورها ولا تتصورها، وليس أمامك إلا الإستسلام الذليل، أو مواجهة أسلحة أمريكا، وغير أمريكا ؛ هذه هي الرسالة الفضيحة التي تكتب اليوم، وهذه هي السردية المقيتة التي تخطها الكثير من الدوائر العالمية الآن بكل أسف، مع بعض الإستثناءات، وإذا لم يستطع المثقف أن يكون جزءا من الضمير العالمي الحر والحي، أمام هذا الشلال الهادر من الدماء والأشلاء، فماذا يتبقى له من معنى، وما قيمة ما يخطه ويكتبه من أثر؟، وحتى ونحن نختلف مع حماس وغير حماس، هل كانت أحداث السابع من أكتوبر تقتضي كل هذا الخراب، وكل هذه الآلام والدموع ؟، ما يؤكد أن إسرائيل لم تكن في حاجة إلى ذريعة لتباشر عملية تقتيل الأطفال والنساء، وإلا أين هو تحرير الرهائن، الذي وعدت به المستوطنين ؟. لم تفعل إسرائيل شيئا، غير إقامة هلوكوست فلسطيني، موثق ومدعم بكل مشاهد وصور وأصوات الفجيعة والألم، وإذا كان من درس نستفيده، فهو أن إسرائيل لم يكن لها، أن تتغول بكل هذا التوحش، لو كنا موجودين بحق، وكانت لنا أوطان، نعتز بها، ونبنيها بالشكل الصحيح، إنه درس غزة القاسي والأليم، لمن يستفيد.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M