د. أحمد الريسوني: إذا فُسِّــر القرآن مات السلطان؟!
هوية بريس – الدكتور أحمد الريسوني
منذ بضعة أيام أُعلن عن الجوائز التي منحتها (الهيئة العامة للترفيه) للفائزين في تجويد القرآن وتجويد الأذان، حيث جعلت الهيئةُ تجويد القرآن والأذان لونا من ألوان اللهو والترفيه، وأداة من أدوات التسلية والتمويه.
وحيث إن “الشيء بالشيء يُـذْكَر”، فقد ذكرتني هذه الواقعة بزيارة كريمة إلى مسكني بمدينة جدة، تفضل بها أحد الدعاة المهتمين كثيرا بتحفيظ القرآن الكريم.. وقد حدثني الزائر الفاضل عن الجهود والعطاءات العظيمة، التي تقوم بها مراكزهم لتحفيظ القرآن، وكم خرَّجت وتُـخرج من الحفظة كل عام..
قلت له: هل تقدمون لهؤلاء الحفاظ شيئا موازيا من تفسير القرآن، وبيان بعض ألفاظه ومعانيه؟ قال: لا، هذا ممنوع بتاتا. وقد يؤدي إلى إغلاق مراكزنا. لذلك نحن نقتصر على الحفظ.
ولكي لا أحرج زائري العزيز، قلت في نفسي: إنهم يحاربون فكرة “خلق القرآن”، وينفذون فكرة “غلق القرآن”.. أي: قرآن مغلق، بلا فهم ولا تدبر، ولا تفسير ولا تفكير!
وبالمناسبة، فطالما فكرت في مقولة تتردد في المغرب منذ القديم، وهي قولهم: “إذا فُسر القرآن مات السلطان”، وكنت أتساءل: هل سبق في تاريخ المغرب – ربما – أن مات بعض سلاطينه تزامنا واقترانا مع قيام أحد العلماء بتفسير القرآن، فلذلك منعوا التفسير وانتشرت هذه المقولة؟؟
والحقيقة أني لم أجد إلا ما ينفي ذلك؛ وهو أن الشيخ محمد المكي الناصري، صاحب المناصب الرسمية العديدة، قد فسر القرآن كاملا، دون أن يتسبب ذلك في موت سلطان ولا غيره.. وتفسيرُه مسجل بصوته رحمه الله، ويذاع على أمواج الإذاعة المغربية يوميا، منذ عشرات السنين. وقد صدر مطبوعا في ستة مجلدات بعوان (التيسير في أحاديث التفسير).
فهو مَدد للحياة، وليس سببا للوفاة.
فما معنى “إذا فُسر القرآن مات السلطان”؟
يبدو لي أن المقصود هو – فقط – تخويف العلماء وصرفُهم عن تفسير القرآن الكريم، لكثرة ما يَـرِد في آياته من الذمِّ والوعيد، للظالمين والمستكبرين والطاغين والمستبدين والمفسدين والمتألهين.. فمفسر القرآن سيجد نفسه في كل مرة أمام هذه الآيات، وهو ملزم بتفسيرها وبيان معانيها ومقتضياتها.. وذلك قد يؤدي بشكل من الأشكال إلى موت السلطان، ولو رمزيا.
أما أصحابنا المعاصرون، فوجدوا أن الحل الأمثل لهم، هو تسليم القرآن إلى “الهيئة العامة للترفيه المقدس”، لتفعل به ما تراه مناسبا..!!