د. البشير عصام: إذا قلنا إن الحجاب حرية فردية فبمَ سنجيب من يدعو إلى العري التام أو زواج الشواذ أو حق الردة عن الدين
هوية بريس – د. البشير عصام
وجهت “هوية بريس” للدكتور البشير عصام، سؤالا حول ما أثارته حادثة ماء العينين من جدل وردود أفعال؛ وهل يمكن اعتبار أن بعض الإسلاميين في المغرب يسيرون في اتجاه الإقرار بالحرية الفردية والقبول بها؟ فأجاب الباحث في المسائل الشرعية والقضايا الفكرية؛ بقوله:
تقرير المفهوم العلماني:
العلمانية -في حدها الأدنى- هي الفصل بين الممارسة السياسية والمرجعية الدينية. وفي معناها الأشمل: نزع القيم الدينية الإسلامية عن تدبير الحياة كلها. أي: أن التصرفات الفردية والجماعية لا تخضع للمعيار الديني، بل لما يتفق الناس عليه اختيارا، أو يفرضه عليهم بعضهم قسرا.
فالعلماني القح هو الذي يقف على مسافة واحدة من الأديان كلها، ولا ينطلق من دينه الشخصي –إن كان منتسبا إلى دين معين- عند بحث مسائل السياسة والاقتصاد والمجتمع والثقافة، بل يجعل ذلك موكولا إلى أصول الحرية الفردية، ما دامت لا تخالف القوانين. وعليه، فالعلماني القح هو الذي يقول عن الحجاب مثلا إنه من قبيل: “الحرية الفردية“.
أما الذي يرفض الحجاب ويحاربه –كما في بعض البلاد-، فليس علمانيا، لأنه يقف موقف معاداة للشعائر الشخصية لدين معين، وهذا مناقض لأهم مفهوم علماني، وهو الحياد تجاه الأديان.
تقرير المفهوم الإسلامي:
أساس الإسلام: التسليمُ للوحي. وتركُ الممارسات الفردية أو الجماعية خاضعةً لأهواء الناس بدعوى الحرية، مناقضٌ لأصل التسليم.
وفي الوحي ما لا يحصى من الشرائع العملية، وفيه بيان تجريم الكثير من التصرفات، وبيان العقوبة الواجبة عليها، ووجوب اضطلاع الأمة بأمانة إقامة هذه العقوبات. وكل ذلك مخالف لمعنى حرية الفرد في فعل ما يشاء، بالمعنى العلماني المعروف.
ولو قلنا إن الحجاب حرية فردية، فبمَ نجيب من يدعو إلى العري التام، أو زواج الشواذ، أو الحق في بيع الخمر وشربها، أو حق الردة عن الدين، ونحو ذلك مما هو من صميم الحريات الفردية بالمفهوم العلماني؟
نمنع ذلك بالقانون؟ لا قداسة للقوانين، وهي تتغير حسب أهواء الشعوب (في الديمقراطيات) أو الحكام (في غيرها).
بالهوية والقيم الأخلاقية للشعب؟ تتغير أيضا، فما كان قبل بضعة عقود من صميم هوية المغاربة وقيمهم الأخلاقية، صار اليوم نسيا منسيا.
بالشرع الإسلامي؟ فما الفرق حينئذ بين هذا والحجاب، فإن الحجاب واجب بالشرع الإسلامي إجماعا؟
تقرير سبب الخلل وثمرته:
تبنى بعض الناس خطاب “الحرية الفردية” في بعض البلاد المعادية للشرائع الدينية، للاستفادة مما يتيحه مفهوم الحرية، من رفع للتضييق عن المسلمين. لكن ما عتّم المفهوم أن استقر وترسخ، حتى صار يُتبنى دون حاجة، منتقلا من “جائز للضرورة” إلى “أصل في حال السعة”!
وحين يقول المسلم المنظور إليه “إن الحجاب حرية فردية”، فإنه:
-يتنصل ولا بد من مرجعيته الإسلامية، ويقبل المرجعية العلمانية؛
-يهوّن من الحكم الشرعي، فيجعله مغيّبا أو -على الأقل- في مرتبة تالية للحكم العلماني؛
-يضيّع على الناس –في زمن الجهل والتلبيس هذا- فرصة معرفة الحكم الشرعي ممن يثقون بكلامه ومرجعيته؛
-يفتح الباب لكل منحرف أن يسوغ انحرافه بدعوى “الحرية الفردية”.
فهل من عاقل يتدارك السفينة قبل الغرق؟
الله يجازيك بالخير . فعلا إن لم يتداركوا سينفرون الناس منهم .