دستور الجزائر الجديد… الهوية بدل التنمية
هوية بريس – د.فؤاد بوعلي
يتداعى الجزائريون يوم الخميس الأول من نوفمبر للاستفتاء على الدستور الجديد الذي أتى في أعقاب احتجاجات شعبية استمرت شهوراً للمطالبة بالإصلاحات السياسية. وكان الرئيس تبون قد شكل في يناير لجنة كلّفها بإعداد مسودة يتم عرضها للمشاورات العامة ومناقشة البرلمان ثم للاستفتاء العام. وانتهت هذه اللجنة من عملها الذي تضمن 73 اقتراحاً مقسمة على ستة محاور، منها ما يتعلق بصلاحيات رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والبرلمان ومنها ما يخص الجيش ودوره داخليا وخارجيا، إضافة إلى العديد من المقتضيات المجترة من النصوص القديمة حول الحريات العامة والمؤسسات الدستورية.
لكن كما جرت العادة في دول المغرب العربي، وبدل الاهتمام بالمقتضيات السياسية التي راهن عليها الحراك من خلال ضبط العلاقة بين السلطات الثلاث وتوسيع مجال المشاركة الشعبية، ركزت في مجمل حديثها على القضايا السياسية، انصب النقاش العمومي على القضايا الهوياتية بين مطالب بالحفاظ على الصيغة الأصلية المؤكدة على عروبة الجزائر، ومنافح عن التعددية اللغوية والهوياتية. وقد استبق رئيس لجنة تعديل الدستور أحمد لعرابة النقاش بالتركيز على أن قضايا الهوية المختلفة لا مكان لها في الدستور في أفق تكريس قيم المواطنة والمساواة بين جميع الجزائريين. وبتعبيره “الدستور موجّه لمواطنين وليس لمؤمنين، وبالتالي فإن عناصر الهوية يمكن إبعادها عن الدستور ليصبح بإمكانك أن تكون جزائريًا دون أن تكون عربيًا ولا أمازيغيًا ولا مسلمًا”. لكن الشعب غير مؤهل بعد في اعتقاده للقيام بهذه النقلة.
وإذا كان هذا الكلام يحمل بعض العناصر المنطقية التي تظهر عند مقارنته بالخريطة الهوياتية التي فصل فيها دستور المغرب 2011، فإن الغاية الثاوية هي إعادة صياغة للذات الوطنية في بلد المليون شهيد، وفق رؤية ناظمة للدول الخاضعة للهيمنة الفرنكفونية والمؤسسة على ضبط المجال الثقافي واحتوائه وليس رسم معالم الحقوق الثقافية واللغوية كما يزعم الداعون. لذا فكما أن هذا المسار لن يغير في الواقع الهوياتي للوطن، فإنه لن يستطيع حل الإشكال، بل سيؤججه ويديم الاصطفاف الهوياتي بدل إنهائه. فالدستور لم يخلق لتغيير الواقع بل للقفز عليه وإدامة تناقضاته.
تلك هي وصفة التعديلات المغاربية. لذا أتت النسخة المقترحة حاملة لنصوص جديدة حول التعددية اللغوية بشكل يستنسخ التجربة المغربية حتى في بعض الاستعمالات الاصطلاحية. ويكفي أن نقوم بمقارنة عرضية بين النصين لنفاجأ بحجم التماثل بين مقترح المنوني ورفاقه: “تظل العربية اللغة الرسمية للدولة وتعمل الدولة على حمايتها وتطويرها، وتنمية استعمالها…. الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة ” ومقترح لعرابة وأترابه: “تظل اللغة العربية اللغة الرسمية للدولة….تمازيغت هي كذلك لغة رسمية ووطنية”، كما يسند إلى قانون تنظيمي (عضوي حسب الدستور الجزائري) كيفية تنزيل مقتضيات الترسيم. فهل هذا التوافق بين النصين مصادفة أم أن مشكاة الاستمداد واحدة؟ وهل الأمر يتعلق بتعديل دستوري أم بشرعنة هيمنة النخبة الفرنكفونية على مفاصل المجتمع والدولة؟
يبدو أنت قدر التعديلات الدستورية في المغرب العربي أن تمتح من نفس العين المؤطرة بإدامة الاصطفاف حول قضايا الهوية وإشغال الرأي العام بتناقضات الانتماء والذات، بدل الاهتمام بقضايا التنمية والديمقراطية التي كانت جوهر الحراكات الشعبية. فبحثا عن التوازنات الاجتماعية والسياسية واحتواء المطالبات الشعبية وتوجيه النقاشات العمومية كانت مخرجات التعديلات متماثلة والنتيجة هي استمرار أزمة الهوية في البلاد.