دعوى إنصاف المرأة بين الجد والهزل
هوية بريس – د.محمد عوام
تعلو الأصوات من هنا وهناك، من غير كلل ولا ملل، داعية إلى إنصاف المرأة، يشترك في ذلك كل دعاة تعديل وإصلاح المدونة، بما فيهم اللجنة المعينة بالإشراف على هذا الإصلاح، فهل هذه الدعوى صحيحة في ميزان الواقع؟ وهل فعلا وحقيقة الرجل هو السبب المباشر لظلم المرأة؟
من تمعن في الواقع، وفحصه، ودقق النظر فيه، فسيجد أن الرجل والمرأة مظلومين، وقد طال أمد هذا الظلم عليهما وتفاحش.
فالغلاء الفاحش الذي أربك حياة الناس، وعكر عليهم صفو حياتهم، وزادهم رهقا وعناء، وأدخل التعاسة على المرأة في عقر دارها، من تسبب فيه وكان من ورائه؟ الرجل أم اللوبيات المهيمنة على اقتصاد البلد؟!!!
من يستغل المرأة في المعامل والضيعات الفلاحية، والفنادق الضخمة، ووو بأجر زهيد، وعمل شاق شديد، من غير مراعاة لحقوقها، ولا لظروفها، ويشترك معها في ذلك الرجل؟!!!
لماذا لا تمتع المرأة بعطل زائدة على الرجل، وساعات عمل أقل منه، يحتسب لها عملها المنزلي، وتراعى أيضا أنوثتها، وحملها ووضعها؟
فهل يعقل أن تضع المرأة مولودها وبعد شهرين تأتي رغما عنها إلى العمل، تاركة رضيعها يصرخ، وهي مشغولة البال، منهكة الحال، مشوشة التفكير؟
ثم لماذا تسكتون عن مشاركة المرأة الموظفة في نفقة البيت، وتجبرون به فقط الرجل، على حساب حقوق ضائعة ومهملة للبيت والأبناء، وإذا ما وقع النزاع، وتقررت الفرقة، ادعت بعض الأزواج عدم النفقة، فيكون الرجل ضحية أو بين المطرقة والسندان قضاء؟
المهم عندي أن من يدعي إنصاف المرأة وحدها، فمجال الإنصاف ليس في المدونة الأسرية فحسب، وإنما بتغيير بعض القوانين حتى تكون منصفة حقا للمرأة.
على أن مصدر الداء للأسرة، ليس كامنا في الرجل، كما يظنه بعض المفلسين، وإنما هو في الفساد والاستبداد، اللذان أرهقا الرجل والمرأة معا، ونغصا عليهما حياتهما، وأشرباهما من كأس الحنضل، ولذلك فنحن في حاجة ماسة إلى إصلاح شامل، وتوازن كامل، حتى نعيد للحياة المغربية معناها ومغزاها الأصيل، وفقا للشريعة الإسلامية.
فالرجل لم يظلم المرأة، ولا المرأة ظلمت الرجل بالكل، وإن كان قد يقع بينهما الظلم بالجزء، وإنما هما معا ضحيتا الظلم الأكبر، في معاشهما وحياتهما.
ولذلك أقول لهؤلاء لا تركبوا على موجة إنصاف المرأة، وتتركون الفساد يصول ويجول، ويضرب ذات اليمين والشمال، فإن فعلتم فقد فقدتم البوصلة. ولا تنشؤوا نفسية الصراع بين الرجل والمرأة، فلن يقف ذلك عندهما معا، وإنما سيشمل المجتمع والدولة أيضا، لأن من سنن الله تعالى الثابتة، وهي قاعدة قرآنية مقررة أنه “لا يحيق المكر السيء إلا بأهله“.