د.الصمدي يكتب: الثور الهائج
هوية بريس – د.خالد الصمدي
خلق الله الانسان وخلق فيه على سبيل الاختبار والابتلاء كل الرغبات والنزوات والشهوات فقال تعالى “زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والانعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب“.
وهي شهوات خلقت في الانسان فطرة وغريزة لتدفعه بحكمها إلى خوض غمار الحياة والإقبال عليها حد التضحية والمغامرة.
ومن هذه الشهوات شهوة السلطة وحب القيادة للسيطرة، وشهوة المال للغنى، وشهوة الجنس لاستمرار النوع، وشهوة القوة الصحية والبدنية للبقاء وغيرها.
لكن الله تعالى وجهه هذه الشهوات كلها وهذبها بالرسالات حتى تصرف في إقامة العمران، ولا تتحول معها الحياة الى الخراب والخسران، كما هو حاصل في عصرنا فيما نشاهده من حروب ومآس بأم أعيننا، حين انفلتت هذه الشهوات من عقالها فتلقفتها الدول والمؤسسات والشركات العابرة للقارات فأجلبت على الناس بخيلها ورجلها، لتحولهم مع عروضها المتنوعة الى ثور هائج، حين انهارت منظومة القيم التي تحفظ الميزان.
وقد تأملت في سير ورسالات بعض النبيئين المرسلين في الذكر الحكيم، فوجدت أن الله تعالى بعثهم خصيصا لتهذيب وتشذيب هذه الشهوات الأربع حتى لا تتسلط وتتغول.
وقد خضع هؤلاء المرسلون الموجهون لهذه المهام الجسام الثقيلة إلى دورات تدريبية دقيقة نفسيا وعقليا وبدنيا مكنتهم من أداء مهامهم على أكمل وجه في كسر هذه الشهوات والحد من مؤشراتها التصاعدية، وتوجيهها الوجهة السليمة.
فقد خضع سيدنا موسى عليه السلام لدورة تدريبية طويلة وقاسية من الولادة الى قصر فرعون، ومع الخضر عليه السلام مكانته من النجاح في كسر شهوة السيطرة والقوة والسلطان المتمثلة في فرعون وملإه.
وخضع سيدنا يوسف عليه السلام لدورة تدريبية قاسية منذ الطفولة مع إخوته وفي قصر العزيز أهلته لكسر سلطان شهوة الجنس وغريزته، فنال الرفعة والعزة حتى رفع أبويه على العرش.
وخضع سيدنا سليمان عليه السلام لدورة تدريبية في إدارة ما سخر الله له من المال والجاه والكائنات، فبلغ حكمه الآفاق فما تكبر ولا اغتر فجاءت إليه ملكة سبأ بعرشها وصولجانها وممتلكاتها مستسلمة صاغرة، وبقي هو متواضعا شاكرا رغم غزارة ماله واتساع سلطانه.
وخضع سيدنا أيوب عليه السلام لدورة تدريبية صحية قاسية نجح معها في كسر شهوة قوة البدن بالصبر على الابتلاء حتى إذا شفي حمد وشكر.
وخضع سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين من خلال أحداث سيرته العطرة لهذه الدورات التدريبية برمتها فنجح في أن يكون نموذجا في التعامل مع كل هذه الشهوات ورسم منهاجا للتعامل معها بتقوية الايمان وحفظ العمران ، فقاد الإنسانية -إلا من أبى- إلى بر الأمان،
وما أرى العالم اليوم إلا ضحية هذا الثور الهائج، حين اختل ذلكم الميزان.
ما مصير خريجي 25 الف اطار