دور الزواج في بناء الأسرة المسلمة

07 يوليو 2022 10:32

هوية بريس-د. محمد بولوز

بسم الله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آل وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين. ثم أما بعد؛

في إطار الحديث عن الشباب والزواج تأتي هذه المقالة العلمية لتبيان دور الزواج في بناء الأسرة المسلمة عبر المحاور التالية:

  • الزواج آية من آيات الله في الكون؛
  • الزواج أول علاقة بين الرجل والمرأة؛
  • الزواج سنة الانبياء؛
  • السنة النبوية تحث وتشجع على الزواج؛
  • الزواج أغض للبصر وأحصن للفرج؛
  • الزواج عبادة من العبادات التي يؤجر عليها؛
  • مقاصد الزواج وفوائد؛
  • تيسير أمر الزواج على الشباب؛
  • حسن الاختيار والتعامل سبيل تحقيق مقاصد الزواج.

 

  • الزواج آية من آيات الله في الكون:

الزواج آية من آيات الله في الكون لقوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)  فالزوجية علامة ربانية تدل على كمال علمه سبحانه وقدرته ورحمته وحكمته عز وجل، وفيها دروس وعبر تقوي الإيمان وتزيده، ويشكر العبد ربه بما أنعم ووهب، وفي الزوجية الحجّة والدليل والبرهان على عظمة الخالق، والزوجية من عجائب أمر الله في هذا الكون. يقول الرازي في مفاتيح الغيب وهو يفسر هذه الاية: “خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنَ الْوَالِدَيْنِ يَدُلُّ عَلَى كَمَالِ الْقُدْرَةِ وَنُفُوذِ الْإِرَادَةِ وَشُمُولِ الْعِلْمِ لِمَنْ يَتَفَكَّرُ وَلَوْ فِي خُرُوجِ الْوَلَدِ مِنْ بَطْنِ الْأُمِّ، فَإِنَّ دُونَ ذَلِكَ لَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِ اللَّهِ لَأَفْضَى إِلَى هَلَاكِ الْأُمِّ وَهَلَاكِ الْوَلَدِ أَيْضًا لَأَنَّ الْوَلَدَ لَوْ سُلَّ مِنْ مَوْضِعٍ ضَيِّقٍ بِغَيْرِ إِعَانَةِ اللَّهِ لَمَاتَ”

ويقول ابن عاشور في التحرير والتنوير:”هَذِهِ آيَةٌ ثَانِيَةٌ فِيهَا عِظَةٌ وَتَذْكِيرٌ بِنِظَامِ النَّاسِ الْعَامِّ وَهُوَ نِظَامُ الِازْدِوَاجِ وَكَيْنُونَةِ الْعَائِلَةِ وَأَسَاسِ التَّنَاسُلِ، وَهُوَ نِظَامٌ عَجِيبٌ جَعَلَهُ اللَّهُ مُرْتَكِزًا فِي الْجِبِلَّةِ لَا يَشِذُّ عَنْهُ إِلَّا الشُّذَّاذُ.”

ثم يذكر ما تنطوي عليه الاية من ايات مثل نَامُوسُ التَّنَاسُلِ، وَأَنْ جُعِلَ تَنَاسُلُهُ بِالتَّزَاوُجِ ، وَأَنْ جَعَلَ أَزْوَاجَ الْإِنْسَانِ مِنْ صِنْفِهِ وجَعَلَ فِي ذَلِكَ التَّزَاوُجِ أُنْسًا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَأَنْ جَعَلَ بَيْنَ كُلِّ زَوْجَيْنِ مَوَدَّةً وَمُحَبَّةً، فَالزَّوْجَانِ يَكُونَانِ مِنْ قبل التزاوج مُتَجَاهِلَيْنِ فَيُصْبِحَانِ بعد التزاوج مُتَحَابَّيْنِ، وَأَنْ جَعَلَ بَيْنَهُمَا رَحْمَةً فَهُمَا قَبْلَ التِّزَاوُجِ لَا عَاطِفَةَ بَينهمَا فيصبحان بعد التزاوج متحابين، وَأَن جعل بَينهمَا رَحْمَة فهما قبل التزاوج لَا عاطفة بَيْنَهُمَا فَيُصْبِحَانِ بَعْدَهُ مُتَرَاحِمَيْنِ كَرَحْمَةِ الْأُبُوَّةِ وَالْأُمُومَةِ،

وَهَذِهِ الْآيَةُ كَائِنَةٌ فِي خَلْقِ جَوْهَرِ الصِّنْفَيْنِ مِنَ الْإِنْسَانِ: صِنْفُ الذَّكَرِ، وصنف الْأُنْثَى، وإبداع نِظَامِ الْإِقْبَالِ بَيْنَهُمَا فِي جِبِلَّتِهِمَا. وَذَلِكَ مِنَ الذَّاتِيَّاتِ النِّسْبِيَّةِ بَيْنَ الصِّنْفَيْنِ. وَقَدْ أُدْمِجَ فِي الِاعْتِبَارِ بِهَذِهِ الْآيَةِ امْتِنَانٌ بِنِعْمَةٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَشَارَ إِلَيْهَا قَوْلُهُ “لَكُمْ ” أَيْ لِأَجْلِ نَفْعِكُمْ.

ولِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ مُتَعَلق ب لَآياتٍ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الدَّلَالَةِ. وَجُعِلَتِ الْآيَاتُ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ لِأَنَّ التَّفَكُّرَ وَالنَّظَرَ فِي تِلْكَ الدَّلَائِلِ هُوَ الَّذِي يُجَلِّي كُنْهَهَا وَيَزِيدُ النَّاظِرَ بَصَارَةً بِمَنَافِعَ أُخْرَى فِي ضِمْنِهَا.

وَالَّذِينَ يَتَفَكَّرُونَ: الْمُؤْمِنُونَ وَأَهْلُ الرَّأْيِ مِنَ غيرهم الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ. وَالْخِطَابُ فِي قَوْلِهِ “أَنْ خَلَقَ لَكُمْ” لِجَمِيعِ نَوْعِ الْإِنْسَانِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ.

وَالزَّوْجُ: هُوَ الَّذِي بِهِ يَصِيرُ لِلْوَاحِدِ ثَانٍ فَيُطْلَقُ عَلَى امْرَأَةِ الرَّجُلِ وَرَجُلِ الْمَرْأَةِ فَجَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ فَرْدِ زَوْجَهُ.

وكذلك من تفكر في أمر الزوجية وما جعل الله فيها من التراحم بين الزوجين، يقول الرازي رحمه الله تعالى ودائما في تفسيره لهذه الآية:” الْإِنْسَانَ يَجِدُ بَيْنَ الْقَرِينَيْنِ مِنَ التَّرَاحُمِ مَا لَا يَجِدُهُ بَيْنَ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ الشَّهْوَةِ فَإِنَّهَا قَدْ تَنْتَفِي وَتَبْقَى الرَّحْمَةُ فَهُوَ مِنَ اللَّهِ وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُجَرَّدُ الشَّهْوَةِ، وَالْغَضَبُ كَثِيرُ الْوُقُوعِ وَهُوَ مُبْطِلٌ لِلشَّهْوَةِ وَالشَّهْوَةُ غَيْرُ دَائِمَةٍ فِي نَفْسِهَا لَكَانَ كُلَّ سَاعَةٍ بَيْنَهُمَا فِرَاقٌ وَطَلَاقٌ فَالرَّحْمَةُ الَّتِي بِهَا يَدْفَعُ الْإِنْسَانُ الْمَكَارِهَ عَنْ حَرِيمِ حَرَمِهِ هِيَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ولا يعلم ذلك إلا بفكر”

وقال فيما جعل الله من مودة ورحمة بين الزوجين:”فَالْمَوَدَّةُ تَكُونُ أَوَّلًا ثُمَّ إِنَّهَا تُفْضِي إِلَى الرَّحْمَةِ، وَلِهَذَا فَإِنَّ الزَّوْجَةَ قَدْ تَخْرُجُ عَنْ مَحَلِّ الشَّهْوَةِ بِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ وَيَبْقَى قِيَامُ الزَّوْجِ بِهَا وَبِالْعَكْسِ ”

ويقول ابن عاشور مفصلا فيما جعله الله من الايات بين الزوجين:”وَالسُّكُونُ: هُنَا مُسْتَعَارٌ لِلتَّأَنُسِ وَفَرِحِ النَّفْسِ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ زَوَالَ اضْطِرَابِ الوحشة والكمد بِالسُّكُونِ الَّذِي هُوَ زَوَالُ اضْطِرَابِ الْجِسْمِ كَمَا قَالُوا: اطْمَأَنَّ إِلَى كَذَا وَانْقَطَعَ إِلَى كَذَا.

وَضَمِنَ لِتَسْكُنُوا مَعْنَى لِتَمِيلُوا، وَالْمَوَدَّةُ: الْمَحَبَّةُ، وَالرَّحْمَةُ: صِفَةٌ تَبْعَثُ عَلَى حُسْنِ الْمُعَامَلَةِ.

وَإِنَّمَا جَعَلَ فِي ذَلِكَ آيَاتٍ كَثِيرَةً بِاعْتِبَارِ اشْتِمَالِ ذَلِكَ الْخَلْقِ عَلَى دَقَائِقِ كَثِيرَةٍ مُتَوَلِّدٌ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ يُظْهِرُهَا التَّأَمُّلُ وَالتَّدَبُّرُ بِحَيْثُ يَتَجَمَّعُ مِنْهَا آيَاتٌ كَثِيرَةٌ.”

  • الزواج أول علاقة بين الرجل والمرأة:

بعد قرار الخلق الرباني لآدم عليه السلام  والتعليم الإلهي له، جاء قرار تزويجه، قال الله تعالى:”وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) البقرة.

فسمى حواء عليها السلام من أول يوم زوجة ولم تكن مجرد صاحبة او خليلة تؤنس آدم.

فالزواج سابق لأي علاقة بين الرجل والمراة، وحتى قبل علاقة الابوة او البنوة او الاخوة…

 

  • الزواج سنة الانبياء:

الزواج من سنن الأنبياء والمرسلين، قال الله تعالى وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ   الرعد: 38،

قال الامام الطبري في تفسيره قوله تعالى: ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله لكل أجل كتاب.

فيه مسألتان:

الأولى : قيل : إن اليهود عابوا على النبي – صلى الله عليه وسلم – الأزواج ، وعيرته بذلك وقالوا : ما نرى لهذا الرجل همة إلا النساء والنكاح ، ولو كان نبيا لشغله أمر النبوة عن النساء ; فأنزل الله هذه الآية ، وذكرهم أمر داود وسليمان فقال : ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية أي جعلناهم بشرا يقصون ما أحل الله من شهوات الدنيا ، وإنما التخصيص في الوحي .

الثانية : هذه الآية تدل على الترغيب في النكاح والحض عليه ، وتنهى عن التبتل ، وهو ترك النكاح ، وهذه سنة المرسلين كما نصت عليه هذه الآية ”

  • السنة النبوية تحث وتشجع على الزواج:

فهو سبيل تكثير سواد الامة في خير وقوة؛ فعن أبي أمامة الباهلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :”تزوجوا فإِنَّي مُكاثِرٌ بكم الأُمَمَ ، ولَا تكونوا كرهبانِيَّةِ النصارى” رواه الترمذي وصححه الالباني(رقم 2941 )

فديننا دِينِ اليُسرِ والوَسطيَّةِ بيْنَ الإفراطِ والتفريطِ، جاء لِيُسعِدَ الإنسانَ في دُنياه وآخِرَتِه، ولأجْلِ ذلك شرَعَ الزَّواجَ، وجعَلَ فيه المَودَّةَ والرحمةَ.

وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: “تَزوَّجوا” وهذا أمْرٌ بالزَّواجِ عند القُدرةِ عليه، والزَّواجُ يَتِمُّ وَفقَ شُروطٍ مُحدَّدةٍ، على أنْ تُحفَظَ لِكَلا الزَّوجينِ حُقوقُهما؛ “فإنِّي مُكاثِرٌ بكم الأُمَمَ”، أي: أُغالِبُ الأُمَمَ السالِفةَ في الكَثرةِ بأُمَّتي، وهذا حَضٌّ على إكثارِ النَّسلِ والولَدِ، “ولا تَكونوا كَرَهْبانيَّةِ النَّصارَى”، أي: لا تَصِيروا كالنَّصارى؛ فإنَّهم يَرغَبون عن النِّكاحِ، ويَتخلَّون للعِبادةِ في الأديرةِ؛ فدَلَّ الحَديثُ على تَفضيلِ التزوُّجِ، وإيثارِ المرأةِ الوَلودِ على غَيرِها، وفَضيلةِ كَثرةِ الأولادِ؛ لأنَّه يَحصُلُ بها ما قصَدَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن المُباهاةِ، وتَظهَرُ فائدةُ الخلْقِ مِن العِبادةِ.

  • الزواج أغض للبصر وأحصن للفرج:

روى البخاري في صحيحه عن عبد الله بن مسعود قال:كُنْتُ مع عبدِ اللَّهِ، فَلَقِيَهُ عُثْمَانُ بمِنًى، فَقالَ: يا أبَا عبدِ الرَّحْمَنِ إنَّ لي إلَيْكَ حَاجَةً فَخَلَوَا، فَقالَ عُثْمَانُ: هلْ لكَ يا أبَا عبدِ الرَّحْمَنِ في أنْ نُزَوِّجَكَ بكْرًا، تُذَكِّرُكَ ما كُنْتَ تَعْهَدُ؟ فَلَمَّا رَأَى عبدُ اللَّهِ أنْ ليسَ له حَاجَةٌ إلى هذا أشَارَ إلَيَّ، فَقالَ: يا عَلْقَمَةُ، فَانْتَهَيْتُ إلَيْهِ وهو يقولُ: أما لَئِنْ قُلْتَ ذلكَ، لقَدْ قالَ لَنَا النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: يا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، ومَن لَمْ يَسْتَطِعْ فَعليه بالصَّوْمِ فإنَّه له وِجَاءٌ.”صحيح البخاري:( رقم:5065)

فهذا الدين دِينُ الحَنيفيَّةِ السَّمْحةِ، قدْ راعَى فِطرةَ الإنسانِ، وأوجَدَ المَسالِكَ الصَّحيحةَ لِحاجاتِهِ، والعِلاجَ لِمُشكلاتِهِ؛ فلمْ يَطلُبْ مِن المُسلِمِ أنْ يَكبِتَ غَرائزَهُ وشَهَواتِهِ، وفي الوَقتِ ذاتِهِ لم يُطلِقْ لِشَهَواتِه العِنانَ، فيَرتَعَ كالبَهائمِ دُونَ حَسيبٍ أو رَقيبٍ.

وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ التَّابعيُّ عَلْقَمةُ بنُ قَيسٍ النَّخَعيُّ أنَّه كان مع الصَّحابيِّ عبْدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه يَمْشيانِ بِمنًى، كما في رِوايةِ أبي داودَ، فلَقِيَه عُثمانُ بنُ عفَّانَ رَضيَ اللهُ عنه، فقال عُثمانُ رَضيَ اللهُ عنه: «يا أبَا عبدِ الرَّحْمَنِ» «إنَّ لي إلَيْكَ حَاجَةً، فَخَلَوَا»، أي: يُريدُ أنْ يَتكلَّمَ معه، فابْتَعَدا معًا في مَوضعٍ لا يكونُ فيه ثالثٌ، ثمَّ عرَضَ عُثمانُ رَضيَ اللهُ عنه على ابنِ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه أنْ يُزوِّجَه بِكرًا، وعلَّلَ ذلك بقولِه: «تُذَكِّرُكَ ما كُنْتَ تَعْهَدُ» يُريدُ ما كان مِن قُوَّتِه ونَشاطِه، قيل: إنَّما عرَضَ عليه عُثمانُ رَضيَ اللهُ عنه ذلك؛ لِما رأَى ما به مِن تَقشُّفٍ ورَثاثةٍ في الهَيئةِ، فحَمَلَ ذلك على فَقْدِه الزَّوجةَ التي تُرفِّهُه، فلمَّا رأَى عبدُ اللهِ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه ليس له حاجةٌ في الزَّواجِ، أو أنَّه رَضيَ اللهُ عنه لَمَّا رأَى أنَّ الكلامَ الذي بيْنهما قدِ انْتَهى، وأنَّ عُثمانَ رَضيَ اللهُ عنه لم يكُنْ له حاجةٌ إلَّا كلامَه عن تَزويجِه، ولم يَبْقَ هناك حَديثٌ يكونُ سِرًّا بيْنهما؛ دَعا عَلْقمةَ ليَجلِسَ معهما، فجاء عَلْقَمةُ ووَقَفَ عِندَه.

ثمَّ تابَعَ عبْدُ اللهِ رَضيَ اللهُ عنه كلامَه مع عُثمانَ رَضيَ اللهُ عنه، واستَشهَدَ له بحَديثٍ عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُناسبٍ لتَذكيرِ عُثمانَ وعَرْضِه الزَّواجَ على عبْدِ اللهِ، وفيه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حَثَّ الشَّبابَ وأمَرَهم بتَعجيلِ الزَّواجِ، حيثُ قال مُناديًا الشَّبابَ ومُخصِّصًا إيَّاهم بالمُخاطَبةِ -لأنَّ الغالبَ قُوَّةُ الشَّهوةِ في الشَّبابِ، وهمْ مَظِنَّةُ الشَّهوةِ إلى النِّساءِ، ولا يَنفكُّون عنها غالبًا، بخِلافِ غيرِهم مِن كِبارِ السِّنِّ-: «مَنِ استَطاعَ منكمُ الْباءةَ، فَليتزَوَّجْ»، والباءةُ اسمٌ مِن أسْماءِ الوَطءِ أو المُرادُ بها مُؤنُ النِّكاحِ، أي: مَنِ استَطاعَ الزَّواجَ، ووجَدَ كُلْفتَه ومُؤنتَه فَلْيتزوَّجْ؛ فلا رَهْبانيَّةَ في الإسلامِ، وفي رِوايةِ الصَّحيحينِ: «فإنَّه أغَضُّ لِلْبَصَرِ، وأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ»، فعلَّل صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأنَّ التزَوُّجَ أشَدُّ عَونًا للمَرءِ على غَضِّ البَصَرِ، وأدفَعُ لِعَينِ المتزَوِّجِ عن الحرامِ، وأشَدُّ إحصانًا للفَرْجِ. ولَمَّا عَلِمَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه ليسَ كلُّ شابٍّ يَملِكُ ما يَقدِرُ به على الزَّواجِ، ذَكَرَ لأُمَّتِه عِلاجَ ذلِكَ، فقال: «ومَن لم يَستطِعْ فعليه بالصَّومِ؛ فإنَّه له وِجاءٌ»، يعني: أنَّ مَن لم تكُنْ عِندَه مُؤنةُ الزَّواجِ، فلْيَلزَمِ الصَّومَ؛ فإنَّه مانِعٌ مِن الشَّهَواتِ، ومُفتِّرٌ لها، وقاطِعٌ لشَرِّها، كما يَفعَلُ الوِجاءُ، وهو رَضُّ الخُصْيتَينِ بحَجرٍ ونَحوِه لقَطْعِ شَهوةِ الذَّكَرِ، وسُمِّيَ الصَّومُ وِجاءً؛ لأنَّه يَفعَلُ فِعْلَه ويَقومُ مَقامَه في كَسرِ الشَّهوةِ، ومَن اعتادَ الصَّومَ سَكَنَتْ شَهوتُه؛ فشَهوةُ النِّكاحِ تابعةٌ لشَهْوةِ الأكْلِ؛ فإنَّه يَقْوى بقُوَّتِها، ويَضعُفُ بضَعْفِها.

وفي الحَديثِ: عرْضُ الصَّاحِبِ النِّكاحَ على صاحِبِه، والإسرارُ بمِثلِه، وما كان عليه الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم مِن الحُبِّ والتراحُم فيما بيْنَهم.

وفيه: نِكاحُ الشَّابَّةِ؛ فإنَّها ألذُّ استِمتاعًا، وأحسنُ عِشرةً، وأفكهُ مُحادثةً، وأجملُ مَنظرًا، وألينُ مَلْمَسًا، وأقربُ إلى أنْ يُعوِّدَها زَوجُها الأخلاقَ الحَسَنةَ.وفيه: مَشروعيَّةُ مُعالَجةِ الشَّهوةِ بما يُسكِّنُها مثل الصيام لا بما يَقطَعُها.

 

  • الزواج عبادة من العبادات التي يؤجر عليها:

روى مسلم في صحيحه عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”أنَّ نَاسًا مِن أَصْحَابِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ قالوا للنَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: يا رَسولَ اللهِ، ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بالأُجُورِ؛ يُصَلُّونَ كما نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كما نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ بفُضُولِ أَمْوَالِهِمْ، قالَ: أَوَليسَ قدْ جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ ما تَصَّدَّقُونَ؟ إنَّ بكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً، وَأَمْرٌ بالمَعروفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عن مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ، وفي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، قالوا: يا رَسولَ اللهِ، أَيَأتي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكونُ له فِيهَا أَجْرٌ؟ قالَ: أَرَأَيْتُمْ لو وَضَعَهَا في حَرَامٍ، أَكانَ عليه فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذلكَ إذَا وَضَعَهَا في الحَلَالِ كانَ له أَجْرٌ.(الصفحة أو الرقم: 1006)

فقد كان الصَّحابةُ رَضِي اللهُ عنهم لِشدَّةِ حِرصِهم على الأَعمالِ الصَّالحةِ، وقوَّةِ رَغبتِهم في الخيرِ؛ يَحزَنونَ على ما يَتعذَّرُ عَليهم فِعلُه مِنَ الخَيرِ ممَّا يَقدِرُ عليهِ غَيرُهم، فَكانَ الفُقراءُ يَحزَنونَ على فَواتِ الصَّدقةِ بالأَموالِ الَّتي يَقدِرُ عَليها الأَغنياءُ، ويَحزَنونَ على التَّخلُّفِ عنِ الخُروجِ في الجِهادِ؛ لِعدمِ القُدرةِ على آلتِه، كَما قالَ تعالَى: (وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ) [التوبة: 92].

وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ الصَّحابيُّ الجَليلُ أَبو ذرٍّ الغِفاريُّ رَضِي اللهُ عنه أنَّ ناسًا مِن فُقراءِ أَصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، قالوا للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: «يا رَسولَ اللهِ، ذَهبَ أَهلُ الدُّثُورِ بالأُجورِ»، أي: استَأثَر أَصحابُ الأَموالِ الكثيرةِ بمَزيدٍ مِن الأجرِ مِن اللهِ سُبحانه، وأَخَذوهَا ممَّا يَحصُلُ لَهم مِن أَجرِ الصَّدقةِ بأَموالِهم، «يُصلُّون كَما نُصلِّي، ويَصومونَ كَما نَصومُ، ويَتصدَّقونَ بفُضولِ أَموالِهم»؛ وهذِه شَكْوَى غِبطةٍ، لا شَكوى حَسدٍ، وَلا اعتِراضٍ على اللهِ عزَّ وجلَّ، ولَكنْ يَطلُبونَ فَضلًا يَتميَّزونَ به عمَّن أَغناهُم اللهُ؛ فتَصدَّقوا بفائضِ أَموالِهم، فَدلَّهمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم على صَدقاتٍ يَقدِرونَ عَليها، كالتسبيح والتكبير والحمد والتهليل والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثُمَّ أخبَرَهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أنَّ الرَّجلَ إذا أَتى امرأَتَه -وهو كِنايةٌ عن جِماعِ الرَّجلِ زَوجتَه ومُعاشرتِها- فإنَّ ذلكَ يكونُ صَدقةً، فتَعجَّبوا، وَقالوا: يا رسولَ اللهِ، أَيَأتي أَحدُنا شَهوتَه مِن الجماعِ، ويَكونُ لَه فيها أَجرٌ؟! فَقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: «أَرأيتُم لَو وَضعَها في حَرامٍ، أكانَ عليه فيها وِزرٌ؟» يَعني: لَو زَنى ووَضَعَ الشَّهوةَ في الحَرامِ؛ هلْ يَكونُ عَليهِ إثمٌ وعُقوبةٌ؟ فكَذلكَ إذا وَضَعَها في الحَلالِ كانَ له أَجرٌ؛ فإنَّ المُباحاتِ تَصيرُ طاعاتٍ بالنِّيَّاتِ الصَّادقاتِ. وفي الحَديثِ: أنَّ الرَّجلَ إذا استَغنَى بالحَلالِ عنِ الحَرامِ كانَ له بِهذا الِاستِغناءِ أَجرٌ.فيؤجر على زواجه ويثاب.

  • مقاصد الزواج وفوائده

الزواج سبيل لجلب عون الله تعالى:

روى النسائي في سننه وحسنه الشيخ الالباني في صحيح النسائي عن ابي هريرة رض الله عنه :”ثلاثةٌ كلُّهم حقٌّ على اللَّهِ عزَّ وجلَّ : عونُهُ المُجاهدُ في سبيلِ اللَّهِ ، والنَّاكحُ الَّذي يريدُ العفافَ ، والمُكاتبُ الَّذي يريدُ الأداءَ”(رقم: 3120 )

ففي هذا الحَديثِ يَقولُ الرَّسولُ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: “ثلاثةٌ”، أي: ثلاثةُ أصنافٍ مِن النَّاسِ “حقٌّ على اللهِ”، أي: واجبٌ مِن اللهِ سبحانه وتعالى على نفسِه “عونُهم”، أي: تيسيرُ أمورِهم، وتوفيقُهم ونحوُ ذلك، وهُم: “المجاهدُ في سبيلِ اللهِ”، أي: المحارِبُ بسِلاحِه لنَشرِ كَلمةِ اللهِ تعالى، ويكونُ العونُ بتَيسيرِ أمورِ الجهادِ مِن أسلحةٍ وغيرِها، “والمكاتَبُ”، على أمر النظام الاجتماعي العالمي  القديم أي: العَبدُ الَّذي اتَّفَق مع مالِكِه على عِتْقِه إذا دفَع أو أدَّى إلى مالِكِه ما اتَّفَقا عليه مِن مالٍ أو غيرِه “الَّذي يريدُ الأداءَ”، أي: يُريدُ أداءَ ما اتَّفَق عليه مع مالكِه، فيُيسِّرُ اللهُ له ذلك، “والنَّاكِحُ الَّذي يريدُ العفافَ”، أي: الَّذي يُريدُ أن يتزوَّجَ ليُحصِّنَ نفْسَه مِن الزِّنا؛ وهذا لأنَّ تِلْكَ الأمورَ المذكورةَ مِن الأُمُور الشَّاقَّةِ والصَّعبةِ الَّتي تَقصِمُ الظَّهرَ، ولَولا أنَّ اللهَ تعالى يُعِينُ العبدَ عليها فإنَّه لا يَقومُ بِها، ولأنَّ كل واحدٍ منهم أرادَ أمرًا ندَب اللهُ تعالى إليه وحثَّ على فِعلِه، وهو سبحانَه الذي يُعينُ عِبادَه على ما أمَرَهم به

 

الزواج طريق شرعي لإشباع الغريزة الجنسية:

وذلك بصورة يرضاها الله ورسوله فقال: حُبِّبَ إلي منَ الدُّنيا ، النساءُ ، والطِّيبُ ، وجُعِلَ قرةُ عيني في الصلاةِ.” (رواه النسائي عن أنس بن مالك وحسنه الألباني (رقم: 3949 )

فقد كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أعبَدَ النَّاسِ وأتْقاهم للهِ عزَّ وجلَّ؛ فلم يكُنْ يُحِبُّ مِن الدُّنيا إلَّا الطَّيِّبَ، فأحَبَّ أزواجَه، وأحَبَّ الرَّوائحَ الطَّيِّبةَ؛ مِن مِسْكٍ وغيرِه، وحَثَّ عليه ورغَّبَ فيه، كما يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم في هذا الحديثِ: “حُبِّبَ إليَّ مِن الدُّنيا”، أي: نَصيبي منها وما أتحصَّلُ عليه مِن مَتاعِها: “النِّساءُ”، أي: زَوْجاتُه رَضِي اللهُ عَنهنَّ، وهنَّ مِن أَوْلى مَن يدخُلُ في قولِه صلَّى الله عليه وسلَّم: “خيرُ مَتاعِ الدُّنيا المرأةُ الصَّالحةُ”، “والطِّيبُ”، أي: العُطورُ ونَحوُها ممَّا يُدَّهَنُ به، “وجُعِلَ قُرَّةُ عَيْني في الصَّلاةِ”، وهذا بيانٌ لعظيمِ محبَّتِه لها؛ وذلكَ لِما فيها مِن القُرْبِ مِن المولَى عزَّ وجلَّ؛ فلا شيءَ يُسعِدُه ويُدخِلُ عليه السُّرورَ بمِثْلِ ما تُدخِلُ عليه الصَّلاةُ؛ فقُرَّةُ العينِ يُعبَّرُ بها عنِ المَسرَّةِ ورؤيةِ ما يُحِبُّه الإنسانُ. وفي الحديث الحث على الزواج.

الزواج رباط وثيق يجمع بين الرجل والمرأة، وتتحقق به السعادة، وتقر به الأعين، إذا روعيت فيه الأحكام الشرعية والآداب الإسلامية، كما قال تعالى: (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا)، «سورة الفرقان، الآية 74».

الزواج فطرة إنسانية وسنة شرعية ونعمة إلهية، لذلك خاطب – صلى الله عليه وسلم – شباب الأمة الذين هم عماد حاضرها وأمل مستقبلها أن يسلكوا الطرق المشروعة لبناء الأسرة المسلمة، حيث يكون ذلك من خلال الزواج الشرعي الذي يوافق الفطرة الإنسانية، كما جاء في الحديث الشريف: «جاء رهط إلى بيوت أزواج النبي – صلى الله عليه وسلم – يسألون عن عبادة النبي – صلى الله عليه وسلم- فلما أُخبروا بها كأنهم تقالُّوها، فقالوا: وأين نحن من النبي – صلى الله عليه وسلم-؟ قد غُفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبداً، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال الثالث: وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً، فجاء رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إليهم فقال: «أنتم القوم الذين قلتم كذا كذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني»، (أخرجه البخاري).

الزواج وسيلة لاستمرار الحياة، وتعمير الأرض:

كما أراد الله سبحانه وتعالى: (وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً)، «سورة النحل، الآية 72»، والأبناء الصالحون امتداد لعمل الزوجين بعد وفاتهما، فقال: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنْتفَع به، أو ولد صالح يدعو له)

الزواج سبيل للتعاون والتكافل:

فالزوجة تكفي زوجها تدبير أمور المنزل، وتهيئة أسباب المعيشة، والزوج يكفيها أعباء الكسب، وتدبير شؤون الحياة.

الزواج تقوية للصلات والمعارف الاجتماعية:

وذلك من خلال المصاهرة، واتساع دائرة الأقارب، فلما غزا النبي محمد بني المصطلق في غزوة المريسيع، وأسر منهم خلقًا كثيرًا، تزوج السيدة جويرية بنت الحارث (رضي الله عنها) وكانت من بين الأسرى فأطلق الصحابة ما كان بأيديهم من الأسرى؛ إكرامًا للرسول صلى الله عليه وسلم وأصهاره، فكان زواجها أعظم بركة على قومها

 الزواج أساس لتكوين الأسرة، وحفظ النوع الإنساني:

فما شرعه الإسلام من آداب وأحكام لبناء الأسرة هو السبيل الأقوم لسعادة الفرد وسلامة المجتمع، وعلى المرء المسلم أن يحرص على الزواج متى تيسرت له أسبابه، فأحكام الأسرة في الإسلام تلبي الفطرة الإنسانية السويّة، وتحفظ بناء الأسرة، وتعمل على تماسكها، ومقصد الإسلام وغايته من الزواج سكون النفس وراحة البال، والتعاون على متاعب الحياة تعاوناً قوامه المودة والرحمة، والقيام على تربية الذريَّة التربية الصالحة، التي تكون بها قرة أعين، فقد أثنى الله تعالى على نفر من عباده: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا)،

 

الزواج بركة:

وهو أحد الأسباب الجالبة للبركة، وقد كان بعض السلف الصالح يطلبون الزواج لكي يتحقق لهم الغني ويأتيهم الرزق، لأنهم فهموا ذلك من قوله تعالى: (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم)، وكذلك قوله تعالى: (ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ).

الزواج لباس بكل معاني الستر والدفء والجمال..

قال تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ) [البقرة: 187].

بما يفيد ان غير المتزوج لا لباس له وانه محروم من الستر والدفء والجمال…

الزواج حرث وغراس:

قال تعالى: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) [البقرة: 223].

ومن لا زواج له لا حرث ولا غراس.

الزواج سبيل للتماسك الاجتماعي:

حيث يتحقق به تماسُك المجتمع وترابطه، وتوثيق عُرى الأُخوَّة بين أفراده وجماعاته وشعوبه، بالمصاهرة والنَّسَب؛ قال تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا ﴾ [الفرقان: 54].

 الزواج سبيل للسمو الاخلاقي:

اعتبر الإسلام بناء الأسرة وسيلة فعَّالة لحماية أفرادها شيبًا وشبابًا، ذكورًا وإناثًا من الفساد، ووقاية المجتمع من الفوضى، ومِن ثَم فإن تحقيق هذا الهدف يكون بالإقبال على بناء الأسرة؛ لأن عدم ذلك يحصل به ضرر على النفس باحتمال الانحراف عن طريق الفضيلة والطهر، كما يؤدي إلى ضرر المجتمع بانتشار الفاحشة وذيوع المنكرات، وتَفَشِّي الأمراض الخبيثة.

 الزواج سبيل للرقي الروحي:

فبناء الأسرة خير وسيلة لتهذيب النفوس وتنمية الفضائل التي تؤدي إلى قيام الحياة على التعاطف والتراحم والإيثار؛ حيث يتعوَّد أفرادها على تحمُّل المسؤوليات، والتعاون في أداء الواجبات، ومن خلال تحقيق هذه الأهداف الكبرى، يمكن أن تحقق هناك أهداف أخرى في ظلال الأسرة؛ مثل: إقامة شرع الله، وتحقيق مرضاته؛ لأن البيت المسلم ينبني على تحقيق العبودية لله تعالى، ولذلك ورد تعليل إباحة الطلاق حين تطلبه المرأة بالخوف من عدم إقامة حدود الله؛ قال تعالى: ﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ﴾ [البقرة: 229].

 الزواج وتكوين الاسرة تهييء لمحضن تربية الاطفال وأجيال المستقبل :

فبالأسرة يتحقق حفظ النوع الإنساني بإنجاب النسل، ثم يتحمل أفرادها المسؤولية بتربيتهم وتوجيههم، بما يُسهم في بناء شخصيتهم السوية؛ لأن الإسلام جعل الأسرة هي المحضن الطبيعي الذي يقوم على رعاية الطفل، واعتبر كل انحراف يصيب الناشئة مصدره الأول الأبوان؛ لأنه يولد صافي السريرة، سليم الفطرة؛ قال عليه الصلاة والسلام: ((ما من مولود إلا يُولد على الفطرة، فأبواه يُهوِّدانه أو يُنصِّرانه أو يُمجِّسانه، كما تُنتج البهيمةُ بهيمةً جمعاءَ، هل تحسون فيها من جدعاء؟!)).

ولهذا أثبتت الإحصاءات العلمية أن تربية الملاجئ تؤثر على نمو الطفل واتِّزانه العاطفي، كما أثبتت أن الفترات الفعالة في تربية الطفل هي سنواته الست الأولى، وأن طفل الأسرة المستقرة المتوافقة، غير طفل الأم المرهقة والمشتتة والاسرة المفككة، كما أن نتائج التفكك الأسري في الغرب، سبب الجنوح والتشرد والجريمة والانحراف لمعظم الناشئة.

فالأسرة هي البيئة الأولى التي ينشأ فيها الأطفال الصالحون، كما أنها المجال الفريد لغرس عواطف حب الله ورسوله، وحب المسلمين، الذي تزول معه كل عوامل الشحناء والصراعات المختلفة، فيخرجون إلى الحياة رجالًا عاملين نافعين، يكونون لَبِناتٍ صالحة للمجتمع.

  • حسن الاختيار والتعامل سبيل تحقيق مقاصد الزواج:

يحرص الإسلام على تخير نوعية المرأة التي ستصير زوجة للرجل، وأماً للأبناء، ومصنعاً لتخريج جيل مسلم، ونموذجاً لنصف الأمة المسلمة، وكذلك الشأن في اختيار الرجل الصالح والأصلح، وفي هذا الصدد يوجه الإسلام إلى ضرورة التريث حتى يقوم بناء الأسرة على منطق الحب وليس على منطق الصفقة،

روى الترمذي عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لمَّا نزلت وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ قالَ كنَّا معَ رسول اللَّه صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ في بعضِ أسفارِهِ فقالَ بعضُ أصحابِهِ أنزلَ في الذَّهبِ والفضَّةِ لو علمنا أيُّ المالِ خيرٌ فنتَّخذَهُ فقالَ أفضلُهُ لسانٌ ذاكرٌ وقلبٌ شاكرٌ وزوجةٌ مؤمنةٌ تعينُهُ على إيمانِه (صححه الألباني: في صحيح الترمذي الرقم: 3094 )|

كان الصَّحابةُ رضوانُ اللهِ عليهم حَريصينَ على أن يَسأَلُوا النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم عمَّا ينفَعُهم في دُنياهم، ويَنالون به الأجرَ والثَّوابَ والدَّرجاتِ العُلْيا في الجنَّةِ، ومن ذلك ما يَحكيه ثَوْبانُ رضِيَ اللهُ عنه في هذا الحديثِ، حيثُ يقولُ: “لَمَّا نزَلَتْ{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ}”، أي: لَمَّا نزلتْ هذه الآيةُ: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: 34]، ومعناها: والَّذينَ يَجمَعون الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ ولم يُؤدُّوا حقَّها مِن الزَّكاةِ والصَّدقةِ، فبَشِّرْهم بعذابٍ أليمٍ لهم يومَ القِيامةِ، مُوجعٍ مِن اللهِ تعالى؛ قال ثَوْبانُ رضِيَ اللهُ عنه: كنَّا مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم في بعضِ أسفارِه، فقال بعضُ أصحابِه: أُنزِلَ في الذَّهَبِ والفضَّةِ، “لو علِمْنا أيُّ المالِ خيرٌ فنتَّخِذَه”، أي: إنَّهم سأَلوا ما الَّذي يكونُ صحيحًا وحسَنًا أن يُدَّخَرَ؛ لِيَكونَ عَوْنًا وعُدَّةً عند الحَوائجِ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: “أفضَلُه”، أي: أفضَلُ شيءٍ وأنفعُه “لسانٌ ذاكِرٌ”، يَذكُرُ اللهَ ويَحمَدُه ويَستغفِرُه ويُثني عليه، “وقَلْب شاكرٌ”، أي: قلبٌ يَكونُ يشكُرُ اللهَ على نِعَمِه وفضلِه وإحسانِه، “وزوجةٌ مؤمنةٌ تُعينُه على إيمانِه”، أي: تكونُ له عَوْنًا على طاعةِ اللهِ تعالى ودِينِه، وتُذكِّرُه به، ومن ذلك أنْ تُذَكِّرَه الصَّلاةَ والصَّوْمَ وغَيْرَهُما منَ العِباداتِ، وَتَمْنَعَه مِنَ الزِّنَا وسائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ. وخصت هذه الأشياء المذكورة في الإجابة؛ لأنَّه لا شَيءَ للرَّجُلِ أنْفَعُ منها،

روى البخاري في صحيحه عن ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم”تُنْكَحُ المَرْأَةُ لأرْبَعٍ: لِمالِها، ولِحَسَبِها، وجَمالِها، ولِدِينِها، فاظْفَرْ بذاتِ الدِّينِ، تَرِبَتْ يَداكَ.رقم(5090)

فدعا الإسلامُ إلى النِّكاحِ وحثَّ عليه، ووجَّهَ لِحُسنِ اختيارِ الزَّوجةِ، وقدْ أخبرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في هذا الحديثِ بِأوصافِ المرأةِ الَّتي يَتعلَّقُ بها النَّاسُ في الزَّواجِ، وهي المالُ، والحسَبُ، والجَمالُ، والدِّينُ، ثُمَّ نصَحَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بِاعتبارِ الدِّينِ، وأنْ يُجعَلَ عليه المعوَّلُ في اختيارِ الزَّوجةِ؛ لأنَّ اختيارَ ذاتِ الدِّينِ يَترتَّبُ عليه سَعادةُ الدَّارَينِ: الدُّنيا والآخرةِ، وقولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «تَرَبتْ يَداك»، أي: الْتَصَقتْ بِالتُّرابِ، ويقالُ على مَنِ افتقرَ: تَرِبتْ يداه، وهذه الجملةُ جاريةٌ على ألْسنةِ العربِ، لا يُريدونَ بها الدُّعاءَ على المخاطَبِ ولا وُقوعَ الأمرِ به، والمرادُ بها الحثُّ والتَّحريضُ؛ فَالنَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يحُثُّ على الظَّفَرِ والفَوزِ بصاحِبةِ الدِّينِ؛ لأنَّ النَّاسَ في العادةِ يقصِدون في التزوُّجِ الخِصالَ الثَّلاثَ الأخرى ويؤخِّرون ذاتَ الدِّينِ، فأمَرَ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يُقَدِّمَ ما أخَّروه، يعني: فاظفَرْ أنت أيها المسترشِدُ بذاتِ الدِّينِ وفُزْ بها؛ فإنها تَكسِبُك منافِعَ الدَّارَينِ، ولا مانِعَ منِ اختيارِ المرأة الجَميلةِ أوِ الحَسيبةِ والنَّسيبةِ، لكِنْ شَريطةَ أنْ تكونَ ذاتَ دِينٍ.وفي الحَديثِ: تَفضيلُ ذاتِ الدِّينِ مِنَ النِّساءِ على غيرِها. وفيه: الحثُّ على مُصاحبةِ أهلِ الصَّلاحِ في كلِّ شَيءٍ؛ لأنَّ مَن صاحَبَهم يَستفيدُ مِن أخلاقِهم ويَأمَنُ المَفسدةَ مِن جِهتِهم.

وأرسى الاسلام قاعدة عظيمة في اختيار الزوج، (إن أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه) روى الترميذي عن أبي حاتم المزني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:” إذا جاءَكم مَن ترضَونَ دينَه وخُلقَه فأنكِحوهُ ، إلَّا تفعلوا تَكن فتنةٌ في الأرضِ وفسادٌ قالوا يا رسولَ اللَّهِ وإن كانَ فيهِ قالَ إذا جاءَكم مَن ترضَونَ دينَه وخُلقَه فأنكِحوهُ ثلاثَ مرَّاتٍ” وصحح الألباني في صحيح الترمذي(رقم : 1085 )

  • تيسير أمر الزواج على الشباب:

فقد زوَّج النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة ابنته رضي الله عنها، وما أدراك مَن هي فاطمة؟

يقول محمد إقبال رحمه الله تعالى:

هي بنت من؟ هي أم من؟ هي زوج من؟

من ذا يساوي في الأنام علاها

أما أبوها فهو أشرف مرسل

جبريل بالتوحيد قد رباها

وعلى زوج لا تَسَلْ عنه سوى

سيف غدا بيمينه تياها

كيف زُفَّت فاطمة من بيت أبيها إلى بيت زوجها؟

وماذا كان من مراسيم العرس:

روى ابن كثير في السيرة النبوية والبيهقي في الدلائل عن علي رضي الله عنه قال: (قالت مولاة لي: …ما يمنعك أن تأتي رسول الله فيزوجك بفاطمة؟ فقلت: أو عندي شيء أتزوج به؟ فقالت: إنك إن جئتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم زوّجك. فو الله ما زالت ترجّيني حتى دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أن قعدت بين يديه أُفْحِمْتُ، فوالله ما استطعت أن أتكلم جلالة وهيبة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما جاء بك، ألك حاجة؟) فسكتّ، فقال: (لعلك جئت تخطب فاطمة؟) فقلت: نعم، فقال: (وهل عندك من شيء تستحلها به؟) فقلت: لا والله يا رسول الله! فقال: (ما فعلت درع سلحتكها؟) قلت: فوالذي نفس علي بيده إنها لحُطَمِيَّة ما قيمتها أربعة دراهم، فقلت عندي، فقال: (قد زوجتكها) فبعث إليها بها، فاستحلّها بها، فإن كانت لصداق فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم).

فكان زواج علي رضي الله عنها زواجاً سهلاً مُيَّسراً مباركاً، لزوجين لا تعرف الدنيا لقلبهما طريقاً، وأما جهاز وأثاث زواجهما فكان: قطيفة، وقِرْبَة، ووسادة من جلد حشوها ليف أو نبات، فعن علي رضي الله عنه قال: (جهَّز رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة في خميل (قطيفة)، وقِرْبة، ووسادة أدم (جلد) حشوها إذخر (نبات رائحته طيبة) رواه أحمد، وفي رواية ابن حبان: (وأمرهم أن يجهزوها، فجعل لها سريراً مشرطاً بالشرط، ووسادة من أدم حشوها ليف).

وقد كانت فاطمة رضي الله عنها تعلم أنها بنت سيد المرسلين وخاتم النبيين وسيد ولد آدم صلوات الله وسلامه عليه، ومع ذلك رضيت بالقليل، ولم تطمع في متاع الحياة الدنيا، ولم تطمح نفسها إلى العيش الراغد، بل ضُرب بها المثل في زواجها اليسير المهر، القليل المؤنة.. ولم تكن حياتها في بيت زوجها مُترفة ولا ناعمة بل كانت أقرب إلى التقشف والخشونة؛ لأن علياً رضي الله عنه -على عِظم مكانتهـ لم يكن صاحب حظ من مال، ومن ثم فقد عاشت رضوان الله عليها في بيتها حياة بسيطة متواضعة، فهي تطحن وتعجن خبزها بيديها مع إدارة كافة شؤون بيتها الأخرى، إضافةً إلى حقوق زوجها عليها، وحين تعبت من عمل البيت وأثَّرَ عمل الرَحَى في يديها، طلبت من أبيها صلى الله عليه وسلم خادماً يساعدها، فأرشدها النبي صلى الله عليه وسلم لما هو أفضل لها، روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أنَّ فاطمة أتتِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم تسأله خادماً، وشكتِ العملَ، فقال صلى الله عليه وسلم: (ما أَلفَيتِيه عندنا) قال: (ألا أدُلُّكِ على ما هو خيرٌ لك من خادمٍ؟ تسبِّحين ثلاثاً وثلاثين، وتحمَدين ثلاثاً وثلاثين، وتكبِّرين أربعاً وثلاثين حين تأخذين مضجعَك). قال القرطبي: “إنما أحالها على الذكْرِ ليكون عِوضاً عن الدعاء عند الحاجة، أو لكونه أحب لابنته ما أحب لنفسه من إيثار الفقر، وتحمل شدته بالصبر عليه تعظيماً لأجرها”.

وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم النموذج من نفسه واهل بيته في تيسير مؤونة الزواج على الشباب حتى يبنوا أسرهم، وينخرطوا بشكل ايجابي في البناء الاجتماعي لامتهم بتجاوز العادات الثقيلة التي يتمسك بها بعض الناس فيعوقون امر الزواج وتتعطل طاقات كثير من الناس او يتأخر استثمارها بما فيه خير الامة والمجتمع.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M