د. البشير عصام: لماذا نهتم بالقضية الفلسطينية والمسجد الأقصى؟
هوية بريس – د. البشير عصام
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
تمضي السنون على قضايا الأمة ومفاهيمها، فتغلفها أتربة الإهمال، ويحجبها غبار النسيان، حتى ينشأ من أبناء الأمة من يسأل عن الاهتمام المتوارث ببعض هذه القضايا، ما سببه؟ وكيف كان مبدؤُه؟ وما المسوغ لاستمراره بعد عقود مضت، تغيرت فيها أمور كثيرة؟
والقضية الفلسطينية نموذج حي لهذه القضايا التي صار اهتمام أكثر الناس بها وراثيا، خامد الحماس، منطفئ الجُذى، يحتاج إلى بعث وإحياء، قبل أن يوجد منا من يقول -وقد قيل فعلا، لكنه لا يزال في الهامش-: لا يهمنا المسجد الأقصى ولا فلسطين .. تلك قضية صراع سياسي في بلد بعيد لا يعنيني في شيء!
والحق أنه لو أمكن الشك والتردد في قضية من قضايا عصرنا هذا، لما أمكن ذلك في خصوص القضية الفلسطينية!
ويمكننا حصر أسباب ذلك في أربعة محاور:
المحور الديني:
قال الله تعالى: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا). بهذه الآية الناصعة الواضحة، ربط الله عز وجل بين المسجدين والمدينتين والقبلتين. وبمعجزة الإسراء الخالدة، انتقل النبي الكريم صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام بمكة إلى المسجد الأقصى، أول قبلة للمسلمين، ومنه عرج به إلى السماء حتى رأى بعيني رأسه من الأمور العجيبة ما كان يعلمه من جهة الوحي، فصار الغيب عنده شهادة.
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين المساجد الثلاثة في خصوصية شد الرحال إليها فقال كما رواه عنه أبو هريرة رضي الله عنه: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، ومسجد الأقصى). رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
أما فضائل بيت المقدس والشام عموما، فأكثر من أن تحصر في هذه العجالة، وقد اعتنى بجمعها جماعة من العلماء كابن الجوزي والضياء المقدسي.
كما أن مقتضى كونِ المسلمين أمة واحدة -كما دلت على ذلك نصوص الكتاب والسنة- أنه يجب على عموم المسلمين إذا دخل العدوُّ الكافر بلدا من بلاد الإسلام، نصرة أهل ذلك البلد بما يتيسر لهم من وسائل النصرة. فكيف إذا كان ذلك البلد هو بيت المقدس، مسرى رسول الله، والأرض التي باركها الله سبحانه؟!
المحور القانوني:
لا يشك منصف (سواء أكان مسلما أم غير مسلم) أن ملخص القضية الفلسطينية، هو اغتصاب أرض من طرف شعب أجنبي، بقوة السلاح والإرهاب، مع مساندة عملية من قوى الاستعمار الغربي، التي كانت مسيطرة على تلك البلاد، مستغلة الضعف العسكري للدول الإسلامية الحامية أو المتاخمة لمنطقة فلسطين.
وهذا الاغتصاب سببه الحقيقي رغبةُ الأوروبيين في حل “المشكلة اليهودية”، التي كانت تؤرق مضاجع الساسة في أوروبا لأسباب متعددة. فكان التخلص من الفائض اليهودي الأوروبي مقصدا استعماريا مهما، لا علاقة له بالأدبيات الصهيونية التي تتحدث عن معاناة اليهود في بلاد الشتات، وتستعين بديباجات دينية توراتية لتسويغ اختيار فلسطين وطنا قوميا لليهود!
إن مواثيق القانون الدولي تُجمِع على أن ما وقع في فلسطين ظلم صارخ مسلّط على شعب وأمة. ولكن إذا كان الغالب القوي يفرض رأيه -ولو كان باطلا- فمن واجب أصحاب الحق أن يحافظوا على توضيح الرأي المعاكس، لأن الظلم يبقى ظلما ولا يمكنه أن يتحول إلى عدل بمرور الزمان!
المحور الإنساني:
يمكننا أن نلخص المحور بقولنا: إن ما تعرض له الشعب الفلسطيني من تشريد وقتل ودمار، لا يوجد له مثيل في العصر الحديث!
ولا شك أن إغاثة هذا الشعب، والتخفيف من معاناته، مقصد عظيم، يجب على عموم المسلمين الوفاء به. وهذا من مقتضيات الولاء الإيماني الذي عقده الله تعالى بين عامة المسلمين.
المحور السياسي:
ارتبطت دولة الصهاينة منذ نشأتها بالأطماع الاستعمارية الأوروبية في بلاد المسلمين، ووقع بينهما زواج مصلحة استمر بعد الحرب العالمية الثانية والانتهاء الرسمي للحركة الاستعمارية. وقد استقرت دولة الصهاينة في قلب الأمة الإسلامية حارسةً لمصالح الغرب السياسية والاقتصادية والحضارية، وضامنة لتركيع المسلمين وإخضاعهم للنظام العالمي المهيمن.
ولذلك فإن مناصرة القضية الفلسطينية هي في جوهرها نوع من التحرر من ربقة الهيمنة الحضارية الغربية، ومن هنا تكتسي أهمية بالغة الخطورة.
هذه المحاور الأربعة -وإن كان الاعتماد الأكبر عند كل مسلمٍ على الأول منها- تصبّ جميعها في اتجاه واحد، هو: أهمية القضية الفلسطينية، وضرورة سعي المسلمين في مناصرة بيت المقدس والمسجد الأقصى، بجميع وسائل النصرة المتاحة.
والحمد لله رب العالمين.