د. البشير عصام*: ليست قيما كونية ومن السذاجة عدّها كذلك

05 يناير 2017 12:17
فيديو.. د. البشير عصام يفضح تهافت مطلب العلمانيين بتغيير أحكام الإرث

إعداد: مصطفى الحسناوي

elhasnaouiثاني ضيوفنا في سلسلة الحوارات المتعلقة بالخصوصية والقيم الغربية، هو الدكتور البشير عصام.

والذي طرحنا عليه السؤال التالي: يرفض عدد من المحسوبين على التوجه الحداثي العلماني، تقييد القيم والمفاهيم الغربية، بالخصوصية الثقافية والعقدية للبلاد، أو إخضاعها حتى لنقاش وطني، على أساس أن أمرها محسوم، وهي غير قابلة للتجزيء والاستثناء، وأن المخول والمؤهل لتفسيرها هي المؤسسات الدولية، وأن الإسلام هو من عليه مسايرة هذه القيم المجمع عليها، وأن المسلمين عليهم الارتقاء بفهمهم، ليواكبوا هذا التطور، ماتعليقكم على هذا الكلام الذي يقدس قيم الغرب ويعلي من شأنها، ويتساهل بقيم وأحكام الاسلام؟ وإلى أي حد يمكن إيجاد أرضية مشتركة في هذا النقاش؟

 

من الجميل حقا أن يتحدث السؤال عن “القيم والمفاهيم الغربية”، لأن هذا هو التوصيف الحقيقي، لما يسميه أصحاب هذا التيار: “القيم الإنسانية الكونية”!

الثابت معرفيا أن هذه القيم لمْ تتكون من روافد حضارية متباينة، وإنما تكونت داخل التشكيل الحضاري الأوروبي، في إطار الصراع بين مفاهيم الكنيسة المغلوبة ومفاهيم التنوير والحداثة الناشئة؛ وأن هذه القيم -إذا تجاوزنا الشعارات المرفوعة- هي قيم سعى المستعمر الأوروبي ثم الإمبريالية الأمريكية إلى فرضها على العالم بقوة السلاح، في إطار مهمة نقل الحضارة بالاستعمار (la mission civilisatrice de la colonisation) ثم في إطار مشروع نشر الحرية والديمقراطية التي تبناه “الكاوبوي” الأمريكي؛ ثم -بعد الحرب الباردة- زادت معدلات نشر هذه القيم بطريق العولمة.

وصدق الاقتصادي الفرنسي سيرج لاتوش حين قال: “لو أن الهند كانت تسيطر على العالم، لأصبح تطهير الأرامل بالنار من ضمن حقوق المرأة!”(تغريب العالم -L’occidentalisation du monde– ص170).

د. البشير عصام*: ليست قيما كونية ومن السذاجة عدّها كذلكليست قيما كونية إذن! ومن السذاجة -أو “التساذج”- عدّها كذلك. بل هي قيم غربية، أنتجتها الحضارة الغربية في إطار سياق تاريخي مخصوص، ليس هو “نهاية التاريخ” كما يراد إقناعنا به، وإنما هو حلقة من حلقات، قابلة للتطور والتغير.

وإذا كانت الحداثة بصلابتها أسفرت عن ما بعد الحداثة بسيولتها ونسبيتها، وإذا كانت أوهام العولمة الحضارية والتكتلات الكبرى تترنح أمام تصاعد موجة الرجوع للقوميات والحدود الوطنية، فما الذي يمنع -ولو من جهة التنظير الفلسفي- أن تكون هذه “القيم الكونية” قابلة للنقد وإعادة النظر؟

وهذه القابلية للتطور، تحيلنا على سؤال المرجعية؛ فـ”المرجعية العليا” هي الأساس المعرفي والفلسفي التجريدي، الذي يستند المجتمع إليه في تقرير الأفكار، وتوضيح رؤيته للكون، ووضع الأنظمة العامة التي يسير وفقها.

فهي مجموعة من المقولات المتجاوِزة، التي يُتحاكم إليها. ومن ثَم لا بد فيها من قدر كبير من الثبات والصلابة والشمول.

وإذا كانت “القيم الكونية” على الصورة التي رأينا اختصارا، في ظروف نشأتها وانتشارها الصراعية، وفي نسبيتها المعرفية، وفي منطلقاتها المادية المتمركزة حول الإنسان الطبيعي/المادي، وفي قابليتها للتطور والتغير، فهل تصلح أن تشكّلَ مرجعيةً، لأُمة لديها مرجعية عليا، منطلقة من الوحي، تراعي ثنائية المادي/الروحي في رؤيتها للكون والإنسان، وتتمتع بقسط كبير من الرسوخ والإطلاق، مع دائرة منضبطة من النسبية وقبول الاختلاف؟

نعم يحقّ -من الناحية القدرية- لهؤلاء أن يتبنّوا هذه “القيم الكونية”، ولكن النزاهة المعرفية تقتضي منهم أمورا كثيرة منها:

 

  • أن يكفّوا عن جرأتهم المذمومة على الأحكام الشرعية، الخاضعة لمجموعة من الآليات والشروط والضوابط، لا يمتلكها أكثرهم.

  • أن يعترفوا بأنهم ينطلقون ابتداء من مفاهيم غير شرعية، ويسعون إلى إخضاع الشريعة لها. فهم حين يلبسون قلنسوةَ الفقيه تحليلا وتحريما، يكونون في الحقيقة كالذي يدير مباراة في الجيدو، بقوانين الملاكمة، فهو يحولها إلى مباراة ملاكمة، على بساط الجيدو!

  • أن يقرّوا بأن هذه القيم فيها مجال واسع للتأويل والنقاش عند أهلِها أنفسهم، وأنها إذن لا تمتنع على الخضوع للقيم الخاصة للحضارات والأمم والمجتمعات.

  • ألا يقعوا في تناقض خطير، هو كونهم ينادون بقيمة الحوار وحرية الرأي والتعبير، على أنها من “القيم الكونية” التي لا تقبل الجدل، ثم يرفضون حرية العلماء في التعبير عن عدم صلاحية هذه القيم للخصوصية الدينية والحضارية؟ أليس هذا دليلا على أنها قيم مقيّدة عندهم بقيود غير معلنة؟

ومن تناقضهم أيضا رفعهم شعار نسبية الحق في المباحث الدينية، لكن “القيم الكونية” عندهم حق خالص، لا جدال حوله!

ولنا إذن أن نسألهم: هل الحوار ممكن حول هذا الموضوع، أم أنكم تريدون إبدال دين إلهي بدين وضعي، تفرضون فيه قيما معينة، هي عندكم الحق والخير كله، وليس لأحد أن يعترض؟

ـــــــــــــــــــــــــــ

*باحث في المسائل الشرعية والقضايا الفكرية.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M