دفاعا عن حرية المنابر…

دفاعا عن حرية المنابر…
هوية بريس – مسرور المراكشي
تمهيد :
إن من حسنات خطة تسديد التبليغ، هي اكتشاف محمية تسيير الشأن الديني المغربي، كيف يدار وهل هناك قانون يحمي الإمام اثناء تأدية واجبه..؟
بداية هل يعتبر الأئمة و الخطباء والعلماء موظفين عند وزارة الأوقاف..؟ واضح أن قانون الوظيفة العمومية لا ينطبق عليهم، فهم أدنى من مرتبة موظف و بلا نقابة تدافع عن حقوقهم، أظن أنهم أقرب إلى نظام السخرة و العبودية، منه إلى نظام الوظيفة العمومية التي يتمتع فيها الموظف بضمانات، فالإمام مثلا مصيره بيد “سيده” الوزير ، يفصله متى شاء دون الحاجة إلى بعث إنذار أو استفسار أو تعليل القرار، يلقي الإمام خطبته يوم الجمعة، و يأتيه قرار الفصل صبيحة يوم السبت، ويوم الجمعة القادم يطلع على المصلين إمام جديد، كما يقول المغاربة : ( باقي فميكتو..) دون معرفة سبب فصل الأول، يجب أن يتوقف هذا العبث لأن الحرية مطلب الشعوب منذ القدم، نموذج من صحابي جليل
لقد قال الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، منذ 1400 عام مقولته الشهيرة : ( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا )، وهذا صحيح لأن الأصل في الإنسان الحرية، ثم بعد ذلك يتم الاقتطاع منها بمقدار، كي يستطيع العيش في مجتمع منظم، لكن في كل الأحوال لا يمكن أن يفرط في حرية الاختيار، أوالتعبير عن رأيه ولو خالف في ذلك الجماعة، والله تعالى بعد أن كرم هذا الإنسان و فضله على كثير ممن خلق، وفي ظل هذا التكريم كفل له حرية الاختيار في أمر بالغ الخطورة، نقصد بذلك تحديد الهوية وتقرير المصير دنيا وآخرة، إنها مسألة الإيمان و الكفر حيث قال عز وجل : (..وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ ..) آية 29 من سورة الكهف، هذا التوجيه الرباني في هذه الآية يخص الأنبياء والمرسلين، حيث يكلف الرسول بقول الحق فقط والتبليغ دون إكراه الناس، لأنه لا إكراه في الدين وهذه قمة الحرية، فلا يقبل إيمان ممن أكره لأن المسألة فيها تبعات والتزامات، عودة إلى مقولة عمر رضي الله عنه عن الحرية، حيث اعتبر كل الناس أحرارا دون تمييز بين هذا وذاك، لكن في هذا المقال سيكون الحديث حصريا عن المسلمين، وبالضبط من ابتلي برسالة التبليغ عن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، أي من يعتلي المنابر من علماء وأئمة و خطباء، وهم على العموم نوعين فهناك صنف “الخوارج” حسب تعبير وزير الأوقاف، و نوع ثاني يمكن أن نصنفهم بـ”الدواخل” و بصيغة أخرى المرضي عنهم..!!
الفقرة الأولى :
ـ انتصار الأوقاف على”الخوارج” ذهابا و إيابا :
في الحقيقة لا يمكننا إلا أن نقدم التهاني والتبريكات، للوزير الصامد في موقعه منذ عقود على هذا النصر المبين، لقد صرح صاحبنا لأحد المنابر الإعلامية، وهو في غاية الفرح والسرور عن حصيلة خطة ( تسديد التبليغ )، حيث قال : (.. بأن 95 في المائة أو أكثر من الخطباء يأخذون بالخطبة الموحدة عن تلقائية و طواعية، فيما لا يأخذ بها 5 في المائة منهم..)، أهمس في أذن هذا الوزير المنتشي بنجاح خطته، أن الله تعالى قد ذم الأغلبية في كثير من المواطن، مثلا قوله تعالى : (… قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ..)، و مدح الأقلية كذلك في مواطن كثيرة مثلا قوله تعالى : (.. اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ۚ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ..)، وأضاف في تصريح آخر عند تنصيب رئيس المجلس العلمي لمراكش، أن الذين لا يقرؤون الخطبة الموحدة هم جماعة من ( الخوارج)، وهكذا يعطي صورة عن التسامح و قبول الرأي المخالف، وبذلك يناقض نفسه بنفسه، لقد صرح قبل أشهر في إطار دفاعه عن زلة لسانه، عندما قال المغرب دولة علمانية، حيث قال : ( ..لا إكراه في الدين..) وشرحها بالدارجة ( اللي بغا شي حاجة إيديرها..!!)، إذن حسب هذا المنطق أليس من حق هؤلاء الأئمة و الخطباء رفض خطة تسديد التبليغ..؟ وهي على كل حال مجرد اجتهاد من شخص، وليست قرآنا منزلا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، لهذا ستبقى فئة قليلة ترفض خطة الوزارة، ومن ورائها الشعب المغربي الحر الأبي… عد إلى التاريخ، إن الأوقاف هي ( الخارجة) عن الإجماع الوطني، أنصحك يا سعادة الوزير بالعودة إلى كلمة تاريخية مسجلة، للملك الحسن الثاني رحمه الله وهو يتحدث عن الشعب المغربي، حيث قال : “ المغاربة ليسوا أكباشا ولو عاملتهم كذلك لما أطاعوني ولحملوا أسلحتهم واعتكفوا بالمساجد..”، لقد قال ذلك الكلام مقارنة ببعض الشعوب العربية، التي كانت في تلك الفترة تحت حكم العسكر، لهذا على أصحاب الخطة إعادة النظر فيها، بدل فرضها و الضغط على علماء وأئمة رفضوا تطبيقها..
الفقرة الثانية :
ـ سلام لـ “خوارج ” الأوقاف أينما وجدوا..!!
بداية هل يعلم الوزير المحترم خطورة هذه التهمة..؟ إنها اليوم تعني ” داعش ” (الدولة الإسلامية ) أو منظمة ” القاعدة”، هل تريد من دولة أمريكا في إطار قانون محاربة الإرهاب قصف هذه المساجد، التي يخطب فيها العلماء و الأئمة الذين يعارضون الخطة..؟ سامحك الله ربما كنت تقصد بقولك “الخوارج”، هم الخارجين عن قانون الوزارة، وفي المقابل يمكن اعتبار الذين طبقوا خطة “تسديد التبليغ”، أن نصفهم بـ( الدواخل) يعني بالدارجة المغربية : ( داخلين سوق رأسهم..!!)، وفي كل الأحوال أخبرك أنني مع ( الخوارج ) بالمفهوم الأول، ومن خلفي كل أحرار الشعب المغربي حتى إسقاط هذه الخطة البئيسة، و لعلمك فأنا أعتبر فئة الخمسة في المائة، التي رفضت تطبيق الخطة هم الرجال حقا، من العلماء الأجلاء و الأئمة و الخطباء ذوي النخوة، لأنهم قاموا برفض قانون الخطة و تحدثوا علنا عن غزة، وقاموا بالدعاء مع أهلها بالفرج والنصر المبين، وعلى أعداء الأمة التاريخيين بالهلاك، أما 95 في المائة من ” دواخل ” وزارة الأوقاف، فهم لاشيء عندي و أعتبرهم في عداد المفقودين، لأنهم لا يذكرون غزة وأهلها ولا يقربون منها، لا دعاء ولا حتى كلمة طيبة تحرض المؤمنين على دعمها، ليعلم من سن خطة تسديد التبليغ و حرم أهل غزة من الدعاء لهم، أن وزرها و وزر من عمل بها عليه إلى يوم الدين… لن ينفعه يومئذ لا دولة ولا وزارة ولا مجلس علمي أعلى ولا أدنى، فليعد الجواب ليوم الحساب ألا هل بلغت اللهم فاشهد… لئن استطاع أصحاب خطة التسديد تدجين 95 في المائة، من الأئمة وخانوا أهل غزة وطعنوا مقاومتها من الخلف، فإن الشعب المغربي باق على العهد ولن يخون، ( والله غالب على أمره ولكن اكثر الناس لا يعلمون).
خلاصة:
أعتبر حضور المؤمنين لصلاة الجمعة، بمثابة مؤتمرات شعبية يشهدها الملايين، وهذا يتكرر كل يوم جمعة منذ 1400 عام، و ستبقى جماهير المؤمنين تحضر، تلبية لنداء جبار السماوات والارض إلى قيام الساعة، إذن الحضور واجب ولا علاقة له برئيس دولة أو وزير أو غيره..، إذن هكذا انتهينا من قضية الحضور في ذاك اليوم المبارك، لكن الإشكال هو في الخطبة و وجوب سماعها، فهل تدخل في إطار ذكر الله تعالى..؟ لأن الله عزوجل قال موجها الخطاب للذين آمنوا : (..يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله و ذروا البيع..)، فهناك من العلماء من اعتبر الخطبة و سماعها، داخلا في إطار ذكر الله وهي جزء أصيل من صلاة الجمعة، وهم الأغلبية و يحتجون بحديث صحيح عن تحريم اللغو، وهناك أقلية تعتبر أن الخطبة لا تدخل في إطار الذكر، ( نعم، ورد عن الحسن البصري أنه كان يرى أن صلاة الجمعة تُجزىء حتى لو لم يخطب الإمام، أي أن الخطبة لا تُشترط لصحة الجمعة، وهو قولٌ انفرد به الحسن البصري و خالف به جمهور الفقهاء الذين يرون أن الخطبة ركنٌ أو شرطٌ لصحة الجمعة. وهناك علماء من التابعين قالوا بوجوب الإنصات لخطبة الجمعة، لكن بشرط أن يكون الخطيب “يخطب ” فعلا، بالدارجة المغربية: ( ما يكونش الخطيب يرݣع و يدبز و يخبز، كأنه يخاطب مؤمني المريخ )، أي أن وجوب الإنصات لخطبة الجمعة، مرهون بكون الإمام “يخطب ” كما يجب، وإلا كان المصلون في حل من الاستماع إليه و يمكنهم اللغو، (يرى سعيد بن المسيب أن الإنصات للإمام ليس واجبًا عندما يخطئ الخطيب في كلامه، بل يمكن الانصراف عن سماعه والحديث مع غيره)، وكذلك إذا كانت الخطبة في واد و هموم الشعب و الأمة في واد آخر، وأنا شخصيا أعتبر كل خطيب لا يذكر أهل غزة، ولا يحارب الفساد السياسي والاقتصادي و يفضح اللصوص، أعتبره لا يخطب ويمكن اللغو اثناء “خطبته”.. الحرية للمنابر ارفعوا أيديكم عن العلماء و الأئمة… نطالب بأن يستفيد الخطباء من قانون الصحافة…وأن تكون لهم نقابة كما لباقي العمال نقابات…!!



