د.الريسوني يكتب: حول أكذوبة فشل التعريب
هوية بريس – أحمد الريسوني
بعد أن حقق فريق فرنسا بالمغرب نصرا كبيرا على المنتخب المغربي في مقابلة: (العربية/الفرنسية في التعليم المغربي)، انطلق أنصار الفريق الفرنكفوني ومشجعوه يرددون منتشين أكذوبتهم المفضلة، وهي: فشل التعريب، الذي أدى بدوره إلى فشل التعليم، وإلى البطالة والتخلف عن ركب الحضارة .. إلى آخر ما يلوكون.
مؤخرا انضم الدكتور خالد الصمدي، وبطريقته الخاصة، إلى فريق المتحدثين عن فشل تجربة التعريب للمواد العلمية.
ومما تميز به حديث كاتب الدولة عن التعريب أمران:
الأمر الأول: أنه كاد أن يجهر بالحقيقة، أو بجزء منها، حين أشار إلى أن السبب الذي “فشَّل” سياسة التعريب هو أن التعريب توقف عند نهاية التعليم الثانوي، ولم ينتقل إلى الجامعة.
الأسئلة الملحة هنا هي: مَن منع التعريب من الدخول إلى الجامعة؟ ولماذا تم هذا المنع؟ ولماذا “فشَّلوا” التعريب بهذه الطريقة؟ وهل هذا يعدُّ فشلا حقيقة؟
وإذا كان سبب تفشيل التعريب هو إيقافه عند التعليم الثانوي، ومنعُه من العبور إلى الجامعة، أفلم يكن واجب خالد الصمدي وحزبه وحكومتهم، هو رفع هذا المانع، وترك التعريب يكمل تجربته ويحقق نجاحه، بدل الإجهاز عليه لفائدة الفرنسية؟!
الأمر الثاني: هو أن الدكتور الصمدي حاول التفريق بين التعريب واللغة العربية، ففشلُ سياسة التعريب في نظره ليس فشلا للغة العربية، التي مدحها وأشاد بقدراتها وصلاحيتها..
والسؤال المحير هنا هو: ما فائدة هذه الإشادة باللغة العربية وقد حكمتم عليها بالإفراغ والإبعاد، مع النفاذ المعجل؟!
ماذا تستفيد اللغة العربية ممن يشارك في ذبحها، ثم يخرج إلى الناس بمدحها؟!
لقد رأينا الناس هذه الأيام يفتخرون بأكباشهم وبجودتها وسمنها، ويحتفظون بصور تذكارية معها، ثم يكون ما يكون..؛ أعني: يمدحونها ثم يذبحونها؟!
الفرق هو أن أصحابنا يذبحون أولا، ثم يمدحون ثانيا!
قديما قال بعض الحكماء: اللهم اكفني شر أصحابي، أما أعدائي فأنا كفيل بهم..
عبد الرحمن
بسم الله الرحمن الرحيم
لحد الآن لم أر طرحا واقعيا للمشكل.
يتعلم التلميذ المواد العلمية باللغة العربية ممزوجة بشرح دارجي/عربي إلى حد مستوى البكالوريا.
تَمّ الاحتفاظ بجميع الرموز و الصيغ الكونية في الرياضيات مثلf(x)=cosx+x²+lnx و …b²-4ac و الكيمياء مثل CH4 و CaCO3…
تَمّ الاحتفاظ بجل الكلمات العلمية بالفرنسية ، مثل كرموزوم …
بموازاة مع هذا ، تلقى التلميذ، أسبوعيا، 5 ساعات في الفرنسية خلال 10 سنوات.
و 4 ساعات للانجليزية، خلال 4 سنوات.
و ساعتان من الترجمة عربية /فرنسية خلال 3 سنوات الشيء الذي لا يذكره أحد.
( لن أتكلم عن ساعات الدعم المؤدى عنها ).
فإذا لم يُفلح كثير من التلاميذ، فلأن المشكل في مكان آخر.
لماذا يقدمون المشكل كأن التلميذ يدرس فقط بالعربية خلال دراسته الأولى ثم يمر مباشرة إلى الفرنسية في الجامعة، أليس هذا خداع؟
إن أذكى ترجمة للعلوم هي التي قام بها المغرب حيث أبقى على الرموز العلمية و المصطلحات ثم الشرح باللغة الوطنية.
في مقابل : كيف يدرس التلميذ المغربي المهتم بألمانيا مثلا ثم ينجح في دراسته رغم أنه لم يدرس الألمانية حتى ذهب هناك فدرسها خلال سنة ثم نجح.
ثم لماذا تلامذتنا من شعب الآداب ليسو في مستوى الآداب؟ أم يجب أن نُفرنس لهم العربية حتى يسموا في اللغة العربية! و لماذا الكثير منهم(شعب الآداب) ليسو في مستوى الفرنسية، أم يجب أن نفرنس لهم الإسلاميات حتى يسمُوا في الفرنسية !
ماذا عن تلامذة البادية؟ ليس لهم من يُعينهم في التحصيل بالفرنسية : أباء أميون، مدرسون أصلا لا يجيدون الفرنسية و لو ثلثها. ستكون إبادة جماعية في حقهم. من يتكلم عنهم؟ لا أحد !
إنه إقصاء مسبق في حقهم الآن قبل أن يتظاهروا بشهاداتهم أمام البرلمان بعد سنة 2030 ( يذكرنا هذا بقصة إبادة الأطفال الذكور لبني إسرائيل مسبقا).
ألا نثق في الاحصائيات : أكثر من 70 في المائة من النجاح في البكالوريا اليوم مقابل 10 قبل التعريب !
المشكل الحقيقي هو أنه ليس هناك آفاق تُحفز التلميذ على التعلم. ثم إن المشكل عالمي. لم يعد يُقبل الشباب على الدراسة في مقابل ملذات الحياة ووسائل الترف التكنولوجية …
و لأجل هذا تحاول فرنسا فرض لغتها،عبر أذنابها، حتى تحصل على طلبة ممتازين من المدارس العليا المغربية
( (Maths supمثلا ، واللذين سيملئون الأماكن الشاغرة هناك.
الحل: الإبقاء على العربية كلغة تعليم العلوم.
إعطاء معامل 4 لامتحان الترجمة.
تغيير المناهج، و إدخال المعلوميات بشكل مكثف.
ضبط عملية التوجيه إلى الشعب العلمية.
إرجاع نظام تكوين الأساتذة في المدارس العليا.
الانجليزية …
حذف ساعات الدعم المؤدى عنها، و تعويضها داخل المؤسسات الرسمية ثم مراقبتها من طرف مفتشين…
في كل المجتمعات الواعية حضاريا -ليس بالضرورة القوية اقتصاديا وعسكريا أو الشاسعة المساحة أو الكثيفة السكان – تعاش كل الحياة الجماعية والفردية وفق اللغة الوطنية من الخطاب اليومي المنطوق إلى لغة الادارة وانتاج العلم وتطبيقاته. فقط في المجتمعات المتخلفة حضاريا والمشوّهة ذهنيا ولسانيا، بسبب من إحتلال أجنبي أو مثيله، تجد حياتها ممزقة بين لسانها الوطني وألسنة أجنبية. إن كنس لغة المحتل الفرنسي من الأذهان والألسن والأذواق والادارة والتعليم والفضاء العام في ربوع المغرب العربي لهو أحد أهم شروط استكمال الاستقلالات والانطلاق في التنمية الأصيلة. وإن هذا الكنس لا ينبغي أن يكون باستبدال لغة المحتل بلغة أجنبية أخرى ولو كانت الأوسع استعمالا في العالم مثل الانجليزية اليوم. إن المطلوب هو تسييد اللغة الوطنية في كل مجالات الحياة بتصميم وحرص دائبين والوقوع في أخطاء في قطاع ما أو مرحلة ما وارد لكنه لا ينبغي أن يكون مبررا للنكوص والارتداد إلى لغة المحتل أو لأي لغة أجنبية أخرى. أما مسألة تدريس اللغات الأجنبية ذات الاستعمال العالمي الواسع في مراحل التعليم فينبغي أن تختار على أساس حاجة البلد لمجتمعاتها ودرجة انتشار ها خارج حدودها ويجب أن تعلّم كلغات فقط بمقررات أصيلة وفق مناهج وأساليب تدريس أصيلة تحمي الدارس من التشوهات الذهنية واللسانية حتى لا تصبح نظام تفكير وتعبير بديل عن العربية ويجب ألا يكون البدء في تدريس أي لغة اجنبية قبل نهاية المتوسطة الاعدادية. وبما أن انتاج المعرفة وتطبيقاتها في مختلف الحقول والتخصصات الفرعية يتم اليوم بدرجة أولى باللغة الإنجليزية فمن تحصيل الحاصل أن يكون ضمن المقرر العربي لكل علم من العلوم الطبيعية حزمة مصطلحات و معادلات ذلك العلم بالإنجليزية. إن التعلّل بصعوبة إنجاز مقررات تعليمية بالعربية في مختلف تخصصات العلوم الطبيعية والطبية والاقتصادية لكل المراحل هو تعلل واه وماكر وخبيث يحركه أعوان الاحتلال وأوتاد التخلف الحضاري لأمتنا. إن العربية بشهادة كل مختصي اللغات في العالم هي اللغة الأثري بعدد مفردات أصلية يفوق 12 مليون – دون احتساب الاشتقاقات- وتليها الانجليزية ب 600 الف مفردة أصلية فقط. والأدهى من الكل ان عرب اليوم لا يستعملون من مفردات لغتهم إلا العشر وحين لا يجدون مصطلحا ما أو مفردة ما عوض التعرف على احتياطي لغتهم تنصرف عقولهم إلى لغات محتليهم. إن لغة المحتل الفرنسي الذي خرب الهوية الحضارية للمغرب العربي و لا يزال لا تزيد مفرداتها الأصلية عن 145 ألف مفردة وبالكاد تجد فيها المفردة المناسبة لمعنى ما ولكنه الانهزام النفسي والحضاري للتبّع والمصلحة الخسيسة لمن اختاروا العمالة. الخلاصة؛ إن الإقلاع الحضاري والتقدم الفكري والمادي في كل تجارب أمم الإنسانية لم يكن ولن يكون إلا بنظام تفكير وتعبير أصيل وهذا ما حسمته سريعا بلدان مثل الصين وكوريا ثم تركيا وحتى كيان الاحتلال الصهيوني اللفيف المجموع بإرادة غربية من كل جهات الأرض.