د. الناجي لمين يكتب حول حكم: مصافحة المرأة للأجنبي
هوية بريس – د. الناجي لمين
أحزنني أمْرُ تلك الفتاة المسكينة التي امتنعت من مصافحة مسؤؤل غربي، حيث انهالت عليها عبارات الإنكار من بعض إخوانها المغاربة. وبعضُ الأساتذة ادَّعوا أن ذلك عادة، وليس من الدين في شيء، مع أنه لا يوجد مَن يخالف مِن علماء المسلمين عبر التاريخ في أن لمس الأجنبية لا يجوز. إلا أنهم جعلوا ذلك من الصغائر، ما لم يواظب عليه الشخص، لأن المواظبة على الصغائر والإصرار عليها تصبح من الكبائر.
وقد جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “أني لا أصافح النساء”. قال ابن عبد البر في التمهيد: “في قوله (إني لا أصافح النساء) دليل على أنه لا يجوز لرجل أن يباشر امرأة لا تحل له، ولا يمسها بيده ولا يصافحها”.
وروى ابن عبد البر مِن أكثر مِن طريق أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا بايع لا يصافح النساء إلا وعلى يده ثوب.
وروَى مِن أكثر من طريق أيضا عن عائشة في بيعة النساء قالت: “ما مَسَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده يدَ امرأة قط، إلا أن يأخذ عليها، فإذا أخذ عليها فأعطته، قال: “اذهبي فقد بايعتك”.
وقال أبو الوليد الباجي في المنتقى شرح الموطأ: “وقوله -صلى الله عليه وسلم-: «إني لا أصافح النساء» يريد: لا أباشر أيديهن بيدي، يريد -والله أعلم- الاجتنابَ، وذلك أن مِن حُكم مبايعة الرجال المصافحةَ، فَمنعَ مِن ذلك في مبايعة النساء، لما فيه من مباشرتهن”.
وقال ابن حجر في هذا الحديث أيضا: “وفي الحديث أن كلام الأجنبية مباح سماعه وأن صوتها ليس بعورة، ومنع لمس بَشَرة الأجنبية من غير ضرورة لذلك”.
وقال القسطلاني: “(إِنِّي لَا أُصَافح النِّسَاء) أَي لَا أَضَع يَدي فِي يدهن بِلَا حَائِل”.
قال النووي في شرح صحيح مسلم: “فيه أن بيعة النساء الكلامُ من غير أخذ كف، وفيه: أن بيعة الرجال بأخذ الكف مع الكلام… وأنه لا يمس بشرة الأجنبية من غير ضرورة، فإن كان ضرورة كَطِب وحِجامة وقلعِ ضرس وكحل عين ونحوها ما لم توجد امرأة تفعل ذلك، جاز للرجل الأجنبي فيه للضرورة”.
أما بالنسبة لمتون المذاهب الأربعة التي عليها المُعَول عند المسلمين، فقال عليش المالكي في منح الجليل شرح مختصر خليل: “ولا يجوز للأجنبي لمس وجه الأجنبية ولا كفيها، فلا يجوز لهما وضع كفه على كفها بلا حائل”.
وقال المرغيناني الحنفي في الهداية: “(ولا يحل له أن يمس وجهها ولا كفيها وإن كان يأمن الشهوة) لقيام المُحَرَّم وانعدام الضرورة والبلوى، بخلاف النظر؛ لأن فيه بلوى.. وهذا إذا كانت شابة تشتهى، أما إذا كانت عجوزا لا تشتهى، فلا بأس بمصافحتها ومس يدها، لانعدام خوف الفتنة”.
وقال النووي الشافعي في روضة الطالبين: “حيثُ حَرُم النظر، حرم المس بطريق الأولى، لأنه أبلغ لذة”.
وفي كشف القناع عن متن الإقناع للبهوتي الحنبلي: أن محمد بن عبد الله بن مهران قال: “سئل أبو عبد الله (يعني أحمد بن حنبل) عن الرجل يصافح المرأة قال: “لا”، وشدَّد فيه جدا”.
فكيف يتجاسر جَمْعٌ من الشباب ويقولون إن تحريم المصافحة ليست من الدين، وها هو فِعلُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشرحُ العلماء له، وها هو كلام المذاهب الأربعة؟
هل يدرك هؤلاء الشباب أنهم واقفون على أبواب جهنم المفتوحة؛ لأنهم ينطقون بما لا يفقهون من أمر دين الله؟
أِلهذه الدرجة تضخم في أذهاننا الإنسان الغربي، بحيث صرنا نُنكر على مَن لم يسايره في عاداته وتقاليده، حتى وإن كان ذلك يمس حريته الشخصية ويخدش في أحكام دينه..
واهِمٌ مَن يظن أن الدروس المختصرة المبتورة التي دَرسها في حصص شعب الدراسات الإسلامية أن يتكلم في دين الله بالتحليل والتحريم. إن شعب الدراسات الإسلامية أنشئت في المغرب لغرض تَعرُّف طلبتها على الثقافة الإسلامية وأخذ نظرة عامة على العلوم الشرعية، ولم يكن الغرض منها تخريج “علماء مجتهدين”، يخالفون الأولين والآخرين.
يا إخواننا: هذا هو الدين الموروث منذ عهد الصحابة إلى اليوم، فلو تركتموه جانبا كما تركه غيرُكم واخترتم قيم الحداثة الغربية ربما قد لا نلومكم؛ لأن ذلك اختياركم وحريتكم، أما أن تُطوِّعوا أحكام الشريعة للحداثة فهذا هو الأمر المرفوض.
والله أعلم.