دروس مستفادة من حرب غزة الأخيرة
هوية بريس – د.عبد العلي الودغيري
من تابع حرب الأحد عشر يوما بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية والمواجهة العنيفة التي اندلعت على إثر هجوم جنود الكيان المحتل على أهالينا في القدس واقتحامهم الهمجي للمسجد الأقصى، وصبّ النيران على من بداخله، والالتحام الجسدي مع المصلين، ومحاولتهم بقوة السلاح إخلاء حي الشيخ جراح في ناحية من المدينة، وهدم ما فيه من بيوت وتشريد أصحابها، يمكن أن يخرج بعدة استنتاجات، أهمها في عجالة:
1 ـ بعد سنوات من غطرسة العدو خلال حكم ترَمب الذي أراد إنهاء القضية الفلسطينية ومصادرتها، وتمرير صفقة القرن، واعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل وحدها، وبالمستعمرات الإسرائيلية في الضفة، وبحق إسرائيل في الجولان السورية، وقيادته لمسلسل التطبيع، ومحاولة عزل فلسطينيّي القطاع عن إخوانهم في القدس والضفة ومناطق 48، وشن حروب إعلامية على فصائل حماس وتشويه تاريخها ونضالها ووصمها بالمنظمة الإرهابية، وتوجيه رسائل احتقار للسلطة في رام الله بعد سلسة من التهديدات والمساومات، وبعد تراكم سنوات من الإحباط والضغوط النفسية على الفلسطينيّين في كل مكان من الأرض المحتلة، جاء سلاح المقاومة ليوقف زحف العدوان الذي تجاوز كل طاقات الاحتمال، ويوحّد مشاعر هذا الشعب من أقصاه إلى أقصاه، ويعيد الآمال إلى النفوس المنكسِرة والقلوب المكلومة، ويرسم البسمة على شفاه المقدسيّين الذين رأيناهم هذا الصباح وهم يدخلون الأقصى بفرحة لم يشعروا بها طيلة سنوت خلت.
2 ـ عادت للمقاومة شرعيتها وأدرك الجميع أهميتها، فالتفوا حولها في كل بقعة من أرض فلسطين، متناسين خلافاتهم وحساسياتهم الداخلية، ولاسيما بعد أن أثبتت جدارتها وقدرتها على تكبيد العدو خسائر لم يكن يتوقعها، فهَفَت لها القلوب في كل البلاد الإسلامية والعربية وخرجت لتأييدها المظاهرات الحاشدة رغم القيود وإجراءات المنع والتعنيف التي صاحبتها، وعاد الاقتناع بأن الحل السلمي لا بد أن يمر عن طريق المقاومة.
3 ـ أثبتت المواجهة مع العدو تطورًا ملموسًا لاحظه الجميع في الإمكانيات الهائلة للدفاع والهجوم التي تتوفر عليه المقاومة، رغم ظروف الحصار الذي يكبّلها من كل جانب، ومن جانب جيرانها العرب على الخصوص، مما يشجع على زيادة تقويتها وتحسينها وتحصينها. ولا شك في أن المواجهة القادمة، ولا بد أنها قادمة، سيكون وضع الفلسطيني المقاوم فيها أكثر قوة وصلابة ومناعة وقدرة على الصد والهجوم وتسديد الضربات الموجعة.
4 ـ عاد الحديث في أروقة الدول الكبرى وتحليلات الخبراء للحديث عن ضرورة إيجاد حل جذري للقضية والبحث في أصل المشكل لمعالجته من جذوره. وهو ما كان قد تنوسي في حقبة ترمب، وغطى هذا الخطاب الجديد على الخطاب السائد قبله الذي لم يكن يرى في حماس إلا كونها منظمة إرهابية يجب تصفيتها والضغط على الدول العربية والإسلامية لمقاطعتها وقطع الصلة بها.
5 ـ قطعت انتصارات المقاومة، رغم عدم تكافؤ كفتها مع العدو، خيط التفكير في إمكانية الاستمرار في مسلسل التطبيع البائس الذي هيمن مناخُه الكئيب على معنويات الشعوب العربية والإسلامية، وأثبت مدى هشاشته وقابلية انهياره في كل وقت، ولو كانت المواجهة امتدت لأيام أخرى لأصبحنا شاهدين على تمزّق أشلائه في كل مكان. لقد ظهر بجلاء أنه حتى في حالة لجوء كل الأنظمة العربية إلى التطبيع الفوقي مع إسرائيل، فإن ذلك لن يجدي شيئا في تغيير قاعدة الشعوب الصلبة التي تنبض قلوبها بحب فلسطين، وتتدفق الدماءُ في شرايينها إخلاصًا للقدس وكل مقدسات المسلمين. ولا أدل على ذلك من هذا التعاطف الكبير الذي سجلته كل أجهزة الإعلام ومنصات التواصل مع القضية المركزية للأمة في كل أصقاع الأرض، وهي تضجّ بأنفاس هذه الشعوب التي تلاحمت في معركة المقاومة بشكل أبهر العدو قبل الصديق.
6 ـ وأخيرا، لقد أثبتت هذه الملحمة التي سيخلدها التاريخ بكل فخر واعتزاز، أن تحرير فلسطين لا يمكن أن يأتي من خارجها، لا من جيرانها العرب، ولا من غيرهم من الأصدقاء الذين لا تجدي صداقتُهم شيئا، وإنما المعوَّل كلّه على إرادة أبنائها، ورصّ صفوفهم، وتصفية خلافاتهم الداخلية، وعلى دماء شهدائها وصمود أهلها.
وللحرية الحمراء بابٌ…بكل يدٍ مدرَّجةٍ تُدَقّ