دلالة الحال وأثرها في فهم الأحكام

20 مايو 2021 08:44

هوية بريس – د.يونس الزنيبي

مقدمة

الحمد لله خالق النسم، ورازق القسم، مبدع البدايع، وشارع الشرايع، دينا رضيا ونورا مضيا، وذكرا للأنام، ومطية إلى دار السلام، أحمده على الوسع والإمكان، وأستعينه على طلب الرضوان، ونيل أسباب الغفران، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أن محمدا عبده ورسوله وأصلي عليه وعلى آله وأصحابه وعلى الأنبياء والرسلين وأصحابهم أجمعين.

وبعد:

فإن مدار الأحكام الشرعية على ما نطق به الشارع، أو سكت عنه، وما نطق به الشارع في الأحكام إما اتقضاء، أو وضعا، و الاقتضاء قد يكون فعلا، وقد يكون تركا، واقتضاء الفعل قد يكون جازما وقد يكون غير جازم، فإن كان جازما اقتضي وجوب الفعل، وإن كان غير جازم اقتضى استحباب الفعل، وكذلك اقتضاء الترك، فإن كان جازما اقتضى وجوب الترك، وإن كان غير جازم اقتضي كراهة الفعل،  ومرجع هذا كله إلى دلالات الألفاظ والنصوص، والنص الشرعي يجب العمل بما يفهم من عبارته، أو عبارته، أو إشارته، أو اقتضائه ؛ لأن كل مايفهم من النص بطريق من هذه الطرق الأربعة هو من مدلولات النص، والنص حجة عليه.

ومن المعلوم أن لدلالة الحال أثرها في فهم الأحكام، وهي مما يحكم بإرادة مقتضاها شرعا ؛ فإن من قال لرجل: يا عفيف ابن العفيف حال تعظيمه كان مدحا له، وإن قاله في حال شتمه وتنقصه كان قذفا وذما، ولو قال: إنه لا يغدر بذمة ولا يظلم حبة خردل، وما أحد أوفى في ذمة منه في حال المدح كان مدحا بليغا كما قال حسان:

 

فَمَا حَمَلَتْ مِنْ نَاقَةٍ فَوْقَ رَحْلِهَا … أَبَرَّ وَأَوْفَى ذِمَّةً مِنُ مُحَمَّدِ[1]

ولو قاله في حال الذم كان هجاء قبيحا كقول النجاشي:

 

قبيّلة لا يغدرون بذمّة…ولا يظلمون الناس حبّة خردل 1

وقال آخر:

كأن ربك لم يخلق لخشيته….  سواهم من جميع الناس إنسانا 2

وهذا في هذا الموضع هجاء قبيح وذم حتى حكي عن حسان أنه قال: ما أراه إلا قد سلح عليهم ولولا القرينة ودلالة الحال كان من أحسن المدح وأبلغه. 3

وفي الأفعال لو أن رجلا قصد رجلا بسيف والحال يدل على المزح واللعب لم بجز قتله، ولو دلت الحال على الجلد جاز دفعته بالقتل [2].

لذا آثرت أن أكتب في الموضوع الرفيع الشأن عله أن يكون في ميزان حسناتي وميزان من كانوا سببا في تعليمي بعد الله عز وجل وقد قسمته مبحثين:

المبحث الأول: أنواع الدلالات وأثر إغفال دلالة الحال على الحكم الشرعي.

المبحث الثاني: علاقة اللفظ المطلق بدلالته وبيان ذلك.

وبعد، فمأمولي من الناظر فيه أن ينظر بالإنصاف، ويترك جانب الطعن والاعتساف، فإن رأى حسنا يشكر سعى زائره، ويعترف بفضل عاثره، أو خلل يصلحه أداة حق الأخوة في الدين ؛ فإن الإنسان غير معصوم عن زلل مبين

وإن تجِدْ عيبًا فسدَّ الخللا… فجلَّ مَن لا عيبَ فيه وعلا

وأسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يوفقنا لمرضاته، ويسبل علينا ذيل كراماته، وأن يجعل ذلك خالصا لوجهه الكريم، وموجبا للفوز لديه بجنات النعيم إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير.

 المبحث الأول:

أنواع الدلالات وأثر إغفال دلالة الحال على الحكم الشرعي

قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: (وهي أن دلالة النصوص نوعان: حقيقية، وإضافية، فالحقيقية تابعة لقصد المتكلم وإرادته، وهذه الدلالة لا تختلف، والإضافية تابعة لفهم السامع وإدراكه، وجودة فكره وقريحته، وصفاء ذهنه، ومعرفته بالألفاظ ومراتبها، وهذه الدلالة تختلف اختلافا متباينا بحسب تباين السامعين في ذلك، وقد كان أبو هريرة وعبد الله بن عمر أحفظ الصحابة للحديث وأكثرهم رواية له وكان الصديق وعمر وعلي وابن مسعود وزيد بن ثابت أفقه منهما، بل عبد الله بن عباس أيضا أفقه منهما ومن عبد الله بن عمر.                                               وقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على عمر فهمه إتيان البيت الحرام عام الحديبية من إطلاق قوله: (إنك ستأتيه وتطوف به) فإنه لا دلالة في هذا اللفظ على تعيين العام الذي يأتونه فيه.[3]

وأنكر على عدي بن حاتم فهمه الخيط الأبيض والخيط الأسود نفس العقالين،[4]

وأنكر على من فهم من قوله (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة خردلة من كبر) شمول لفظه لحسن الثوب وحسن النعل، وأخبرهم أنه (بطر الحق وغمط الناس).[5]

وأنكر على من فهم من قوله: (من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه) أنه كراهة الموت، وأخبرهم أن هذا للكافر إذا احتضر وبشر بالعذاب فإنه حينئذ يكره لقاء الله، والله يكره لقاءه، وأن المؤمن إذا احتضر وبشر بكرامة الله أحب لقاء الله، وأحب الله لقاءه.[6]

وأنكر على عائشة إذ فهمت من قوله تعالى: (فسوف يحاسب حسابا يسيرا) [الانشقاق: 8] معارضته لقوله صلى الله عليه وسلم: (من نوقش الحساب عذب) وبين لها أن الحساب اليسير هو العرض، أي حساب العرض لا حساب المناقشة.

وأنكر على من فهم قوله تعالى: (من يعمل سوءا يجز به) [النساء: 123] أن هذا الجزاء إنما هو في الآخرة وأنه لا يسلم أحد من عمل السوء، وبين أن هذا الجزاء قد يكون في الدنيا بالهم والحزن والمرض والنصب وغير ذلك من مصائبها، وليس في اللفظ تقييد الجزاء بيوم القيامة.[7]

وأنكر على من فهم من قوله تعالى: (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) [الأنعام: 82] أنه ظلم النفس بالمعاصي، وبين أنه الشرك، وذكر قول لقمان لابنه: (إن الشرك لظلم عظيم) [لقمان: 13] [8] مع أن سياق اللفظ عند إعطائه حقه من التأمل يبين ذلك، فإن الله – سبحانه – لم يقل ولم يظلموا أنفسهم، بل قال: (ولم يلبسوا إيمانهم بظلم) [الأنعام: 82] ولبس الشيء بالشيء تغطيته له وإحاطته به من جميع جهاته، ولا يغطي الإيمان ويحيط به ويلبسه إلا الكفر، ومن هذا قوله تعالى: (بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) [البقرة: 81] فإن الخطيئة لا تحيط بالمؤمن أبدا، فإن إيمانه يمنعه من إحاطة الخطيئة به، ومع أن سياق قوله: (وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون) [الأنعام: 81] ثم حكم الله أعدل حكم وأصدقه أن من آمن ولم يلبس إيمانه بظلم فهو أحق بالأمن والهدى، فدل على أن الظلم الشرك….. وفهم ابن عباس من قوله تعالى: (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) [الأحقاف: 15] مع قوله: (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين) [البقرة: 233] أن المرأة قد تلد لستة أشهر، ولم يفهمه عثمان فهم برجم امرأة ولدت لها حتى ذكره به ابن عباس فأقر به.[9]

ولم يفهم عمر من قوله (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها) قتال مانعي الزكاة حتى بين له الصديق فأقر به.[10]

وفهم قدامة بن مظعون من قوله تعالى: (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا) [المائدة: 93] رفع الجناح عن الخمر حتى بين له عمر أنه لا يتناول الخمر،[11] ولو تأمل سياق الآية لفهم المراد منها، فإنه إنما رفع الجناح عنهم فيما طعموه متقين له فيه، وذلك إنما يكون باجتناب ما حرمه من المطاعم، فالآية لا تتناول المحرم بوجه ما، وقد فهم من قوله تعالى: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) [البقرة: 195] انغماس الرجل في العدو حتى بين له أبو أيوب الأنصاري أن هذا ليس من الإلقاء بيده إلى التهلكة، بل هو من بيع الرجل نفسه ابتغاء مرضات الله، وأن الإلقاء بيده إلى التهلكة هو ترك الجهاد والإقبال على الدنيا وعمارتها.[12]

وقال الصديق رضي الله عنه: (أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية وتضعونها على غير مواضعها: (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) [المائدة: 105]، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بالعقاب من عنده)[13] فأخبرهم أنهم يضعونها على غير مواضعها في فهمهم منها خلاف ما أريد بها… وقد قال عمر بن الخطاب للصحابة: ما تقولون في: (إذا جاء نصر الله والفتح) [النصر: 1] السورة؟ قالوا: أمر الله نبيه إذا فتح عليه أن يستغفره، فقال لابن عباس ما تقول أنت؟ قال: هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم، أعلمه إياه، فقال: ما أعلم منها غير ما تعلم،[14] وهذا من أدق الفهم وألطفه، ولا يدركه كل أحد، فإنه سبحانه لن يعلق الاستغفار بعمله، بل علقه بما يحدثه هو – سبحانه – من نعمة فتحه على رسوله ودخول الناس في دينه، وهذا ليس بسبب للاستغفار، فعلم أن سبب الاستغفار غيره، وهو حضور الأجل الذي من تمام نعمة الله على عبده توفيقه للتوبة النصوح والاستغفار بين يديه ليلقى ربه طاهرا مطهرا من كل ذنب فيقدم عليه مسرورا راضيا مرضيا عنه، ويدل عليه أيضا قوله: (فسبح بحمد ربك واستغفره) [النصر: 3] وهو صلى الله عليه وسلم كان يسبح بحمده دائما. فعلم أن المأمور به من ذلك التسبيح بعد الفتح ودخول الناس في هذا الدين أمر أكبر من ذلك المتقدم، وذلك مقدمة بين يدي انتقاله إلى الرفيق الأعلى. وأنه قد بقيت عليه من عبودية التسبيح والاستغفار التي ترقيه إلى ذلك المقام بقية فأمره بتوفيتها، ويدل عليه أيضا أنه – سبحانه – شرع التوبة والاستغفار في خواتيم الأعمال، فشرعها في خاتمة الحج وقيام الليل، (وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم من الصلاة استغفر ثلاثا)، وشرع للمتوضئ بعد كمال وضوئه أن يقول (اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين) فعلم أن التوبة مشروعة عقيب الأعمال الصالحة، فأمر رسوله بالاستغفار عقيب توفيته ما عليه من تبليغ الرسالة والجهاد في سبيله حين دخل الناس في دينه أفواجا، فكأن التبليغ عبادة قد أكملها وأداها، فشرع له الاستغفار عقيبها.

والمقصود تفاوت الناس في مراتب الفهم في النصوص، وأن منهم من يفهم من الآية حكما أو حكمين، ومنهم من يفهم منها عشرة أحكام أو أكثر من ذلك، ومنهم من يقتصر في الفهم على مجرد اللفظ دون سياقه ودون إيمائه وإشارته وتنبيهه واعتباره، وأخص من هذا وألطف ضمه إلى نص آخر متعلق به فيفهم من اقترانه به قدرا زائدا على ذلك اللفظ بمفرده، وهذا باب عجيب من فهم القرآن لا يتنبه له إلا النادر من أهل العلم، فإن الذهن قد لا يشعر بارتباط هذا بهذا وتعلقه به.)[15]

المبحث الثاني

علاقة اللفظ المطلق بدلالته وبيان ذلك

فبعد هذا السرد العلمي الرصين، يتبين أن الفهم السليم للنص يستلزم معرفة واسعة وعميقة، تجعل الناظر في النصوص واعيا بأنها ليست في درجة واحدة، وأن ثمة فروقا جوهرية أساسية في فهم النص، وإلا تعرض هذا الأخير للرد والرفض وإن كان صحيحا، أو لفهم سقيم تمجه الشريعة. فإن قيل: كم عائبا قولا صحيحا وآفته الفهم السقيم، أقول: وكم مادحا قولا ضعيفا وآفته الفهم المعوج.

واللفظ لا يحمل على ظاهره إلا بعد النظر في دلالته التي يرتبط بها ولا يجوز قطعه ولا فصله عنها، وهذه العلاقة أقصد علاقة اللفظ بدلالته تتصور في أمرين اثنين:

الأول من جهة التأمل في محل اللفظ وصيغته.

والثاني من جهة السياق الخاص أو السياق العام الذي تدندن عليه الشريعة والذي قد تعتبره مقصدا من مقاصدها.

فأما ما يتعلق بدلالة محل اللفظ فإنه أحيانا يكون المحل غير قابل للظاهر المتبادر إلى الذهن أو إلى الحقيقة؛ فإن تعذر ذلك وجب المصير إلى تأويل أو مجاز يتناسبان مع مراد وقصد المستعمل خاصة إذا كان كلامه مقدسا كآية و حديث وهما مصونان عن اللغو والكذب.

مثاله: قول النبي عليه الصلاة والسلام: (إنما الأعمال بالنيات…)[16]

فظاهر هذا الكلام يقتضي ألا يوجد العمل إلا بالنية لوجود أداة الحصر؛ لكن في الواقع نرى أن العمل يوجد بلا نية، فعلم أن الظاهر أو الحقيقة غير مرادة؛ فوجب المصير إلى التأويل أو المجاز وهما كناية عن الحكم بطريق إطلاق اسم الشيء على موجبه أو بطريق حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه فصار كأنه قيل إنما حكم الأعمال بالنيات.

مثال آخر:                                                                                          قوله تعالى: (واستفزز من استطعت منهم بصوتك) [الإسراء: 64]

فإنه مما لا يخفى أنه ليس بأمر لأنه لا يجوز أن يظن بأن الله تعالى يأمر بالكفر بحال وهو القائل سبحانه: (وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون) [الأعراف: 28]، فتبين بأن المراد الإقدار والإمكان. وكذلك قول القائل اللهم اغفر لي يعلم أنه طلب ودعاء لا أمر لأن العبد محتاج إلى المغفرة من مولاه لا يطلبها منه إلزاما وإنما يسأله ذلك سؤالا.

وهذه أمثلة واضحة لا يختلف فيها اثنان، لكن هناك نصوصا سلك فيها بعض العلماء نفس المسلك فجاءت آراؤهم متباينة وكثر فيها الخلاف.

مثال ذلك:

قول النبي عليه الصلاة والسلام: (ثلاثة يدعون الله عز وجل فلا يستجاب لهم: رجل كانت تحته امرأة سيئة الخلق فلم يطلقها ورجل كان له على رجل مال فلم يشهد عليه ورجل آتى سفيها ماله وقال الله تعالى: (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم) [النساء: 5])[17]

فمن العلماء من صحح الحديث سندا ومتنا وحمل النص على ظاهره، كأبي جعفر الطحاوي حيث قال: (ثم تأملنا معنى هذا الحديث فوجدنا الله عز وجل قد علم عباده أشياء يستدفعون بها أضدادها، فكان من ذلك تحذيره لهم أن لا يدفعوا إلى السفهاء أموالهم؛ رحمة لهم، وطلبا منه لبقاء نعمه عليهم، وعلمهم أن يشهدوا في مدايناتهم؛ ليكون ذلك حفظا لأموال الطالبين منهم، ولأديان المطلوبين منهم، وعلمهم الطلاق الذي يستعملونه عند حاجتهم إليه، فكان من ترك منهم ما علمه الله إياه حتى وقع في ضد ما يريد مخالفا لما أمره الله عز وجل به؛ فلم يجب دعاءه لخلافه إياه، وكان من سوى من ذكرنا في هذا الحديث ممن ليس بعاص لربه مرجوا له إجابة الدعوة فيما يدعوه، وهم الذين دخلوا في قوله عز وجل: (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم) [غافر: 60]، وحذرهم على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم من الاستعجال في ذلك إجابة الدعاء. والله عز وجل نسأله التوفيق)[18].

ومنهم من لاحظ أن معنى النص غير مستقيم وإن كان سنده نظيفا كالذهبي حيث قال: (هو مع نكارته إسناده نظيف)[19]

ومنهم من صحح الحديث وصرف النص عن ظاهره كالعلامة المناوي رحمه الله حيث قال: ((ثلاثة يدعون الله عز وجل فلا يستجاب لهم رجل كانت تحته امرأة سيئة الخلق) بالضم (فلم يطلقها) فإذا دعا عليها لا يستجيب له لأنه المعذب نفسه بمعاشرتها وهو في سعة من فراقها (ورجل كان له على رجل مال فلم يشهد عليه) فأنكره فإذا دعا عليه لا يستجاب له لأنه المفرط المقصر بعدم امتثال قوله تعالى (واستشهدوا شهيدين من رجالكم) [البقرة: 282] (ورجل أتى سفيها) أي محجورا عليه بسفه (ماله) أي شيئا من ماله مع علمه بالحجر عليه فإذا دعا عليه لا يستجاب له لأنه المضيع لماله فلا عذر له (وقد قال الله تعالى: (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم) [النساء: 5])[20].

وفي نظري أن الإمام المناوي ومن سلك مسلكه كانوا أحسن مقيلا وأهدى سبيلا؛ وذلك لما يلي:

فأما الرجل الذي تحته امرأة سيئة الخلق، فقد تمنعه موانع كثيرة من طلاقها، من أبرزها أن يكون قلبه متعلقا بها، فيخاف إن هو طلقها افتتن بها فتظل في مخيلته، وربما تبعها في الطرقات. وهذا المعنى يؤيده حديث الرجل الذي اشتكى زوجته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونصه: (أن رجلا أتى النبي عليه الصلاة والسلام فقال: (يا رسول الله، إن لي امرأة لا ترد يد لامسٍ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فطلقها) قال: إني أحبها، قال: (فأمسكها إذا)) وفي رواية قال: (إني لا أصبر عليها))[21]

فهذا فيه دليل على: (جواز نكاح الفاجرة، وإن كان الاختيار غير ذلك، وهو قول أهل العلم)؛[22] فكيف يكون نكاح سيئة الخلق جائزا والإمساك بها مانعا من موانع استجابة الدعاء.

وأما الرجل الذي أقرض غيره مالا ولم يشهد عليه، فقد يحمله على ذلك ثقته بالمدين، أو أن يكون الدائن نفسه ساذجا، ليس له خبرة بأحوال الرجال، فكيف يعاقب على ثقته أو سذاجته بهذا العقاب الكبير الذي لم نعهده إلا في حق المذنبين. فلما كانت الشريعة لا تفرق بين المتماثلات ولا تسوي بين المختلفات، كان القول بظاهر النص يتعارض مع هذه القاعدة، وذلك أن الشريعة بينت أن المانع من استجابة الدعاء هو الوقوع في الكبائر كالكسب الحرام مثلا[23]، فكيف يستوي في الحكم هو ومن فعل خيرا فأقرض غيره لكنه قصر في الإشهاد، لا يستويان مثلا.

مثال آخر:

حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه)[24]

فهذا الحديث لا يمكن حمله على ظاهره لأنه يتعارض مع منطوق ومدلول قوله تعالى: (ولا تزر وازرة وزر أخرى) [الأنعام: 164] الأمر الذي جعل عائشة رضي الله عنها ترد كونه حديثا فقد قال ابن عباس: (فلما مات عمر رضي الله عنه، ذكرت ذلك لعائشة رضي الله عنها، فقالت: رحم الله عمر، والله ما حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله ليعذب المؤمن ببكاء أهله عليه)، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه)، وقالت: حسبكم القرآن: (ولا تزر وازرة وزر أخرى) [الأنعام: 164] قال ابن عباس رضي الله عنهما: (عند ذلك والله هو أضحك وأبكى) قال ابن أبي مليكة: (والله ما قال ابن عمر رضي الله عنهما شيئا))[25]

لكن هنا ملحظ مهم، وهو أن هذا الحديث سمعه غير واحد من النبي عليه الصلاة والسلام؛ فقد قال حافظ المغرب ابن عبد البر: (وقد صح الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمر والمغيرة بن شعبة وغيرهم أنه قال يعذب الميت بما نيح عليه وقد ذكرنا الآثار بذلك من طرق شتى في التمهيد)[26]

وفي هذه الحالة اضطر العلماء إلى التأويل وهذا إجماع منهم على فهم عائشة رضي الله عنها لا على تكذيبها لعمر رضي الله عنه، فما معنى الحديث عندهم؟

قال بعضهم: (إذا كان النوح من سنة الميت فيوصي بذلك، فيعذب حينئذ بفعل نفسه لا بفعل غيره، وإليه ذهب البخاري وأهل الظاهر.

وقال آخرون: معناه أن يمدح الميت فى ذلك البكاء بما كان يمدح به أهل الجاهلية من الفتكات والغارات والقدرة على الظلم، وغير ذلك من الأفعال التي هي عند الله ذنوب، فهم يبكون لفقدها ويمدحونه بها، وهو يعذب من أجلها.

وقال آخرون: معناه أن الميت ليعذب ويحزن ببكاء أهله عليه، ويسوؤه إتيان ما يكره ربه)[27]

قلت: وجميع التأويلات في نظري محتملة وإن كان الأخير أرجحها عندي والله أعلم.

أما من جهة السياق الخاص أو العام، فقد سبقت الإشارة إليه، وذلك في الأمثلة التي ذكرها ابن القيم رحمه الله وهو يتكلم عن الدلالة وأهميتها.

قال عبد الوهاب خلاف: (ومعرفة المقصد العام للشارع من التشريع من أهم ما يستعان به على فهم نصوصه حق فهمها، وتطبيقها على الوقائع واستنباط الحكم فيما لا نص فيه. لأن دلالة الألفاظ والعبارات على المعاني، قد تحتمل عدة وجوه، والذي يرجح واحدا من هذه الوجوه هو الوقوف على مقصد الشارع، لأن بعض النصوص قد تتعارض ظواهرها، والذي يرفع هذا التعارض ويوفق بينها أو يرجح أحدها هو الوقوف على مقصد الشارع. لأن كثيرا من الوقائع التي تحدث ربما لا تتناولها عبارات النصوص، وتمس الحاجة إلى معرفة أحكامها بأي دليل من الأدلة الشرعية بنصوصه وروحه ومعقوله.

وكذلك نصوص الأحكام التشريعية لا تفهم على وجهها الصحيح إلا إذا عرف المقصد العام للشارع من تشريع الأحكام، وعرفت الوقائع الجزئية التي من أجلها نزلت الأحكام القرآنية، أو وردت السنة القولية أو الفعلية.)[28]

وعلى كل حال فموضوع الدلالة موضوع طويل الذيل كثير النيل، لأهميته خاض فيه القدماء والمحدثون، بل خاض فيه حتى غير العرب من العلماء الغربيين.

ومسك الختام، الصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيد الانام، وعل آله الأطهار، وصحابته الأبرار، والتابعين لهم بإحسان وعلينا معهم يا ذا الجلال والإكرام.

 

الخاتمة

خاتمة البحث وتشتمل على النتائج التالية:

أولا:  النتائج

  • دلالة النصوص نوعان: حقيقية تابعة لقصد المتكلم، وإضافية تابعة لفهم السامع وإدراكه.
  • خفاء فهم قصد المتكلم على السامع لا يغير من الحكم شيئا
  • الحفظ ملكة من الله تعالى والفهم هبة منه سبحانه وتعالى، قد يجتمعان في شخص واحد وقد ينفردان.
  • لدلالة الحال أثرها في فهم المراد من الكلام عند الاختلاف.
  • إجماع الصحابة على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر.
  • حرص الصحابة على فهم المراد من كلام الشارع وبيانه عند خفائه لمن خفي عليه.
  • الفهم السليم للخطاب الشرعي يستلزم معرفة واسعة وعميقة، تجعل الناظر في النصوص واعيا بأنها ليست في درجة واحدة، وأن ثمة فروقا جوهرية أساسية في فهم النص.
  • اللفظ المطلق محكوم من جهة دلالته مرتبط بها ولا يجوز قطعه ولا فصله عنها.
  • الشريعة لا تفرق بين المتماثلات ولا تسوي بين المختلفات.

ثانيا: التوصيات

  • أوصي كل من تتشوف نفسه إلى الفتوى معرفة قصود الشارع المرتبطة بنصوصه، وأن يوفق بينهما عند التعارض في الظاهر، حتى لا يتقول على الشارع ما لم يقله، أو ينكر ما يقوله.
  • كما أوصي المتكلمين بلسان الشارع أن يتضلعوا من معرفة لغته العربية وما ترمي إليه من دلالات ألفاظها المنوط بها قصود الشارع الحكيم.

المصادر والمراجع

أولا: القرءان الكريم

  • الاستذكار، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي، تحقيق: سالم محمد عطا، محمد علي معوض، (بيروت: دار الكتب العلمية، 1421هـ – 2000م، ط 1)
  • إعلام الموقعين عن رب العالمين، محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية، تحقيق: محمد عبد السلام إبراهيم، (بيروت: دار الكتب العلمية، 1411هـ – 1991م
  • تاريخ المدينة المنورة أبو زيد عمر بن شبة النميري البصري ت: 226هـ دار النشر: دار العلمية – بيروت – 1417هـ – 1996م، تحقيق: محمد دندل وياسين سعد الدين بيان.
  • جامع البيان عن تأويل القرءان أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، ت: 310هـ دار النشر: دار الفكر – بيروت – 1405هـ.
  • الجامع الكبير- سنن الترمذي، محمد بن عيسى بن سَوْرة بن موسى بن الضحاك، الترمذي، أبو عيسى، المحقق: بشار عواد معروف، (بيروت: دار الغرب الإسلامي، 1998 م)
  • سنن أبي داود، أبو داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرو الأزدي السِّجِسْتاني، المحقق: محمد محيي الدين عبد الحميد (صيدا – بيروت: المكتبة العصرية)
  • سنن البيهقي الكبرى أحمد بن الحسن بن علي أبو بكر البيهقي ت: 275هـ، دار الفكر ت: محمد محيي الدين عبد الحميد.
  • السنن الكبرى، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي الخراساني، النسائي، حققه وخرج أحاديثه: حسن عبد المنعم شلبي، أشرف عليه: شعيب الأرناؤوط، قدم له: عبد الله بن عبد المحسن التركي، (بيروت: مؤسسة الرسالة،1421 هـ – 2001 م، ط 1)
  • شرح السنة، محيي السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، ومحمد زهير الشاويش، (دمشق، بيروت: المكتب الإسلامي، 1403هـ – 1983م، ط 3 )
  • شرح صحيح مسلم بن الحجاج، أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي، (بيروت: دار إحياء التراث العربي، 1392هـ، ط 2).
  • شرح مشكل الآثار، أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة بن عبد الملك بن سلمة الأزدي الحجري المصري المعروف بالطحاوي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، (مكان النشر ؟: مؤسسة الرسالة، 1415 هـ، 1494 م، ط 1 )
  • صحيح ابن حبان لأبي حاتم محمد بن حبان التيمي ت: 354هـ، تحقيق شعيب الأرنؤوط، ط 2 مؤسسة الرسالة – بيروت – 1414هـ 1993م.
  • فتح الباري شرح صحيح البخاري، زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب بن الحسن، السَلامي، البغدادي، ثم الدمشقي، الحنبلي، تحقيق: محمود بن شعبان بن عبد المقصود، مجدي بن عبد الخالق الشافعي، إبراهيم بن إسماعيل القاضي، السيد عزت المرسي، محمد بن عوض المنقوش، صلاح بن سالم المصراتي، علاء بن مصطفى بن همام، صبري بن عبد الخالق الشافعي، (المدينة النبوية: مكتبة الغرباء الأثرية، القاهرة: مكتب تحقيق دار الحرمين، 1417 هـ – 1996 م، ط 1).
  • علم أصول الفقه، عبد الوهاب خلاف، (مكان النشر ؟: مكتبة الدعوة – شباب الأزهر (عن الطبعة الثامنة لدار القلم).
  • فيض القدير شرح الجامع الصغير، زين الدين محمد المدعو بعبد الرؤوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين الحدادي ثم المناوي القاهري، (مصر: المكتبة التجارية الكبرى، 1356هـ).
  • المستدرك على الصحيحين للحافظ محمد بن عبد الله أبي عبد الله الحاكم النيسابوري ت 405هـ تحقيق مصطفى عبد القادر العطا طبعة دار الكتب العلمية بيروت 1411هـ
  • مسند الإمام أحمد بن حنبل ت 211هـ مؤسسة قرطبة القاهرة
  • المعجم الأوسط لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني ت 360هـ تحقيق طارق بن عوض الله بن محمد، عبد المحسن بن إبراهيم الحسيني، ط دار الحرمين القاهرة 1415هـ
  • البيان والتبيين للجاحظ ت 255هـ تحقيق فوزي عطوي
  • المغني في فقه الإمام أحمد لابن قدامة المقدسي ت 620هـ دار الفكر بيروت 1405هـ ط1

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 –  البيان والتبين، الجاحظ 255 هـــ، در صعب بيروت، ت: فوزي عطوي ص 577.

2 – العقد الفريد أحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسي 328 هــ، دلر إحياء التراث العربي بيروت لبنان، 1420/1999 م، ط3، 2/315.

3 – ديوان المعاني أبو هلال الحسن بن عبد الله بن مهران العسكري دار الجيل بيروت 1/177.

4 – المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، عبدالله بن أحمد بن قدامة المقدسي أبو محمد 620 هــ دار الفكر بيروت 1405 هــ، ط1،ج7/297 وما بعدها

[3] – القصة طويلة وموضع الشاهد منها قول عمر رضي الله عنه: (فأتيت نبي الله صلى الله عليه وسلم فقلت: ألست نبي الله حقا، قال: «بلى»، قلت: ألسنا على الحق، وعدونا على الباطل، قال: «بلى»، قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذا؟ قال: «إني رسول الله، ولست أعصيه، وهو ناصري»، قلت: أوليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال: «بلى، فأخبرتك أنا نأتيه العام»، قال: قلت: لا، قال: «فإنك آتيه ومطوف به»، قال: فأتيت أبا بكر فقلت: يا أبا بكر أليس هذا نبي الله حقا؟ قال: بلى، قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: بلى، قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذا؟ قال: أيها الرجل إنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس يعصي ربه، وهو ناصره، فاستمسك بغرزه، فوالله إنه على الحق، قلت: أليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال: بلى، أفأخبرك أنك تأتيه العام؟ قلت: لا، قال: فإنك آتيه ومطوف به، – قال الزهري: قال عمر -: فعملت لذلك أعمالا) أخرجها البخاري في صحيحه 3/193

[4] – أخرجه مسلم بسنده عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: (عن عدي بن حاتم رضي الله عنه، قال: لما نزلت: {حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود} [البقرة: 187] من الفجر قال له عدي بن حاتم: يا رسول الله، إني أجعل تحت وسادتي عقالين: عقالا أبيض وعقالا أسود، أعرف الليل من النهار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن وسادتك لعريض، إنما هو سواد الليل، وبياض النهار») 2/766

قال النووي رحمه الله: (وأما معنى الحديث فللعلماء فيه شروح أحسنها كلام القاضي عياض رحمه الله تعالى قال إنما أخذ العقالين وجعلهما تحت رأسه وتأول الآية لكونه سبق إلى فهمه أن المراد بها هذا وكذا وقع لغيره ممن فعل فعله حتى نزل قوله تعالى من الفجر فعلموا أن المراد به بياض النهار وسواد الليل وليس المراد أن هذا كان حكم الشرع أولا ثم نسخ بقوله تعالى من الفجر كما أشار إليه الطحاوي والداودي قال القاضي وإنما المراد أن ذلك فعله وتأوله من لم يكن مخالطا للنبي صلى الله عليه وسلم بل هو من الأعراب ومن لا فقه عنده أو لم يكن من لغته استعمال الخيط في الليل والنهار لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ولهذا أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على عدي بقوله صلى الله عليه وسلم إن وسادك لعريض إنما هو بياض النهار وسواد الليل قال وفيه أن الألفاظ المشتركة لا يصار إلى العمل بأظهر وجوهها وأكثر استعمالها إلا إذا عدم البيان وكان البيان حاصلا بوجود النبي صلى الله عليه وسلم) شرح النووي على مسلم 7/201.

[5] – أخرجه مسلم في صحيحه بسنده عن عبد الله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر» قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة، قال: «إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق، وغمط الناس») 1/93.

[6] – أخرجه البخاري في صحيحه 8/106 ومسلم في صحيحه 4/2065.

[7] – انظر صحيح البخاري 7/117 وصحيح مسلم 4/1993 وفيه: (عن أبي هريرة، قال: لما نزلت {من يعمل سوءا يجز به} [النساء: 123] بلغت من المسلمين مبلغا شديدا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قاربوا، وسددوا، ففي كل ما يصاب به المسلم كفارة، حتى النكبة ينكبها، أو الشوكة يشاكها»)

[8] – انظر صحيح البخاري 6/114.

[9] – انظر مصنف عبد الرزاق 7/351.

قال الحافظ ابن عبد البر: (قال أبو عمر يختلف أهل المدينة في رواية هذه القصة , فمنهم من يرويها لعثمان مع علي كما رواها مالك وبن أبي ذئب ومنهم من يرويها عن عثمان عن ابن عباس , وأما أهل البصرة فيرونها لعمر بن الخطاب مع علي بن أبي طالب , فأما رواية أهل المدينة فذكرها معمر عن الزهري عن أبي عبيد مولى عبد الرحمن بن عوف قال رفعت إلى عثمان امرأة ولدت لستة أشهر فقال إنها رفعت إلي امرأة لا أراها إلا جاءت بشر ولدت لستة اشهر فقال له ابن عباس إذا أتمت الرضاع كان الحمل ستة اشهر قال وتلا بن عباس (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) الأحقاف 15 فإذا أتمت الرضاع كان الحمل ستة أشهر وهذا الإسناد لا مدفع فيه من رواية اهل المدينة وقد خالفهم في ذلك ثقات أهل مكة فجعلوا القصة لابن عباس مع عمر.

وروى ابن جريج قال أخبرني عثمان بن أبي سليمان ان نافع بن جبير اخبره ان بن عباس أخبره قال إني لصاحب المرأة التي أتي بها عمر وضعت لستة أشهر فأنكر الناس ذلك قال قلت لعمر لم تظلم قال كيف قال قلت أترى (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) الأحقاف 15 وقال (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) البقرة 233 قال كم الحول قال سنة قلت وكم السنة قال اثنا عشر شهرا قال فأربعة وعشرون شهرا حولان كاملان ويؤخر الله عز وجل من الحمل ما شاء ويقدم ما يشاء قال فاستراح عمر إلى قولي.

وروي من حديث الكوفيين نحو ما رواه المدنيون في عثمان

ذكر عبد الرزاق عن الثوري عن الأعمش عن أبي الضحى عن قائد لابن عباس كنت معه فأتي عثمان بامرأة وضعت لستة اشهر فامر برجمها فقال له بن عباس إن خاصمتكم بكتاب الله خصمتكم قال الله عز وجل (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) الأحقاف 15 والحمل ستة أشهر والرضاع سنتان قال فدرأ عنها الحد

قال أبو عمر هذا خلاف ما ذكره مالك أن عثمان بعث في أثرها فوجدها قد رجمت

وقد صحح عكرمة القصتين لعمر وعثمان أيضا ذكره عبد الرزاق عن الثوري عن عاصم عن عكرمة وذكره غير واحد عن الزهري بإسناده عن عكرمة أن عمر أتي بمثل التي أتي بها عثمان فقال فيها على نحو مما قال بن عباس

وأما رواية أهل البصرة فذكر عبد الرزاق عن عثمان بن مطر عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أبي حرب بن أبي الأسود الديلي عن أبيه قال رفع إلى عمر امرأة ولدت لستة أشهر فأراد عمر أن يرجمها فجاءت أختها إلى علي بن أبي طالب فقالت إن عمر يريد أن يرجم أختي فأنشدك الله إن كنت تعلم لها عذرا لما أخبرتني به فقال لها علي فإن لها عذرا فكبرت تكبيرة فسمعها ومن عنده فانطلقت إلى عمر وقالت إن عليا زعم أن لأختي عذرا فأرسل عمر إلى علي ما عذرها فقال إن الله عز وجل يقول (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين) البقرة 233 وقال عز وجل (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) الأحقاف 15 فحمله ستة أشهر والفصال أربعة وعشرون شهرا قال فخلى عمر سبيلها قال ثم إنها ولدت بعد ذلك لستة أشهر.

وروى معمر عن قتادة قال رفع إلى عمر امرأة ولدت لستة أشهر بمعنى ما تقدم لم يجاوز به قتادة يوما إلى آخره

ومن وصله حجة عليه.

قال أبو عمر لا أعلم خلافا بين أهل العلم في ما قاله علي وابن عباس في هذا الباب في أقل الحمل وهو أصل وإجماع

وفي الخبر بذلك فضيلة كبيرة وشهادة عادلة لعلي وابن عباس في موضعهما من الفقه في دين الله عز وجل والمعرفة بكتاب الله عز وجل) الاستذكار 7/491 وما بعده.

[10] – انظر صحيح البخاري 2/105 وصحيح مسلم 1/51 قال ابن حجر: (وفي القصة دليل على أن السنة قد تخفى على بعض أكابر الصحابة ويطلع عليها آحادهم ولهذا لا يلتفت إلى الآراء ولو قويت مع وجود سنة تخالفها ولا يقال كيف خفي ذا على فلان والله الموفق) فتح الباري 1/76.

[11] – انظر تاريخ المدينة لابن شبة المتوفى (262هج) وفيه: (أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه استعمل قدامة بن مظعون على البحرين، فقدم الجارود سيد عبد القيس على عمر رضي الله عنه من البحرين  فقال: إن قدامة بن مظعون شرب فسكر، ثم إني رأيت حدا حقا علي أن أرفعه إليك، قال: من يشهد معك؟ قال: أبو هريرة رضي الله عنه، فأرسل إلى أبي هريرة رضي الله عنه فقال: أما تشهد؟ قال: لم أره حين شرب؟ ولكني رأيته سكران يقيء، قال: «لقد تنطعت في الشهادة يا أبا هريرة»، ثم كتب إلى قدامة أن يقدم، فقدم على عمر رضي الله عنه فقام الجارود إلى عمر رضي الله عنه فقال: أقم على هذا حد الله، قال: «أخصم أنت أم شهيد؟» قال: لا، بل شهيد، قال: «قد أديت شهادتك»، فصمت الجارود حتى غدا على عمر رضي الله عنه من الغد فقال: أقم على هذا حد الله، فقال: «ما أراك إلا خصما، وما أراك شهد معك إلا رجل»، قال: أنشدك الله يا أمير المؤمنين، قال: «لتمسكن لسانك أو لأسوءنك؟» قال: والله ما ذاك بالعدل، يشرب ابن عمك وتسوءني؟ فقال أبو هريرة رضي الله عنه وهو جالس: يا أمير المؤمنين إن كنت تشك في شهادتنا فأرسل إلى ابنة الوليد فسلها وهي امرأة قدامة فأرسل عمر إلى هند بنت الوليد يناشدها، فأقامت الشهادة على زوجها، فقال عمر رضي الله عنه: «إني جالدك يا قدامة»، فقال: لئن كان كما يقولون فليس لك أن تجلدني، قال: لم؟ قال: لأن الله يقول: {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا} [المائدة: 93] حتى قرأ الآية، قال: إنك أخطأت التأويل يا قدامة، إنك إذا اتقيت الله اجتنبت ما حرم الله عليك، قال: ثم استشار الناس -[844]- فقال: ما ترون في جلد قدامة، قالوا: لا نرى أن تجلده ما دام وجعا قال: «لأن يلقى الله تحت السياط أحب إلي من أن يلقاه وهو في عنقي، إيتوني بسوط»، فأمر بقدامة فجلد، فغاضبه قدامة وهجره حتى خرج إلى مكة وحج قدامة، فلما رجع ونزل السقيا استيقظ عمر رضي الله عنه من نومه، فقال: ” عجلوا علي بقدامة فوالله إني لأرى في النوم أن آتيا أتاني فقال: سالم قدامة فإنه أخوك، فعجلوا علي بقدامة، فأرسل إليه فأبى قدامة أن يأتيه، فقال: «ليأتيني أو ليجرن فأتاه فصالحه واستغفر له، فكان ذلك أول صلحهما») 3/842.

[12] – قال أحمد شاكر رحمه الله: ( قال الحافظ في “الفتح” 8/185: وهذا الذي قاله حذيفة جاء مفسرا في حديث أبي أيوب الأنصاري الذي أخرجه مسلم (لم نجده فيه)، و أبو داود (2512)، والترمذي (2972)، [والطبري (3180) ]، وابن حبان (4711)، [والطبراني (4060) ]، والحاكم 2/275، [والبيهقي 9/99] من طريق أسلم ابن عمران قال- واللفظ لابن حبان -: كنا بمدينة الروم، فأخرجوا إلينا صفا عظيما من الروم، وخرج مثله أو أكثر، وعلى أهل مصر عقبة بن عامر صاحب رسول الله صلي الله عليه وسلم فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم، فصاح به الناس، وقالوا: سبحان  الله! تلقي بيدك إلى التهلكة؟! فقام أبو أيوب الأنصاري، فقال: أيها الناس، إنكم تتأولون هذه الآية على هذا التأويل، إنما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار، إنا لما أعز الله الإسلام، وكثر ناصريه، قلنا بعضنا لبعض سرا من رسول الله صلي الله عليه وسلم: إن أموالنا قد ضاعت، وإن الله قد أعز الإسلام، وكثر ناصريه، فلو أقمنا في أموالنا، فأصلحنا ما ضاع منا، فأنزلرر} الله = على نبيه صلي الله عليه وسلم يرد علينا ما قلنا: (وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين) فكانت التهلكة الإقامة في أموالنا وإصلاحها، وتركنا الغزو. قال: وما زال أبو أيوب شاخصا في سبيل الله حتى دفن بأرض الروم. وإسناده صحيح.) مسند أحمد 30/429

[13] – انظر مسند أحمد 1/178و198 وسنن أبي داود 4/122 وسنن الترمذي 4/37 و 5/106.

[14] – انظر صحيح البخاري 4/204 و 5/149.

[15] – إعلام الموقعين (1/479).

[16] – رواه البخاري: فتح الباري: 1/9 ومسلم بلفظ: “إنما الأعمال بالنية” شرح مسلم على النووي 6/387.

[17] – أخرجه الحاكم في المستدرك وقال «هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ» لِتَوْقِيفِ أَصْحَابِ شُعْبَةَ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى أَبِي مُوسَى وَإِنَّمَا أَجْمَعُوا عَلَى سَنَدَ حَدِيثِ شُعْبَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ: «ثَلَاثَةٌ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ» وَقَدِ اتَّفَقَا جَمِيعًا عَلَى إِخْرَاجِهِ ” 2/331.

والبيهقي في السنن الصغرى4/140 والسنن الكبرى10/247 وصححه الألباني في صحيح الجامع تحت رقم 3075.

[18] – شرح مشكل الآثار 6/357.

[19] – فيض القدير 3/336.

[20] – فيض القدير 3/336.

[21] – انظر السنن الكبرى للنسائي 5/159 وسنن النسائي 6/170 وشرح السنة للبغوي 9/287.

[22] – شرح السنة للبغوي 9/288.

[23] – أشير إلى حديث أبي هريرة، أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” أيها الناس، إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا، إني بما تعملون عليم} [المؤمنون: 51] وقال: {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم} [البقرة: 172] ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء، يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟ ” رواه مسلم في صحيحه 2/703.

[24] – أخرجه البخاري في صحيحه 2/70 ومسلم في صحيحه 2/639.

[25] – المصدر السابق نفسه

[26] – الاستذكار 3/70

[27] – انظر شرح صحيح البخاري لابن بطال 3/272 وما بعده والاستذكار 3/70 وما بعده

[28] – علم أصول الفقه ص197.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M