د.إدريس ابن ضاوية: مناقشة الأستاذ قاسم كحيلات
هوية بريس – متابعة
1ـ لقد نأت اللجنة بنفسها عن تقصد التخريج على الطريقة المشرقية المعتمدة على الوصف المجرد، وتنزيله على مخرج الرواية من الأصول المسموعة، والدواوين غير المسموعة، لعدم لحاظها للاستثناءات في الروايات الواردة من طريق الأثبات، ثم لتغييب الشاهد من القرآن وصحيح السنة عند الحكم على الأحاديث في الغالب؛ فارتأت اعتماد أقوال الأئمة المختصين من المتقدمين ممن يحسبون في الأئمة المعارضين المعللين: إحياء لذكرهم واعترافا بفضلهم وتتصيصا على أحكامهم التي تجاوزها أكثر المعاصرين. ولم يشوش عليها تباين أحكامهم لتعدد الأسباب التي يرجع بعضها إلى لحاظ الإسناد والبعض الآخر إلى اعتبار الشاهد الذي يتقوى به المعنى.
2ـ أما حديث: “إذا نشأت بحرية ثم تشاءمت فتلك عين غديقة”. فقد أسنده الطبراني في المعجم المعجم الأوسط 7/ 371، وقال: لم يرو هذا الحديث عن عوف بن الحارث إلا عبد الحكيم، تفرد به: ـ محمد بن عمر -الواقدي-؛ وأبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان الأنصاري المعروف بأببي الشيخ الأصبهاني في العظمة 4/1247 من طريقه.
ولا يخفى عليك موقف المغاربة من الواقدي في اختصاصه؛ ومعتمدهم مضمون ذكره الخطيب البغدادي فيه. ..وهو ممن طبق شرق الأرض وغربها ذكره، ولم يخف على أحد عرف أخبار الناس أمره، وسارت الركبان بكتبه في فنون العلم؛ من المغازي، والسير، والطبقات، وأخبار النبي صلى الله عليه وسلم والأحداث التي كانت في وقته وبعد وفاته صلى الله عليه وسلم وكتب الفقه، واختلاف الناس في الحديث، وغير ذلك.. وكان عالما بالمغازي واختلاف الناس وأحاديثهم.
ثم أسند إلى محمد بن خلاد، قوله: سمعت محمد بن سلام الجمحي، يقول: محمد بن عمر الواقدي عالم دهره. وإلى إبراهيم الحربي، قوله: الواقدي أمين الناس على أهل الإسلام. وقوله: كان الواقدي أعلم الناس بأمر الإسلام وإلى محمد بن صالح، وقوله: سئل مالك بن أنس عن المراة التي سمت النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر، ما فعل بها؟ فقال: ليس عندي بها علم، وسأسأل أهل العلم. قال: فلقي الواقدي، فقال: يا أبا عبد الله، ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بالمرأة التي سمته بخيبر؟، فقال: الذي عندنا أنه قتلها. فقال مالك: قد سألت أهل العلم فأخبروني أنه قتلها. تاريخ بغداد 4/5 وما بعدها.
وقد أرجع ابن سيد الناس الكلام فيه إلى إغرابه بسعة اطلاعه في قوله: سعة العلم مظنة لكثرة الأغراب، وكثرة الأغراب مظنة للتهمة، والواقدي غير مدفوع عن سعة العلم، فكثرت بذلك غرائبه. وقد روينا عن علي بن المديني أنه قال: للواقدي عشرون ألف حديث لم نسمع بها. وعن يحيى بن معين: أغرب الواقدي علي رسول الله صلى الله عليه وسلم في عشرين. عيون الأثر 1/24.
قلت: ولأجل ذلك اعتمده ابن سعد في الطبقات، وخليفة بن خياط في الطبقات، والبرديجي في طبقات الأسماء المفردة ، وأبو العرب التميمي في طبقات علماء إفريقية، وأبو نعيم في الحلية، وابن عبد البر في الدرر، وابن سيد الناس في عيون الأثر، وأبو الربيع سليمان بن موسى بن سالم بن حسان الكلاعي الحميري، في لاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم والثلاثة الخلفاء الذي قال: وللواقدى أيضا كتاب المبعث، وهو مشبع فى بابه، ممتع باستيفائه واستيعابه، قد نقلت هنا منه جملا، تناسب الغرض المسطور، وتصد المعترض أن يجور..مطلع الاكتفاء 1/3.
3ـ أما حجب بعض الأحاديث المشكلة فالقصد منه التريث حتى تعد الإجابة المبينة عن المراد، والمحققة لدرجة الإسناد، والمنسجمة مع المحكمات والأصول المسلمات؛ إعمالا لقول علي رضي الله عنه: «حدثوا الناس، بما يعرفون أتحبون أن يكذب، الله ورسوله»؛ وقول عبد الله بن مسعود: عبد الله بن مسعود، قال: «ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم، إلا كان لبعضهم فتنة» صحيح مسلم 1/ 11؛ وقول الزبير بن العوام لابنه عروة: «ما حدثت أحدا بشيء من العلم قط لم يبلغه عقله إلا كان ضلالا عليه» جامع بيان العلم وفضله 1/ 539؛ ثم اقتداء بالإمام مالك في انتقائه والبخاري في اختياره، وأبو دواد في بناء سننه؛ وقد صرح بذلك في قوله في رسالته إلى أهل مكة: “فربما تركت الحديث إذا لم أفقهه، وربما كتبته وبينته، وربما لم أقف عليه، وربما أتوقف عن مثل هذه؛ لأنه ضرر على العامة أن يكشف لهم كل ما كان من هذا الباب فيما مضى من عيوب الحديث؛ لأن علم العامة يقصر عن مثل هذا.
4ـ أما حديث: “﴿كالمهل﴾ كعكر الزيت، فإذا قرب إليه سقطت فروة وجهه فيه”(رقم: 8255). الذي نقلنا فيه حكم الترمذي بأنه ضعيف، ثم نقلنا حكم الزيلعي بأنه صحيح (رقم:10306). فكان يحتاج إلى بيان تركناه لحين السؤال عنه. فآن أن نقول: هذا الحديث ضعفه الترمذي لحاظا لحال الإسناد، والذي صححه لاحظ زيادة عليه شاهده من القرآن الكريم الذي جاء فيه: وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا [الكهف: 29].
5ـ أما اعتماد اللجنة على أحكام الكتب التي شرطت الصحة كصحيح ابن خزيمة وصحيح ابن حبان ومستدرك الحاكم فحق كما في خطة المنصة، وإن كانت تعلم سلفا أن شرط الصحة لم يتحقق في بعض أحاديثها ، لأنها قصدت التذكير بفضلهم، والتنبيه على أهمية أحكامهم، والتنويه بأحكامهم ، -التي كتمها جملة من المعاصرين المنتسبين إلى صنعة الحديث-، والتنبيه على خطورة إعمال قاعدة إجراء التوصيف المختصر جرحا وتعديلا على كل أحاديث الرواة، ثم تريثا حتى يوقف على ما يعتبر به ما انتقد عليهم حتى يتبين لنا -إن استطعنا- ما يصلح لإرقاء الحديث عند السؤال عنه إسنادا أو متنا أو معنى في متن مسلم بصحته.
6ـ أما اتكاء اللجنة على أحكام الهيثمي فالقصد منه بادي الرأي التعريف بجهده، والتذكير بفضله وسبقه، والاعتراف ببداعة منهجه بد وقوته فياختصاصه.
واللجنة تعي جيدا أن الهيثمي رحمه الله قد يقول في الحديث ما: رجاله رجال الصحيح أو رجاله ثقات..، ويكون مدخولا، لكن هذا ليس على إطلاقه، والمحاققة هي التي تكشف عن حقيقة وثاقة الرجال، وصحة ما يعبر عنه الحال، وتسفر عن حقيقة البراءة من المخالفة المؤثرة التي توجب رد الحديث وإسقاط الاحتجاج به.
7ـ أما حديث “لا يزال أهل المغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة”. فليس على شرط المنصة كما هو مبين في خطتها؛ وقد اعتمده اللجنة لرواية أبي عوانة له في مستخرجه في باب بيان الخبر الدال على أن أهل الحجاز لا يزالون على الحق حتى تقوم الساعة، وأن قريشا، وأهل المغرب يكونون ظاهرين على أهل المشرق والعجم. قال: حدثنا محمد بن كثير الحراني، قال: ثنا خضر بن محمد، قال: ثنا هشيم، عن داود، عن أبي عثمان، عن سعد رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يزال أهل المغرب ظاهرين إلى أن تقوم الساعة». مستخرج أبي عوانة 4/ 508. ورواه بقي بن مخلد في مسنده كذلك: “لا يزال أهل المغرب” كذلك. كما في المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم 3/ 763.
وفي مسائل ابن هانئ: سئل الإمام أحمد بن حنبل عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله. وهم على ذلك». قال: هم أهل المغرب…
وقد استند إليه الإمام أبو بكر الطُّرْطُوشيّ إذ زود تلميذه أبا بكر بن العربي المعافري برسالة إلى الأمير يوسف ابن تاشفين يوصيه فيه بتقوى الله وطاعته جاء فيها: ومما أتحفك به وهو خير لك من قلاع الأرض ذهبا لو أنفقته في سبيل الله حديث: “لا تزال طائفة من أهل المغرب ظاهرين على الحق حتى يأتي أمر الله”, والله أعلم هل أرادكم رسول الله، – صلى الله عليه وسلم -، معشر المرابطين أو أراد بذلك جملة أهل المغرب وما هم عليه من التمسك بالسنة والجماعة وطهارتهم من البدع والإحداث في الدين، وإنا لنرجو أن تكونوا أولي بقية ينهون عن الفساد في الأرض. ولقد كنا في الأرض المقدسة، جبر الله مصابها، تترى علينا أخبارك وما قمت به من أداء فريضة الله تعالى في جهاد عدوه وإعزاز دينه وكلمته ..ولئن كنت تستنصر لك بجنود أهل الأرض فلقد كنا نستنصر لك بجنود أهل السماء حتى قدم علينا الأرض المقدسة أبو محمد بن العربي وابنه الفقيه الحافظ أبو بكر، فذكروا من سيرتك في جهاد العدو، وصبرك على مكافحته ومصابرته وإعزازك للدين وأهله والعلم وحملته، حتى تمنينا أن نجاهد الكفار معك ونكثر سواد المسلمين في جملتك.
وقال المقري: [قال]النبي عليه السلام..: “لا يزال أهل المغرب ظاهرين إلى قيام الساعة”: أهل المغرب أهل الحق، وأحق الناس بالحق وأحق المغرب بالحق علماؤه لكونهم القائمين بالقسط…
وقال أبو عبد الله محمد بن فتوح بن عبد الله بن فتوح بن حميد الأزدي الميورقي الحميدي: جاء في فضل المغرب غير حديث؛ من ذلك ما أخرجه مسلم بن الحجاج في الصحيح. رواه عن يحيى بن يحيى، عن هشيم بن بشير الواسطى، عن داود بن أبي هند، عن أبي عثمان النهدى، عن سعد بن أبي وقاص: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يزال أهل المغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة. وهذا النص وإن كان عاماً لما يقع عليه، فللأندلس منه حظ وافر لدخولها في العموم، ومزية لتحققها بالغرب وانتهاء آخر المعمور فيه، وبعض ساحلها الغربي على البحر المحيط، وليس بعده مسلك.
والحمد لله رب العالمين”.
وكتب الفقير إلى الله تعالى إدريس ابن الضاوية
شاكرا للأستاذ قاسم اكحيلات عنايته ونصحه.