دماء غزة.. استفاقة الغرب وسقوط العُرْب في مستنقع الخيانة
هوية بريس – إبراهيم الطالب
ماذا ننتظر بعد الذبح والحرق والتهجير؟؟
ماذا ينتظر حكام المسلمين بعد كل هذا الدمار والتقتيل؟؟
هل فعلا لا تزال قضية فلسطين قضية الحكومات في بلدان المسلمين؟؟
أسئلة تقطر أسى وحزنا، نطرحها في وجوه المتواطئين، ونرميها شجْبا للخيانة والدناءة ونحن نتابع كل يوم حلقات المسلسل الدموي في حق إخواننا وأبنائنا الغزاويين.
أسئلة لن نجيب عنها في هذا المقال، لأنها خرجت مخرج الاستنكار لا الاستفسار، استنكار لخيانات العرب الصهاينة الذي شاركوا شياطين الصهيونية النصرانية في الأموال والأولاد، إنهم ليسوا من بطانتهم فقط، بل فهم هم، صار بينهم تجانس كامل فتساوَوا في النجس، تشابهت قلوبهم وتوحدت في المصلحة والمصير أغراضهم.
فلهم نقول شيئا من الكلام لا يشبه الشعر:
غزة.. ليست قطعة أرض من تُرْب يسكنها البشر.
غزة.. صُنعتْ من عز وفخر لا من حجر.
غزة.. رباطٌ وإباءٌ صَنَعا “الشواظ” وعلى وجه “السامري” انفجر.
غزة.. قالت: إن دون القدس والمسرى يحلو إهراقُ دَمي كالمطر.
غزة.. صامدة رغم أنوف صهيون وأشياعهم وكلِّ مَن غدَر.
غزة.. لن تَبِيد رغم العمالة و”التطبيع” ورغم كيد مَن فَجر.
غزة.. “غَرْدقٌ” يفضح كل “نتِن ياهو”، وفي أرضها يَشي بمَن خان الحجر.
غزة.. أعادت للناس معنى الحياة ومعنى الممات، وسيَّدت فوق الرؤوس مَن صبر.
غزة.. هي الماءٌ الطهور، عن قريبٍ تغسل العار عن الجبين وتُزيل الضرر.
غزة.. هي الرفعة والعلوُّ، وهي الرقي والسموُّ، لمن يأنف العيش بين الحفر.
غزة.. هي الحبُّ والحربُ هي السيف و”الضيف” و”الياسين” والظفر.
غزة.. روح ستُنهض الأمة لترمي في وجه الغزاة الشُهْب والشرر.
غزة.. نفيرٌ نحو العِزِّ والصولةٌ دون انقطاع حتى يُقضى الوطر.
فإن شئتَ.. تَقدمْ أيها المسلم، وإن شئت للورا تأخر.
فلا نامت أعين الجبناء، ولا خاطرٌ منهم بعد كَسْرٍ انْجبر.
غزة.. في طوفانها كانت تنوب عنَّا وتركبُ ذروةَ السنام الأغر.
فلا تلوموها.. فالمجد يعشقُ كُلَّ مَن لا يهابُ المنايا ويركبُ الخطر.
……
إن العالم قبل السابع من أكتوبر فار تنوره لمَّا بلغت المخططات والمؤامرات ذروة الخبث والاستحكام، فكان لا بد لطوفان نوح أن يعم البسيطة، وهذا الذي نراه في الجامعات الأمريكية وفي شوارع لندن وكل العواصم الغربية من حشود هو ازدحامُ النزهاء المخلصين لقيمهم يحاولون ركوب السفينة، سفينة الوعي العالمي التي أوشكت أن تستوي على الجودي، وعندما يغيض الماء فلن ترجع بعدها فلسطين إلى الوراء، فقد مسح الطوفان حِبر خيانة “أوسلو” وعمالة “وادي عربة” ونذالة “كمب ديفد”، وأزال الأوهام من رؤوس سدنة التطبيع، وأخرس منهم ألسنة الوساطة المحرمة، وهذا ليس افتراءً ولا مراءً، بل يشهد به الواقع ويؤيده الدليل.
نذكر أربعا بالداخل، وأربعا بالخارج، لتكتمل العدة مساوية للعدة الدنيا لأجَلِ موسى مع شعيب عليهما السلام، ثمانية حِجج بكسر الحاء، وفي موضوعنا بضمها، لينزل التأييد الرباني بعدها بالعصا في الوادي المقدس طوى، والتي ستلقف إفك السحرة من الإعلاميين والساسة والمرابين، ولكل زمن عصاه، والسيف بضاربه لا بحده.
فأما داخليا:
1- لأول مرة تتمايز فيها الصفوف فلا قومية في الساحة ولا بعثية ولا ناصرية ولا اشتراكية ولا عروبية، كل الفصائل إسلامية، وهذا أحيا المفاهيم، التي صرف الصهاينة المسيحيون واليهود والعرب من أجل تحريفها الملايير، وكُتبت الأطاريح وسودت صحائف البحوث، من المستشرقين والمستغربين، حتى يجعلوا مفهوم الجهاد مرادفا لمفهوم الإرهاب، لكن اليوم بعد الطوفان مفهوم الجهاد عاد ليحتل موقعه في صفوف المقاومة، نقيا طاهرا، قويا يهز النفوس الشامخة، وهذا المستجد الهام عادل الكفة من الناحية العقائدية، فالنواب المؤثرون في الكنيست يَصدرون عن التلمود والعهد القديم، ويرتكبون المجازر منذ دير ياسين بالفتاوى الحاخامية، والمجاهدون يَصدرون عن القرآن وبه يهتدون، وهذا مهم جدا على المستوى العقدي، فهو يوازي عقيدة الجيوش وإيديولوجيا الدول التي تجمع قلوب مواطنيها على المبادئ الكبرى والمثل العليا الخاصة بها، ليكونوا صفا في وجه أعدائهم، وهذا نفهم من خلاله:
لماذا عزل مرسي وقتل؟
ولماذا حوربت طالبان حتى انتصرت؟
ولماذا تحارب كل الجماعات الإسلامية من طرف الصهيونية وأتباعها في بلاد الإسلام؟
2- تم إحياء النفوس بالضفة الغربية التي يحرسها خونة “أوسلو”، يحبسون المقاومين ويسلمونهم لأعدائهم، وهذا فضح دور عباس وعصابته، الأمر الذي سيجعل فلسطينيي الضفة يستأنفون المقاومة والجهاد مرة أخرى، إذ تبيَّن لكل عاقل منصف أن السلام أصبح مرادفا للعبودية والذل والرق، مع خسران الأرض والروح والعرض.
3- باستصحاب العنصر الثاني وبعد تركيع الكيان الصهيوني وإسقاط أساطير التفوق والقوة التي لا تقهر يوم 7 من أكتوبر من طرف الفصائل المجاهدة، فلن يبقى لحركة فتح مسوغ للتمسك بالسلطة الوهمية، ولا أهلية لوجودها سياسيا، ولا لازم للبقاء كليا، الأمر الذي سيعجل بوحدة الفلسطينيين إن شاء الله، وهذا عنصر من الأهمية بمكان.
4- لأول مرة تصنع المقاومة سلاحها بيدها، وتستطيع تجريبه في عدوها، وتثبت للشعوب قبل الحكام أنهم يستطيعون التخلص من عار التطبيع إن أرادوا، فعندما تستطيع المقاومة الصبر والصمود لـ8 أشهر، مع اتحاد كامل بينها وبين الشعب بلا تذمر ولا خيانة، رغم تدمير البلاد وتقتيل العباد، فهذا معناه أنها نجحت في تعليم الناس المعاني التي تجعلهم لا يخضعون ولا يسقطون ولا يستسلمون، فكل غزاوي مشروع قائد، إذا تكلم أقنع وأبهر، وهذا الأمر يُسائل نظم تعليمنا التي تسبح في مستنقع العلمنة والتغريب، حتى أصبحت الملايين من شعوبنا أفواها تبلع وبطونا من الزنا تدفع، لا هدف ولا رأي ولا قناعة ولا وعي.
أما ما يشهد خارجيا لما قلناه، وهو من الأهمية بحيث يمكن اعتبار ما أحدثه طوفان الأقصى في الشعوب الغربية والضمير الجمعي لمواطنيها من تحول، أكثر بكثير من الدمار الذي أحدثته الآليات الحربية الصهيونية في غزة، فالطوفان دمر كل مخططات الصهيونية في العالم، وهذا لم تستطعه الدول العربية منذ بدأت القضية، بجمالها المشوه، وقذافها المشلول، وحافظها الخائن، رغم الخطب والعمالة للاتحاد السوفييتي الذي لم يغن عنهم شيئا لا في مجلس الأمن ولا في ساحات القتال، ففي كليهما حافظ على مصالح الكيان الغاصب على الدوام.
ونمثل لمحاسن الطوفان واستحالة رجوع القضية إلى ما كانت عليه قبله بما يلي:
1- لأول مرة يسقط الخوف من عقوبات قوانين معاداة السامية التي كممت بها الصهاينة أفواه نزهاء الغرب، وحكمت بها مواقف السياسيين والمثقفين، ومن تكلم ينتقمون منه في رزقه وسلامته.
2- ارتفاع الوعي بالقضية الفلسطينية في صفوف أبناء الغرب خصوصا طلاب أعلى الجامعات قدرا، والذين يمثلون قادة الغد، حيث أصبحوا مدافعين عن قضيتنا ضد حكوماتهم وتواطئها مع الغاصبين، مشككين في السردية المتصهينة التي لَقنونها لهم في مدارسهم تزويرا للتاريخ، وخدمة للكيان الغاصب بدعوى المظلومية، وهذه الأكاذيب كانت تحاصر الدعم المادي والمعنوي للقضية الفلسطينية في بلاد الغرب.
3- التغيير الذي أحدثه طوفان الأقصى، على مستوى النخبة والمؤثرين وبعضِ السياسيين وكثيرٍ من المثقفين في البلدان الغربية، سيخدم بقوة مطالب الشعوب الغربية بقطع الإمداد المالي والعسكري لمجرمي الحرب وقاتلي الأطفال والنساء والذي يقتطع من مال دافعي الضرائب.
4- توسع التأييد للقضية الفلسطينية بشكل رسمي على مستوى حكومات الدول الغربية، ومشاريع الاعتراف بالدولة الفلسطينية من طرف دول مثل إسبانيا، وهذا من شأنه أن يعطي القوة لفلسطين على مستوى الأمم المتحدة والقانون الدولي.
فكل هذه المستجدات وغيرها كثير تدل بالقطع على أن واقع القضية الفلسطينية وغزة بعد الطوفان لن يكون كما كان قبله.
على أننا، رغم هذا كله، لا ينبغي بحال أن نثق في الخطابات السياسية للدول الغربية، خصوصا الإمبريالية فهي من صنعت دويلة الكيان في قلب الأمة الإسلامية لتحول دون وحدتها من جديد، بعد أن تمكنت من عزل آخر خليفة لهم السلطان عبد الحميد الثاني وسجنه في قصر يملكه يهودي في إقليم سلانيك ذي الأغلبية اليهودية، ثم تقرر مع عملائها العلمانيين الأتراك إسقاط الخلافة الإسلامية، ولا تزال إلى اليوم تحول دون اتحاد بلدان المسلمين ولو على أساس اقتصادي خشية أن يعودوا إلى مجدهم.
ويحلو لي أن أختم المقالة بقصيدة للوزير أبي عبد الله محمد بن إدريس العمراوي أنشدها قبيل معركة إيسلي 1844م، يستحث بها الناس لتلبية أمر السلطان بالجهاد، مستنهضا المغاربة للقيام بالواجب والاستجابة للنفير العام، وذلك بعد أن احتلت فرنسا مدينة وجدة ردا على دعم السلطان والقبائل للأمير عبد القادر في جهاده ضد الاحتلال الفرنسي للجزائر بالمال والعتاد والرجال؛ يقول المؤرخ أحمد الناصري في الاستقصا الجزء التاسع الصفحة 50:
“ثم أخذ السلطان رحمه الله في أسباب الغزو والاستعداد التام وحشد الجنود، واتخاذ الرايات والبنود واستنفار القبائل، وقال في ذلك الوزير ابن إدريس أشعارا يستنفر بها أهل المغرب ويحضهم على الجهاد وايقاظ العزائم له من ذلك قوله:
يا أهل مغربنا حُقَّ النفير لكم/// إلى الجهاد فما في الحق من غَلَط
فالشرك من جنبات الشرق جاوركم /// مِن بعد ما سام أهلَ الدين بالشَّطَط
فلا يغرنكم مِن لين جانبه/// ما عاد قبلُ على الإسلام بالسَّخَط
فعنده من ضروب المكر ما عجزت/// عن دَرْکِه فِكْرَة الشُبان والشُمُط
فواتح المكر تبدو من خواتمه/// فعنده المكر والمكروه في نمط
وأنتم القصدُ لا تَبْقُن في دعة/// إن السكون إلى الأعدا من السقط
مَن جاور الشرَّ لا يَعْدِم بوائقَه /// كيف الحياة مع الحيات في سَفَطِ
قد يُغْبَط الحرُّ في عِزٍّ يُخَلِّدُه/// وليس حيٌّ على ذلٍّ بمُغتبَط
فهل يستطيع وزير مغربي اليوم في ظل نظام العلمانية العالمي أن ينشد مثلها، لن يستطيع ليس لعجمته ولكن لكون الجميع يعيش تحت تسلط الأمم المتحدة علينا بعد انتصارها في الحرب العالمية الثانية، وبعد إخضاع بلداننا رويدا رويدا لسلطة ثقافتها الغالبة، وهي العلمانية متدثرة بحقوق الإنسان زورا، وبالعدالة كذبا وبالديمقراطية بهتانا:
فعنده من ضروب المكر ما عجزت/// عن دَرْکِه فِكْرَة الشبان والشُمُط
وأنتم القصدُ لا تَبْقُن في دعة/// إن السكون إلى الأعدا من السقط
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.