دعارة الصيف في المدن السياحية… جريمة منظمة تُهدد القيم وتستنزف الدولة

03 أغسطس 2025 11:02

دعارة الصيف في المدن السياحية… جريمة منظمة تُهدد القيم وتستنزف الدولة

هوية بريس – متابعات

في الوقت الذي تتأهب فيه المدن المغربية لاستقبال ذروة الموسم السياحي الصيفي، بكل ما يحمله من حركية اقتصادية وثقافية وسياحية، يتكشّف وجه آخر قاتم لهذا الإقبال، لا علاقة له بجمال الطبيعة ولا بعبق التاريخ، بل يرتبط بصناعة متصاعدة لصورة مشوهة للمغرب كوجهة “مفضّلة” للسياحة الجنسية، حيث يتحول الجسد إلى سلعة، والشقق المفروشة إلى أوكار، والضوابط القانونية إلى مجرد أوراق مهملة.

آخر حلقات هذا الانحدار الأخلاقي ما حدث مؤخرا في مدينة مراكش، حيث داهمت مصالح الأمن بتنسيق مع المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، ثماني شقق مفروشة في حي الحي الشتوي الراقي، ضبطت داخلها عناصر الشرطة ستة عشر شخصا، ثمانية منهم نساء، في حالة تلبس بممارسة الفساد داخل فضاءات كان يُفترض أن تكون مخصصة للإيواء السياحي العادي، لكنها تحوّلت إلى ما يشبه “محميات مغلقة” للدعارة الراقية، تُكرى بأسعار مرتفعة وتستقبل زبائن من داخل المغرب وخارجه.

هذه العملية، التي جاءت بعد شكاوى متكررة من سكان الحي بسبب الإزعاج المتواصل والسلوكيات المخلة، فضحت جانبا من واقع متفش بدأ يتخذ طابعا بنيويا، قوامه شبكات منظمة، وسماسرة محترفون، ومسيرون للشقق يحظون بتواطؤ مريب، يسهّل لهم الإفلات من أي رقابة، ويمنحهم شعورا بالحصانة.

الكارثة أن هذه الشبكات لا تكتفي بتوفير فضاءات “للخدمة”، بل تتدخل في الاستقطاب، وتوجيه الزبائن، وربطهم بضحايا الاستغلال من فتيات وقاصرات يُدفعن دفعا إلى هذا المستنقع، غالبا تحت ضغط الحاجة أو الطمع أو الإغراء المادي، وأحيانا تحت الإكراه العاطفي أو التهديد.

الدعارة هنا لم تعد مجرّد انحراف فردي معزول، بل تحوّلت إلى مشروع اقتصادي مواز، مدعوم بخيوط غير مرئية، تُسهّل له الانتشار، وتُربكه كل محاولة للردع أو المحاسبة.

خطر الدعارة في المدن السياحية لا يقف عند المساس بالأخلاق العامة وحرمة الجوار، بل يمتد إلى تهديد الأمن العام، وتفشي الجريمة، وانتشار الأمراض المنقولة جنسيا، وارتفاع نسب الإجهاض السري، وتدمير النسيج الأسري، وتفكك القيم، وتطبيع الانحلال، حتى صارت بعض هذه المدن -بحكم التغاضي أو التواطؤ- تُسوق دوليا كـ”مركز للمتعة السهلة”، على حساب سمعة بلد بأكمله، وهوية شعب بأكمله، وثقافة أمة برمّتها.

من الناحية القانونية، فإن الشقق المفروشة التي تُستعمل لهذا الغرض تخرق قوانين الإيواء السياحي، لكونها لا تتوفر على التراخيص الضرورية، ولا تلتزم بتسجيل بيانات النزلاء، ولا تؤدي الضرائب المفروضة، ناهيك عن تجاوزها لشروط الكراء المؤقت وقوانين حماية الجوار، غير أن الإشكال الأخطر يكمن في غياب آلية رقابة صارمة تضمن تتبع هذه الشقق، وتوقيف المتورطين الحقيقيين، وقطع الطريق أمام الوسطاء الذين يصطادون الضحايا في المقاهي والملاهي والشوارع، دون رادع حقيقي.

على المستوى الأمني، تتحمل المصالح الأمنية العبء الأكبر، حيث تضطر إلى تعبئة موارد بشرية ولوجستية ضخمة لملاحقة هذه الشبكات، وإجراء التحقيقات، وتحرير المحاضر، ومواجهة ضغط الإعلام والرأي العام، لكن هذا لا يُمكن أن يكون بديلا عن استراتيجية وطنية شاملة، تبدأ بالوقاية والتحصين، ولا تكتفي بالزجر العابر.

على المستوى القضائي، تُغرق هذه القضايا محاكم المملكة بملفات معقدة، تتداخل فيها قضايا الاتجار بالبشر، والاستغلال الجنسي، وخرق القوانين التنظيمية، والفساد، وأحيانا الاتهام بالاغتصاب أو العنف أو التهديد، وهي ملفات تُرهق الجهاز القضائي، وتُربك مسار العدالة.

أما على المستوى الصحي، فالمخاطر جسيمة، تتعلق بانتشار الأمراض الجنسية، والأوضاع النفسية الصعبة للضحايا، والتعرض للعنف والإدمان، وتعاطي المخدرات داخل هذه الأوكار، وكلها آفات تُنذر بكارثة مجتمعية، يصعب حصر تداعياتها.

وفي ظل هذا الواقع، لا بد من العودة إلى المنظور القيمي والديني الذي يُحرم هذه الفاحشة تحريما قاطعًا، لما فيها من إذلال للنفس البشرية، وتهديد لبنية المجتمع، وتدمير للضمير.

فالزنا كما في قول الله تعالى “فاحشة وساء سبيلا”، وجريمة لا تُهدد الفرد فقط، بل تُفسد العلاقة بين الإنسان وخالقه، وتفتح أبواب العذاب والدمار المجتمعي. الدعارة لا تُنهي فقط كرامة المرأة، بل تُحولها إلى أداة لتفكيك الأسرة، وترويج الانحلال، ونشر ثقافة الاستهلاك الجنسي، على حساب الشرف والحياء والعفّة، وكل القيم التي تُبقي المجتمعات متماسكة وسليمة.

والحقيقة أن هناك من يسعى، من حيث يدري أو لا يدري، إلى تطبيع هذا الانحدار، وتسويقه تحت عناوين خداعة مثل “الحرية الفردية”، أو “الحق في المتعة”، أو “سياحة البالغين”، في الوقت الذي تُستهلك فيه أجساد القاصرات، وتُستغل هشاشة الفقيرات، وتُغسل فيه سمعة الوطن من أجل دراهم معدودة.

ما وقع في مراكش ليس معزولا، ولا طارئا، بل هو جزء من مشهد صيفي يتكرر كل عام، ويشمل مدنا أخرى كالدار البيضاء، وأكادير، وطنجة، ومرتيل، وفاس، وهو ما يستدعي تحركا وطنيا شاملا، تشريعيا وأمنيا وثقافيا وإعلاميا، قبل أن نفاجأ بواقع لا يمكن الرجوع عنه.

المغرب بلد له حضارة، وله قيم، وله شعب لا يقبل بيع الكرامة مقابل عُملة، والسياحة يجب أن تكون رافعة للتنمية لا بوابة للدمار. الدعارة ليست “حرية شخصية”، بل شكل حديث من العبودية الجنسية، تُمارس تحت غطاء القانون، وبدعم التواطؤ، في غفلة من المجتمع، وصمت الإعلام، وسكوت السياسة.

والمسؤولية اليوم على الجميع؛ دولة، ومجتمعا، ومؤسسات، وإعلاما، وعلماء، أن يقولوا كلمة الحق، ويحموا هذا البلد من منزلق خطير، سيُكلّفنا كثيرا، وقد بدأ يكلف فعلا.

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
10°
19°
السبت
19°
أحد
19°
الإثنين
19°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة