د. البشير عصام يكتب: من جنى اليراع.. مناشف الإصلاح.. (تعليقا على الوزيرة حقاوي)
هوية بريس – د. البشير عصام المراكشي
الحديث الثاني عشر؛ #من_جنى_اليراع : مناشف الإصلاح..
في الأيام الماضية، سمعنا وزيرة الأسرة المغربية، المنتمية لحزب العدالة والتنمية “ذي المرجعية الإسلامية”، تتحدث عن استعمال اختبار الحمض النووي لإثبات العلاقة البيولوجية بين الطفل المولود من الزنا وأبيه “البيولوجي”. فكان مما قالته: (هل سيقبل علماء الشرع إثبات النسب بهذه الطريقة أم لا؟ هذا شأن لا يدخل ضمن اختصاصي، لكنني مع إثبات “العلاقة الترابطية” بين الرجل والابن).
وفي ضمن هذا الكلام أمور:
أولها: تكريس المزاج العلماني السائد اليوم، والذي يعطي للجميع الحق في إبداء الرأي في الموضوعات المثارة، قبل معرفة حكم الشرع بالرجوع إلى أهله المتخصصين فيه!
والثاني: استعمال ألفاظ مائعة تحتمل الشيء ونقيضه، وتحفظ للمتكلم القدرة على المناورة اللفظية. فالحديث عن “العلاقة الترابطية” بدلا من “النسب”، تمييع للقضية، حين يعلم الجميع أن المعني بالمراجعة والنقاش هو “النسب”، كما يدل عليه السياق العام لهذا النقاش المجتمعي المُحدَث (الخلاف بين الحكم الابتدائي وحكم محكمة الاستئناف في قضية طنجة المعروفة).
والثالث: “الخضوع الدفاعي” لجدول الموضوعات التي يثيرها أعداء الدين في مجال الأسرة، طمعا منهم في تغيير المنظومة الشرعية التراثية، بدلا من “الاستعلاء الهجومي” بإثارة المشكلات الخطيرة التي تعاني منها المرأة المغربية والطفل المغربي بسبب نظام الحياة الذي فرضته الثقافة الحداثية المهيمنة.
ولكنني أقول مع هذا كله: ليست هذه الأمور أخطر ما في القضية!
الخطير حقا هو عدم تفطن السياسي الإسلامي -في خضم التدبير السياسي اليومي- إلى أنه يعمل على تسويغ تفكيك الأسرة المغربية، وتقنين نتائج ذلك بدعوى تخفيف الأضرار..
فبدلا من الكلام عن الزنا المتفشي، وطرق منعه أو تقليله، يُجرّ أهلُنا إلى الحديث عن إثبات نسب الطفل إلى الأب الزاني!
نحن سائرون على آثار خطى الغربيين..
والغربيون يشرفون اليوم -من خلال الجمعيات الحقوقية ومجموعات الضغط الإعلامية والفنية، ثم من خلال قرارات اللجان التابعة للأمم المتحدة- على أضخم عملية تفكيك وتدمير للأسرة في تاريخ البشرية!
وقد بدأ الأمر عندهم -منذ عقود- “فكريا قيميا” انطلاقا من مبادئ الحريات والحقوق الفردية: حرية المرأة وحقوق الطفل خصوصا..
ثم صار بعد ذلك “اقتصاديا ماديا” حين أخذت مجموعات الضغط الرأسمالية والليبرالية المشعلَ، فشجعت على تفكيك الأسرة، لكي لا يبقى أمامها سوى أفراد متفككين، يمكنها التحكم فيهم بسهولة أكثر، وسَوقُهم بعصا الاستهلاك نحو مصارع القيم..
وقد مر هذا التفكيك المنهجي عبر مراحل، وقع خلالها تسليط معاول الهدم على أركان الأسرة، التي لا قيام لها إلا بها..
والأسرة -منذ القدم- قائمة على ثلاثة أركان: زوجان وأطفال وعلاقات أسرية.
ففي الركن الأول، سعى الحداثيون الغربيون ابتداءً إلى تذويب الفوارق بين الرجل والمرأة، بتأنيث الرجال وتذكير النساء..
فالمرأة المثالية التي تتخذها الفتيات الصغيرات قدوةً لهن، هي المرأة الرياضية القوية التي تمجّدها الإعلانات، والمرأة البطلةُ المحارِبة التي تسوّقها السينما، والمرأة السياسية المسترجلة إلى حد العنف (تاتشر، ميركل..)، والمرأة التي تخوض جميع ميادين العمل من سلك الشرطة إلى المناجم..
والجسمُ النسائي المثالي في عالم “الموضة” هو الذي يشبه جسم الرجل، في غياب نتوءاته السخية التي تميّز في العادة المرأةَ عن الرجل. والمتحكمون في هذا المجال هم -في كثير من الأحيان- من الشواذ الذين يجبِرون عارضات الأزياء على مفارقة جسم المرأة، واصطناع جسم رجالي “ممسوح”!
وبالمقابل فالرجل المثالي هو الرجل “الرومانسي”، اللطيف في عباراته، والهادئ في تصرفاته، إلى درجة التخنث!
وهو أيضا الرجل “رب البيت” الذي لا يجد حرجا في أن يعتني بالمنزل والأطفال، في الوقت الذي تخرج فيه زوجته للعمل خارج البيت..
وهو أيضا الرجل الذي يقف طويلا أمام المرآة، ليعتني ببشرته وهندامه (يسجل صاحب كتاب “الجنس الأول Le premier sexe”( ) زيادة مبيعات مستحضرات التزيين المعدة للرجال، ويضيف أن خُمُس الرجال الفرنسيين صاروا يستعملون مستحضرات إزالة الشعر (épilation) من الجسم).
بل ذكر استطلاع رأي لموقع فرنسي( )، أن 6 من أصل 10 من الرجال المستجوَبين يتمنّون معرفة متعة الأمومة، وأن من الظلم كونهم محرومين من تجربة الحمل والولادة!
وبعد التذويب “العملي” للفروق بين الجنسين، لا بد للعلم “المؤدلَج” أن يواكب المهزلة، فيأتي التذويب “العلمي” من طريق نظرية “الجندر”، التي تنفي الفروق البيولوجية، وتَحمِل ثقل التفريق كله على كاهل التربية والمجتمع!
ولغياب الفوارق بين الجنسين، أثر مباشر على مؤسسة الزواج من وجهين:
أولهما: التزهيد في الزواج التقليدي، الذي يبحث فيه الرجل عن امرأة تزينُ رجولتَه بأنوثتِها، والمرأةُ عن رجل يحمي أنوثتَها برجولتِه.
والثاني: فتح الباب أمام “الزواج المثلي”، إذ لم يعد هنالك فرق مؤثر بين ارتباط شخصين من جنسين مختلفين، وارتباط شخصين من جنس واحد!
وفي الركن الثاني، تعدّ الأسرة التقليدية المكان الطبيعي لإنجاب الأطفال، في إطار من المسؤولية الواجبة.
ومع الغرب الحداثي، ما بقي إنجاب ولا مسؤولية!
وقد بدأ الأمر بتوسيع دائرة تحديد النسل، وجعله -عن طريق الوسائل العصرية- في يد المرأة لأن ذلك حق من حقوقها الفردية الثابتة. ومن الواضح أن تنازلَ الرجل عن حق التحكم في الإنجاب، يؤدي إلى تقليل الولادات، لأن المرأة العصرية توازن رغبتَها في الأمومة، رغبةٌ أخرى في حماية جسدها من آلام الحمل والولادة وآثار ذلك البدنية والنفسية!
ولأجل مزيد من تقليل الإنجاب، هنالك الإجهاض..
وقد تم تسويغه في الغرب أيضا تحت شعار “حرية المرأة في التحكم في جسدها”. فالحقوق الفردية لا تناقش في المجتمع الحداثي الفرداني، ولو أفضت إلى اندثاره وهلاكه!
وأما شق المسؤولية، فيكفي فيه تسويغ الولادة من الزنا -أي خارج الإطار المسؤول للزواج- وفتح أبواب الولادة “الاصطناعية” بجميع صورها. وذلك كله ينتج أجيالا من الأطفال الذين يكابدون الحياة دون والِدَيْن، أو دون أب، مع أم تقاوم على جبهتين (خارج البيت وداخله)، فلا تستطيع أن تمنحهم سوى جزء يسير مما تمنحه الأسرة التقليدية، من تربية ورعاية وتوازن نفسي.
وفي الركن الثالث، أدى تأنيث الرجال إلى ضياع السلطة الأبوية داخل الأسرة. مما أنتج أسرا منحلة دون سلطة عليا تتحكم في وضع معايير الخير والشر داخلها، وتحافظ على تماسكها.
ولتعويض ضياع السلطة الأبوية، لجأ المنظّرون -في مجالات الإعلام والأدب والفن- إلى التركيز على قيم الحوار والحب.
لكن الحب سلاح ذو حدين، فتضخيم قيمة الحب -الفردانية- على حساب قيمة المسؤولية واحترام الواجب -الإيثارية-، أدى إلى تسويغ جميع أشكال الخيانة الزوجية بداعي البحث عن الحب “المفقود” داخل الأسرة! وذلك أفضى إلى تصاعد العنف الأسري، وتكاثر حالات الطلاق بشكل مأساوي!
والحوار أيضا سلاح ذو حدين، فتضخيم قيمة الحوار -المائعة- على حساب قيمة الخضوع للأوامر والقواعد -القاطعة-، أدى إلى توق الأطفال إلى تأكيد شخصيتهم الذاتية في مواجهة الآباء، ثم إلى تنامي تمرّدهم على الأبوين والأسرة بتواطؤ إجرامي من المجتمع والدولة، ثم أخيرا إلى تمردهم على جميع القيم التقليدية التي تمثلها الأسرة ويدعو لها الأب التقليدي.
لوحة كارثية، يَتعب القارئ المستقيم عند مشاهدتها، فضلا عن عيش تفصيلاتها..
أليس كذلك؟!
فليعلم القارئ أن هذه اللوحةَ الكئيبة الموجودة اليوم في الغرب هي ما ينتظر مجتمعاتِنا المطمئنةَ إلى عقلية القطيع، والمغرقة في التقليد واجترار خيبات الآخرين..
والحاجز الوحيد الذي لا يزال قادرا على الوقوف أمام هذا السيل الجارف هو الإسلام..
فالمسلمون -وفي طليعتهم “الإسلاميون العاملون”- هم وحدهم القادرون على أن يستحثوا صُبابة الفطرة في قلوب الناس، كي يسترجعوا إنسانيتهم الضائعة..
ولذلك فالأمانة على كواهلهم ثقيلة..
وإذا كان لديك صنبور يسيل منه الماء دون توقف، فإنك تبادر إلى إصلاحه بما يتيسر لك من الأدوات والوسائل، ولست تكتفي بأن تضع المناشف تحته لتجميع الماء وحصره..
فليحذر الإسلاميون الذين اختارهم الناس للإصلاح العميق للأعطال المجتمعية الكبرى، أن يتحولوا إلى مناشف تستر سيلان الماء..
جزاك الله خيرا
حفظك جزاك الله خيرااله ورعاك وسددك
ان بقي هذا الحزب على هذه المواقف سنرسله الى المقبرة الحذر ثم الحذر يا حزب المصباح فانكم خالفتم الوعد اقول لهذه الوزيرة اتق الله