د.البشير عصام المراكشي يدافع عن الإمام النووي
هوية بريس – د.البشير عصام المراكشي
لا تقرأ ترجمة الإمام النووي رحمه الله، ولا تستمع لما قيل ويقال، ولكن تدبر ما سألقيه عليك بقلب حي متيقظ:
هذه ثلاثة كتب: “الأذكار، ورياض الصالحين، والأربعون النووية” لا نعرف في الكتب أكثر اشتهارا منها، بل لا يكاد يخلو منها أو من أحدها بيت من بيوت المسلمين.
ثم تأمل حال الثالث منها: لا يكاد يسعى مسلم -صغيرا كان أو كبيرا- إلى حفظ شيء من السنة إلا بدأ بهذه “الأربعين”، وذلك منذ قرون عديدة!
وهذه “الأربعون” لو تأملتها، لم تجد في ترتيبها وتصنيفها ما يُعجز العلماء الذين تتابعوا في الأمة، فضلا عن الأئمة الفحول منهم. وقد صنف الناس قبلها وبعدها ما هو -بمقياس العلم وحده- أصعب منها تصنيفا وأشد تحقيقا. ثم أنت -مع ذلك- لست واجدا في ما ألفوه ما هو أعظم انتشارا ولا أكثر بركة من هذه “الأربعين”!
وهذا سر عجيب من أسرار العلم، لن يتأتى لك كشفه إلا بمعونةٍ مما يروى عن الإمام مالك رحمه الله حين ألف موطأه، وذُكر له ما ألفه الناس من الموطآت: “ما كان لله بقي..”.
وهذا السر الرباني الذي تحقق في الإمام النووي، وفي ثلة من أئمة الهدى من قبله ومن بعده، يصلح أن يكون لك هاديا في مدلهمات الفتن التي يثيرها من انشغل ببنيات الطريق عن المهيع اللاحب المسلوك!
فكيف إذا أضفت إلى هذا: عجائب ما في ترجمة هذا الإمام من دلائل الهدى، وما في مصنفاته الأخرى من علامات النبوغ وبراهين التحقيق العلمي الباهر؟!
فإن جاءك بعدُ عن هذا الإمام أو غيره، ما تراه من قبيل الخطأ العلمي أو المخالفة العقدية، فافزع إلى إحسان الظن ولا بد، واحمل ذلك على خطأ في الاجتهاد، أو على تأول صحيح معتبر.
وقد عذر الأئمةُ -إلا من شذ- من وقع في الكفر الصريح متأولا، فكيف بمن وقع في ما دون ذلك؟!
فإن صعب عليك معرفة موارد التأول، واختلط عليك في ذلك حابل العلم بنابله، فاعلم أنك أُتيتَ من ضحالة علمك لا من التباس الأمر في ذاته! ومتى كانت هذه المباحث متاحة للجهال والمبتدئين في العلم، حتى تجدها سهلة ميسورة، يكفيك في إدراكها صُبابة من علم تناثرت في منشورات مواقع التواصل؟!
ألا فأعط القوس باريها، وتمثل بقول الآخر:
“إذا لم تستطع شيئا فدعه==وجاوزه إلى ما تستطيع”
واعلم أن ما قلتُه لك في هذا الإمام صالحٌ في غيره ممن تجاوز القلتين من بحور العلم، وسطعت شمسه في سماء الفضل.
والذي يُسقط النوويَّ من هذه الطائفة، يقابله في الضفة الأخرى من يسقط ابن تيمية لعبارة ملتبسة، أو نص مبتور، أو لمحض المخالفة في الاعتقاد.
تعددت الأوصاف والمنهج واحد!
أما نحن فأدركنا علماءنا رحمة الله عليهم:
. يقررون الحق بدلائله،
. ويردون الخطأ من قائله،
. ويعذرون المخطئ لسابق مناقبه وفضائله.
ولست أعرف من شيوخنا -من السلفيين ولا من غيرهم- من يطعن في مثل النووي وابن تيمية، أو لا يترحم عليهما أو لا يستفيد من علمهما.
والله الهادي إلى سواء السبيل.