ديرو النية والتهديد بالاقتطاع: التناقض الصارخ! أزمة الخطاب أخطر من أزمة القطاع
هوية بريس – محسن رمضاني
إنَّ أزمة التعليم بالمغرب ليست إلا جزءا صغيرا من ركام سنوات إن لم نقل عقودا من التهميش والتجاوز، ذلك أنَّ الحكومات المتعاقبة لم تجعل تنمية قطاع التعليم من أولوياتها مطلقا، بل إننا نجدها على خلاف ذلك تُهمشُ هذا القطاع وتمارسُ فيه سياسات عقيمة وخطيرة، وعلى رأسها قضية “الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد”، وقضية “فرنسة التعليم” وهَلُمَّ جَرًّا.
ولا تختلفُ هذه الحكومة الجديدة عمن سبقها، إذ تشتركُ معها في نفس المنهج والسلوك، بل إنها بنظامها الأساسي الجديد تتجاوز من سبقها في الخطورة، إذ تسعى من خلال هذا النظام المجحف أن تضربَ صميم المدرسةِ المغربيَّة، وصميمُ هذه المدرسةِ هو الأستاذ، فلا تعليم من دون أستاذ، فكان الأولى حلُّ مشاكل الأستاذ في هذا النظام الجديد، والسعي إلى تجويد مهنة الأستاذيَّةِ، بدل توريط الأساتذة وتفقيرهم بنظام يزيد من تكاليفهم ومجهوداتهم ويُكافئهم بجملة من العقوبات، فهل يُعقل أن يكونَ التحفيزُ بتهديد الأستاذة بالعقوبات في نظامهم الأساسي؟ وهل هذا هو التحفيز الذي يتغنى به الوزير بنموسى في كل خرجاته!
وتزدادُ الأمور تعقيدا عندما يتلقى الأساتذة خطابا حكوميا أقل ما يقال عنه أنَّهُ خطاب متناقض، ذلك أنَّ الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى بايتاس خرجَ الأسبوع الماضي في خرجةٍ إعلاميَّةٍ مُهدِّدا الأساتذةَ بالاقتطاع، ومدافعا عن الاقتطاع بأنَّه إجراء قانونيٌّ تتطلبه الظرفية، واليوم يخرج رئيسُ الحكومة عزيز أخنوش بعد أن وصلته حرارةُ الشارعِ، ليطلب من الأساتذة العودةَ إلى أقسامهم في انتظار نتائجِ الحوار، الحوار الذي طال سنتين ولم يخرجْ إلا بما يهينُ الأستاذ يوما بعد يوم، فأي حوارٍ هذا الذي تطلبه الحكومةُ من الأساتذةِ وهي تهدِّدُ وتنهرُ وتستفسر! هل يكونُ الحوارُ تحت تهديد الاقتطاع حوارا ناجحا ومُحفزا؟ أيُّ منطقٍ هذا؟
ويطلبُ رئيس الحكومةِ من الأساتذةِ أن يتحلَّوا ب “النيَّة” كما تحلَّت الجماهير المغربيَّةُ بها مع المنتخب المغربي بمونديال قطر، لكن ألا يدري عزيز أخنوش أنَّهُ لا يتقنُ دورَ مدرِّبِ المنتخبِ وليد الركراكي صاحب العبارة المشهورة “ديرو النيَّة”، ألا يدري أنَّ وليد الركراكي لم يكن يُهدِّدُ لاعبيه، بل بالعكس كان يشجعهم ويحفزهم غاية التحفيز! تحفيزٌ ماديٌّ ومعنويٌّ ليقدموا لنا تلك الصورةَ المشرفةَ عن المغرب، لكن الأمرَ مختلفٌ تماما مع حكومةٍ تتخذ نهجًا غير نهج التحفيز والتشجيعِ، فلا حاجةَ لانتظار نفسِ النتائجِ، فلماذاكلُّ هذا التَّلوُّنُ في الخطاب؟
وهكذا يتبيَّنُ أنَّ حكومة أخنوش تتلوَّنُ في خطاباتها حسبَ ما يخدمُ أغراضها ومصالحها، ومن ثمة يلمسُ المتتبعُ لخطابات هذه الحكومة التناقضات الصارخة التي تدل على عبثيةٍ وارتجاليَّةٍ ليس لها مثيل في تاريخ الحكومات السابقة. ألم يحن الوقت لكي تتصالحَ الحكومات مع خطابها أولا قبل أن تتصالحَ مع مشاكل قطاع التعليم؟ وهنا لا بد من التأكيد على أنَّ الخطابَ مرآةٌ لتصورات الأفرادِ والجماعات، وليسَ مجردَ كلام يُلقى إلى القنوات الإعلاميَّةِ. وبواسطة هذا الخطاب يمكنُ الخروج بعدد كبير من الخلاصات التي تعكسُ هذه التصورات، وخطاب حكومتنا ركيزته التناقض والالتوائيَّة، ومع هذا الوضع لا يمكنُ أن يتمَ الحوار، فضلا عن أي إصلاحٍ.
كما عهدنا الاخ محسن يبدع في كتابته للمقالات، خاصة التي تعالج المواضيع المجتمعية.
صدقت!
أزمة الخطاب أخطر من أزمة القطاع…