خلف قرار السماح للمرأة بمزاولة مهنة العدول “وهي مهنة دينية”، تؤطرها القواعد والضوابط الدينية، مثل منصب الإمام والخطيب والحاخام والبابا… قلت خلف ردود فعل متباينة، وإن كان الصوت المعارض خافتا وضعيفا، ليس بسبب ضعف حججه وأدلته، بل لأن القرار ارتبط بالملك، فتصبح مجرد مناقشته أمرا صعبا إن لم يكن مستحيلا، ويستقوي بالقرار الملكي كل من له مآرب وغايات إيديولوجية حتى إن لم يكن يؤمن بالمناصب الدينية أصلا، وعلى رأسها إمارة المؤمنين.
من الذين عارضوا من وجهة نظر فقهية، الشيخ حسن الكتاني والباحث الدكتور قاسم اكحيلات، وهي معارضة ومناقشة مقبولة وصحيحة وصحية، بمعايير الشرع والديمقراطية والحرية.
لكن جهات عديدة محسوبة على الصف الحداثي الإقصائي العنصري المتطرف، وهو لا يقل داعشية عن تطرف داعش وإقصائها، رفض أن يكون للآخر صوت أو رأي أو قول آخر،
ومن تلك الجهات نجد “الجبهة الوطنية لمناهضة التطرف والإرهاب بالمغرب”، حيث عبرت في بيان ملئ بعبارات التحريض والكراهية والعنصرية والوشاية والإرهاب والتطرف والإقصاء والوسم، عبرت عن رفضها لأي رأي مخالف، واعتبرت إدلاء الكتاني برأيه المنطلق من المذهب المالكي، اعتبرتها: “تصريحات إرهابية مدانة”، واعتبرت آراء كل من عبروا عن رأي مخالف من بعض الشيوخ والدعاة المختصين: “محاولة شيوخ التطرف والإرهاب احتكار الحديث باسم الدين وكأنه مقاولة خاصة”، بل ذهبت هذه الجبهة بعيدا، وهي تعتبر كل من عبر عن رأي مخالف، مستدلا بحديث او رأي للإمام مالك في الموضوع، أنه يكفر الدولة وحاكميها، وهذا الأسلوب الذي يعتمد على التحريض والوشاية، والاستعانة بالأجهزة الأمنية، من أضعف وأحقر أساليب إسكات الخصم حين تنعدم الحجة والبرهان، كنا نتمنى من جبهة يشرف عليها دكاترة ومثقفون، ان يتنزهوا عنها.
إن الأسلوب المرعب الذي كتب بهذا البيان، أشبه مايكون ببيانات داعش ضد خصومها، حين تتوعدهم بأشد العقوبات إن هم خالفوا رأيها الوحيد والأوحد.
ولا أعتقد أن هذه الجبهة التي تبرر التطرف والإرهاب بخطاب الكراهية هذا، وبيانات التحريض والوشاية، قادرة على المساهمة في بناء مجتمع تعددي يحترم الآراء ويناقش الأفكار، خاصة أن الذين عارضوا قرار تولي المرأة منصبا دينيا كهذا، انطلقوا من مذهب الدولة نفسها، وما يؤطره من نصوص وقواعد، مثل:
قول النبي صلى الله عليه وسلم: “لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها”.
وقول الإمام مالك في المدونة: “ولا تعقد المرأة النكاح على أحد من الناس ولا تعقد النكاح لابنتها”.
فهل دواعش الديمقراطية والحداثة هؤلاء، يعتبرون قول النبي وقول مالك تطرفا وإرهابا وتكفيرا للدولة وحاكميها؟
وهل دواعش الحداثة والديمقراطية، يمكن أن يعتبروا عدم تولي المرأة لمنصب البابا مثلا، أو لماذا لايسمح بتولي منصب ولي العهد أو الملك أو إمارة المؤمنين في المغرب للمرأة مثلا، تطرفا وإرهابا وتخلفا؟
وهل دواعش الديمقراطية والحداثة ممثلين بهذه الجبهة، التي لا أراها إلا مشجعة على التطرف والإرهاب، بخطابها الموغل في الكراهية والإقصاء، عندهم القدرة على تقبل الآخر، ومحاورته ومناقشته، بعيدا عن أساليب الوشاية والتحريض؟
ختاما ماذا سيفعل دواعش الديمقراطية والحداثة بمخالفيهم، لو تمكنوا من الاستفراد بالسلطة، أو التغلغل في مناصب القرار؟
وماذا سيفعلون بالتراث الذي لايؤمنون به؟ لا شك أننا سنرى مشاهد لتدميره، كما فعلت داعش في الموصل وتدمر.
كفانا الله شر الفكر الداعشي ما ظهر منه وما استتر.