دمار غزة وسؤال التطبيع
هوية بريس – سعيد الغماز
خلال قصف جيش الاحتلال لقطاع غزة، كنا نتابع الدمار الذي يطال المباني والمستشفيات والمدارس. كما كنا نتابع يوميا عَدَّاد الشهداء والجرحى لمعرفة رقمه الجديد. وخلال الإعلان عن الهدنة، تابعنا حجم الدمار الذي استهدف كل مظاهر الحياة في قطاع غزة. بعد هذه الصورة من الدمار يُطرَح علينا سؤال: ماذا بقِي من التطبيع؟
حين أعلنت الدولة المغربية عن استئناف العلاقات مع إسرائيل، وهو التطبيع الذي جاء مقرونا بدعم الولايات المتحدة الأمريكية لوحدتنا الترابية واعترافها بالصحراء المغربية، توزعت الآراء بين من دافع عن التطبيع باعتباره يخدم قضيتنا الوطنية، وبين رافض له باعتباره أداة للتخريب وطعنا من الخلف للقضية الفلسطينية.
لكن العدوان الأخير لجيش الاحتلال على قطاع غزة، جعلنا نقف على طبيعة عدو مجرد من الإنسانية باستهدافه للأطفال والنساء، يقوم بحرب قذرة لا يفرق فيها بين المدني والعسكري، وأخيرا هو عدوان يعيش خارج حضارة القرن 21 بتدميره لكل مظاهر الحياة في قطاع غزة، من مساكن ومستشفيات ومدارس وبنيات تحتية، وحتى مؤسسات المنظمات الإنسانية وغوث اللاجئين لم تسلم من وحشيته. لذلك نقول إنه لم يبق أي شيء من التطبيع، ويجب إيقاف هذا المسار التطبيعي. والاستمرار في التطبيع رغم ما كشف عنه جيش الاحتلال من وحشية منقطعة النظير، يجعلنا نقف أمام السؤال التالي: إلى أين سيقودنا هذا التطبيع؟
الجواب يمر عبر معرفة وضعية الدول التي كانت سباقة للتطبيع مع الكيان الصهيوني. الأكيد أن جمهورية مصر العربية هي أول دولة دشنت التطبيع مع كيان الاحتلال سنة 1979. خلال هذا التطبيع، تم التسويق لرواية تقول إن مصر قد أنهكتها الحروب مع إسرائيل، واستنزفت ثرواتها، وأفقرت اقتصادها. وتسرد لنا الرواية أن التطبيع سيجعل مصر تتصالح مع الدول العظمى، وهو ما سيجعلها تستفيد من الاستثمارات التي ستخلق ومستقبلا ورديا لكل المصريين. لكن بعد 44 عاما على اتفاقيات كامب ديفيد، نجد حال مصر اليوم أسوء بكثير مما كانت عليه قبل التطبيع، بل الأكثر من ذلك صارت الدولة تقف على حافة الإفلاس، لولا تدخل المملكة العربية السعودية التي ضخت 5 مليار دولار في البنك المركزي المصري لتجد الدولة العملة الصعبة الكافية لاقتناء حاجيات المجتمع المصري. قبل التطبيع كانت اثيوبيا لا تستطيع المساس بحق مصر في مياه النيل. لكنها الآن تتحدى مصر، وتملأ سد النهضة دون أي اعتبار للتهديدات المصرية. ولم تستفد مصر من علاقاتها مع إسرائيل المساهمة في بناء سد النهضة. بل هناك من يتحدث عن تواطؤ إسرائيلي إثيوبي لتهديد الأمن المائي لدولة الفراعنة.
بعد مصر، أتى الدور على الأردن التي أقامت علاقات طبيعية مع كيان الاحتلال منذ 1994. ولا غرابة إذا عرفنا أن كلتا الدولتين المطبعتين، تعانيان من تهديد أمنهما المائي. مصر من طرف إثيوبيا التي تجمعها مع إسرائيل مصالح كثيرة، والأردن التي تعاني من تحكم دولة الاحتلال في مياهها. أضف إلى ذلك الصعوبات الاقتصادية التي تعاني منها المملكة الهاشمية. ورغم مرور عدة عقود، ظل التطبيع مقتصرا على مؤسسات الدولة، وبقيت الشعوب رافضة له، غير مقتنعة به. ونبض الشارع لا يخطئ في مثل هذه القضايا.
على هذا الأساس نقول إنه لم يبق أي شيء من التطبيع، واستمراره سيقودنا إلى الخراب كما وقع لمصر وللأردن، ويجب إيقاف هذا الخراب، حفاظا على الدولة وعلى الوطن.