د. البشير عصام: لا تقاوموا “الفرنسة” بأغاليط علمية أو أكاذيب مخترعة حول اللغة الفرنسية
هوية بريس – د. البشير عصام المراكشي
لا تكون مقاومة الفرنسة بأغاليط علمية أو أكاذيب مخترعة حول اللغة الفرنسية، فإن الدفاع عن القضية العادلة بدليل ساقط، يسقط القضية بتجرئته المخالف على الرد والإنكار، بل الاستهزاء.
وأشهر هذه الأغاليط مقولتان:
1- “الفرنسية لغة ميتة، ولا فائدة من دراستها”. بل رأيت أحدهم يذكر أن اللغات القديمة من قبيل البابلية والمصرية القديمة واللاتينية -فضلا عن اللغات العصرية كالإسبانية والهولندية- أولى بالدراسة من الفرنسية!
وهذا عجب من الغلو في إطلاق الأحكام ..
والحق أن الفرنسية لغة أدب وفن وفلسفة وعلوم إنسانية.
ويكفي أن نستحضر أن أكثر الفلسفات المؤثرة اليوم في تشكيل ما بعد الحداثة -وإذن في الفكر الحديث الذي يتحكم في عقولنا اليوم-، هي التي يسميها الأمريكان “النظرية الفرنسية french theory”، ورؤوسها أمثال فوكو ودولوز ودريدا وليفي شتراوس وبودريار وألثوسير..
وكل مشتغل بالفلسفة الحديثة يعلم مكانة هؤلاء في الدرس الفلسفي المعاصر.
أما قبل اليوم، فالإسهام الفرنسي كبير، لكن بعض الناس وقفت الفلسفة عندهم في القرن 19 -وهو قرن ألماني بامتياز- فحصروا الفلسفة في ألمانيا.
أما الأدب، فلا يوازي الأدب الفرنسي الحديث في ثرائه وتأثيره، سوى الأدب الروسي. وبعدهما يأتي الأدب الألماني والانجليزي.
وفي العلوم التقنية، الفرنسية أقل بكثير من الانجليزية، لكنها أفضل بكثير من الإسبانية مثلا، ولا تقارن بمثل الهولندية أصلا.
فتقديم اللغات الميتة كاللاتينية والمصرية القديمة على الفرنسية، مبالغة دون تردد.
2- والمقولة الثانية: “في الفرنسية إطالة مضحكة في الكلمات” ومثالهم المشهور -الذي شهره أحد المعاصرين في مقطع مرئي له- اللفظ الفرنسي لرقم “تسعين”. وكنت رددت من قبل على هذا ومما ذكرته مثلا، أن لفظي “أحد عشر واثني عشر” خفيفان في الفرنسية. وأزيد الآن أنني من خلال تجربتي في الترجمة من الفرنسية إلى العربية، تظهر لي خفة اللفظ الفرنسي في التعامل مع المعاني الحضارية المستحدثة (في الإعلام والفن والعلوم الإنسانية وأمور الحياة اليومية)، خاصة مع التقصير الشديد للمجامع اللغوية العربية في استعمال آلية النحت، وفي تعريب الألفاظ الأعجمية دون تكلف مقابل عربي لها.
والمقصود، أن التركيز في مشكلة الفرنسة يجب أن يكون على وجهين فقط:
أولهما: قيمة العربية في ذاتها، لأنها لغة القرآن والهوية الدينية للأمة، ولأنها اللغة الوطنية الدستورية في هذا البلد، مع بيان كون الفرنسية لغة الاستعمار القديم والحديث.
والثاني: أن من أراد الانفتاح على الحضارة الحديثة فليجعل التعليم باللغة بالانجليزية، فهي بذلك أولى من الفرنسية.
والله الهادي.