دفاعا عن العلوم الشرعية..
هوية بريس- محمد زاوي
تبقى العلوم الشرعية في المغاربة ما بقي الدين فيهم، هي دليلهم في العقائد والشعائر، ودليلهم في استنباط أحكام المعاملات والأنكحة، وصمام أمان لدينهم ولغتهم ومرجعية دولتهم، ووعاء شرعي لأخلاقهم وقيمهم.
لا حديث عن أحكامٍ إلا بأصولٍ هي “دلائل الفقه الإجمالية” (ابن السبكي/ جمع الجوامع)، ولا حديث عن هذه الدلائل إلا بفقه سابق، ولغة عربية (بنحوها وصرفها وأدبها)، وعلم عقيدة (أساس التأصيل)، ومنطق أرسطي (فهو حاصر التقسيمات ووعاء المعاني والتصورات).
لا أحكام تُستنبط إلى ب”نظر سديد في الدليل”، وأهم الأدلة وأساسها، الوحي بشقيه، القرآن والسنة؛ للقرآن علوم كالمحكم والمتشابه، الناسخ والمنسوخ، المكي والمدني، أسباب النزول، والقراءات ومناهج التفسير، الخ؛ وللسنة علومها كمصطلح الحديث، وعلم الرجال كفرع عنه، وسرد الصحاح والمسانيد، وشرحها، إلخ.
***
لنا في الأسرة أحكام مصدرها الفقه صراحة، ولنا في الأموال والجنايات أحكام مصدرها الفقه غاية؛ ولا فقه بغير أصول كما تقدم، ولما كانت الأصول منتهى لكل العلوم، فقد كان الحفاظ على كل علوم الشريعة واجبا “لا يتم الواجب (التوصل إلى المطلوب، وهو الحكم الشرعي) إلا به”.
***
وبخصوص العقيدة، فهل تستقيم حياة المغاربة من غير اعتقاد في الله؟! وهل تستقيم وتستقر سياستهم من غير تجريد؟! وهل يطمئن وجدانهم من غير توحيد (الربوبية والعبودية والأسماء والصفات)؟! الاعتقاد في الله حالهم الدائم عزاء وشفاء لهم، والتجريد لهم عقيدة في الكلام ونظام في السياسة، والتوحيد أمن لهم في النفس والمجتمع.
***
هذا، ويستهدَف المغاربة في لغتهم ودينهم ومرجعية دولتهم؛ هي أواصر يستهدفها الاجنبي (الاستعمار الجديد)، فينزع إلى تفكيكها، وكذا تفكيك روابطها؛ لعل أبرز معالم هذا الاستهداف: الدعوة إلى الفصل بين الدين والدولة (“العلمانية الجزئية” بتعبير عبد الوهاب المسيري)، الفصل بين الدين واللغة (فتضعف اللغة العربية في الناس وتحتقَر في ثقافتهم العالمة)، الفصل بين اللغة والدولة (فتفقد الدولة جوهرها التاريخي/ الكتابة، وعلاقتها اللسانية والثقافية بالمشرق). التكوين الشرعي المزدوج، بين لغة وشريعة، حصن حصين ضد هذا المخطط الاستعماري والاستشراقي (الجديد).
***
وفي زمن الأزمة الأخلاقية، في نفس الإنسان وعلاقاته الأسرية وغيرها، لا بد من منهج تربوي لا يكون وعيانيا فحسب، بل يكون جزءا من اللاوعي الجمعي للأمة أساسا. إنه المنهج الأكثر تأثيرا وقدرة على إنتاج “آليات دفاعية” و”عناصر مقاومة” فعالة ضد قيم “ما بعد الحداثة”. التراث التربوي للمسلمين زاخر في هذا الباب، ولا يصله “السالك” إلا عبر علوم الشريعة. “عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين” لابن قيم الجوزية مثلا، لا يستوعبه ويحسن فهمه إلا متخصص في علوم الشريعة، وإلا أخذ منه وترك وكان شغله فيه شغل المتعلم منحسر النظر.
***
من يقترب من العلوم الشرعية، يقترب من مصلحة دولة ومجتمع. والواجب تقدير المصالح بقدرها، وإلا فالصمت حكمة!