دعونا منهن!!.. هكذا كانت المرأة المغربية الحرة
هوية بريس – ذ. إبراهيم الطالب
المرأة هي كل شيء، هي منبع الحياة، وهي المعنى والروح في كل شيء، جحيم هي الدنيا بدون أمٍّ حنون رؤوم، وأخت شفوق، وبنت عطوف، وزوجة سكن رحوم.
وما الدنيا إلى سعادة تُرتجى، تتولد للبشر من علاقاته الاجتماعية وعلى رأسها العلاقات الأسرية، ولا علاقة أسرية بدون امرأة إما أما وإما زوجة والباقي تبع.
وتبقى المادة بأنواعها وسيلة لتقوية تلك العلاقات، والقيام بما يفرض الدين والأعراف الطيبة على المرء من واجبات رتبها الإسلام وفق أواصر الدم وعلاقات المصاهرة وروابط الإيمان وأوشاج المجاورة والمساكنة والمواطنة، لا تكتمل رجولته وشهامته إلا بالقيام بها كل بحقه ومستحقه.
في مجتمع يراعي الفردُ فيه الواجب ويؤديه، قبل أن يتحدث عن الحق ويطالب به، يعيش الكل فيه بكرامة وعزة، ويرتفع فيه الجميع عن نزعة الأنانية والفردانية التي تجعل الإنسان مركز الكون بدل خالقه، فيُهْلِك طغيانُها أساسَ القيم والأخلاق، فتضمحل عقيدة المجتمع وتترهل، لتصبح الحقوقُ في النهاية ضربا من الشهوانية البهيمية المغلفة بمُسحة الحق وزيوف الحرية.
عندها، تصير لدينا قضايا من قبيل الحرية في الجسد، التي تترجم على الواقع دعارة وفحشا وتجارة في جسد الأنثى، يُستغل بخسة من طرف أرذل الذكور في فنادق النجوم الخمسة وفِي العلب الليلية والمراقص والفيلات، حيث تباع الفتيات في سوق النخاسة باسم الحرية.
وتصبح المساواة ضربا من التعسف تشقى به المرأة وهي تبحث عن ذاتها في غير محلها، أو تطالب بحقوق لا تستقيم لها إلا إذا استرجلت، وفقدت أنوثتها، التي جعل الله سر قوة المرأة فيها، أنوثةٌ تنهار خشونة الرجل وغلظته أمامها.
أنوثة تراها الجاهلات والجاهلون ضعفا ويراها العقلاء أكثر القوى المؤثرة في الوجود البشري.
أنوثة جعلت بيوت المغاربة تنتصر على الجهل والفقر والاحتلال، أيام كانت المرأة تملأ جنبات بيوتاتنا دفئا وأمانا ورحمة ومودة ولطفا، أنوثة واعية مضحية حيية عفيفة تترفع عن السفاسف وتقود البيت بتوازن بجانب الزوج.
ولنضرب مثالا للمرأة المغربية من خلال نص تاريخي يقارب عمره التسعين عاما، أي قبل أن تُهَرَّب الأفكار الغربية تحت جنح الظلام فتصبح مستحكمة في العقليات النسوانية المتطرفة، مقطوعة الجذور عن أصلها، الببغاوية المنطق، المغرقة في التقليد القِردوي الممسوخ.
يقول الأستاذ الشيخ عبد الله بن عباس الجراري -رحمه الله تعالى- في كتابه “شذرات تاريخية” ص88 طبعة 1975؛ وهو يحكي تداعيات موقفه بعد صدور الظهير البربري وما تلاه من اعتقال له، وما ناله من تقدير وامتنان أبداه في حقه الخاص والعام، يحكي أن السيدة الكريمة أُمَّ عبد اللطيف الصبيحي استدعتهم إلى منزلها؛ ولَم يمض بعد على اعتقال ولدها سوى 8 أيام؛ وَابنها عَبَد اللطيف هذا هو الذي كان له الفضل في تسريب نص الظهير حيث اطلع عليه بحكم وظيفته؛ وبدأ التوعية بخطره، الأمر الذي قابلته قوات الاحتلال بنفيه إلى مراكش؛ وفِي هذه الظروف يقول الشيخ عبد الله بن العباس الجراري رحمه الله:
“في تاريخ 22 صفر من السنة ( أي 1349هـ) (الموافق يوليوز 1930) دعتنا والدته الطيبة (أي والدة عبد اللطيف الصبيحي رحمهما الله) قصد تزويدنا بنصائح، فلبَّينا دعوتها قاصدين بيتها بسلا صحبة هيأة من الشباب المتنور؛ وكان مكان اللقاء مكتبة الاخ محمد شماعو، فاجتمعنا بها ما بين رباطيين وسلاويين؛ وذهبنا كتلة واحدة إلى بيت السيدة؛ فطرقنا الباب وفتح لنا أحد الإخوان من أبنائها ودخلنا، وقبل أن نحظى بمقابلتها أخذنا نتجاذب أطراف القضية من عدة جوانب، وفي هذه الأثناء خرجنا إلى صحن الدار، ووقفنا أمام حجرة من حجراتها، وهي داخلة محتجبة عنا، فجعلت تتحدث معنا ناثرة علينا كلمات وعظية مؤثرة، ذرفت منها العيون؛ قائلة: إخواني إعلموا أن ابني عبد اللطيف ما كان ليؤثر فِيَّ فراقه وإبعاده عني بل ما كان لينال مِنِّي موته في هذا السبيل لو وقع؛ فاعتقادي أنكم جميعا أولادي؛ وعليه، فينبغي لكم أن تسيروا قُدُما في خطاكم موفقين، الأمامَ الأمامَ، إن هو إلا دينُكم الحنيف، فنافحوا عنه إلى آخر نفَس، ليس لكم في الإقدام إلا العز والشرف، ولا يَردَّنَّكم لوْمُ اللائمين وتثبيط الجبناء”.
وأترك للشيخ الأديب الأستاذ عبد الله الجراري التعليق -أيضا- على هذا النص:
“هكذا يجب أن نرى المرأة المغربية تذهب بِنَا بعيدا وقد أعادت التاريخ من جديد في تمثيل نسوة الماضي الكريمات اللاتي كن لا يخفن في الله والحق لومة لائم، بل تهون عليهن فلذات أكبادهن في سبيل إعلاء كلمة الله، والذود عن الصالح العام بكل رخيص وغال”.
الأديب الجراري نموذج لشباب عاشوا إبان الاحتلال الفرنسي العلماني، شهدوا اللحظة التي اصطدم بها العقل المغربي المسلم مع العقل الغربي اللاديني، كانوا شهودا على أولى عمليات التطوير القسري الذي طرأ بفعل التشريعات العلمانية والاقتصاد والثقافة الوافدة.
فمثل هذه النقول عن أمثال هذا الأديب هي نصوص غنية يمتزج فيها ما هو تاريخي بما هو اجتماعي بما هو سياسي بما هو ثقافي بما هو ديني، وهي تكشف لنا عن حجم الدمار الذي طرأ على البنية السوسيوثقافية المغربية بالخصوص، فهذا النقل تتمثل فيه المرأة والفكر والدين ويُظهِر العلاقة بين المرأة والرجل، فالمرأة هنا تمثل الأمومة والنضال والمرجعية العقدية والدينية التي كانت الأساس في السلوك.
فعندما تستدعي امرأة في ثلاثين القرن الماضي شبابا حركيا يافعا، ثم تحتجب عنه ولا يمنعها حجابها بل احتجابها عنهم من أن تخاطبهم، وهي أمٌّ للسجين المبعد من طرف العدو، تستعمل في تثبيتهم على المشروع قيم المجتمع المشتركة المبنية على مقومات الدين والهوية، متوسلة بمعنى الفداء والتضحية تبث فيهم روح الجهاد والتي ساغتها في شكل إقناعي مؤسس على معاني العزة والشرف وعقيدة الإيمان بالله وبضرورة الدفاع عن الدين، نكون أمام نموذج صاغته هوية الشعب ودين الأمة وخضع لثقافته الذاتية، دون تأثيرات خارجية.
صحيح أن نموذج أم عبد اللطيف في ثقافته وجرأته لم يكن هو العام في مجال النساء، وصحيح أن الجهل والأمية كانتا هما الطابع العام الذي يهيمن على حياة النسوة لكن كذلك كانت الأغلبية من الرجال أيضا.
الأمر المختلف عن اليوم هو أن المرأة لم تكن لها قضية تنفرد بها دون الرجل، ولَم تكن ترى فيه العدو، أو العقبة التي تحول دون تحقيق حريتها ونهوضها وتقدمها، إذ كانت قضية الحرية والنهضة والتقدم قضية شعب كامل برجاله ونسائه وشبابه وشيبه.
لم تكن هذه الاختراقات الغربية المقيتة التي تعيشها قضية المرأة قد تسللت بعد إلى بنيات المجتمع المغربي الاجتماعية والسياسية والحقوقية والتشريعية، إذ عملية الإلحاق الحضاري لمجتمعنا بالغرب كانت لا تزال في مهدها وتلقى مقاومة شرسةً من طرف الجميع إلا نزرا قليلا ممن تأثروا بالعيش في فرنسا أو احتكوا بغلاة القوميين.
اليوم للأسف أصبح المعيار مفقودا والميزان مختلا، أصبحت البوصلة في المطالبة بالحقوق تضبط في الخارج، ولائحة الحقوق تسطر في مكاتب المنظمات الغربية، بحيث لا شيء ينبع من خصوصية المرأة المغربية المسلمة.
بل إذا تعارض ما سُطِّر من طرف الغرب مع ما أنزله الله، تطالب المستغربات بضرورة إخضاع المجتمع لما تنص عليه لوائح الحقوق وما تفرضه النظرة الغربية للكون والإنسان والحياة.
هذه للأسف هي حالة قضايا النساء في بلاد حفيدات أم عبد اللطيف.
لكن دعونا منهن!!
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
جهلن كان خيرا وبركة ،حافظن على اصالتهن وانوثتهن وبالفطرة السليمة حافظن على بيوتهن من التفكك،اما العصريات فطبعهن كطباع الوحوش البرية رغم تعلمهن بدون استتناء محجبة ام متبرجة ،وما ذاك الا بسبب الاختلاط وتمدد العين وتشوف النفس وطمع القلب في متاع الدنيا فلا الى الزوج تركن ولا الى البيت تسكن .فرحم الله نساء السلف والله يهدي نساء الخلف ،فسلوكهن قد انحرف .
ولن تنقطع ’’امهات عبد اللطيف’’ عن الوجود ان شاء الله مهما فعل ’’حمير طروادة’’… فدعنا منهم والعمل العمل..