د. الودغيري يعلق على خبر تعريب النشرة الإنذارية لأحوال الطقس: وفي ذلك عِبرة
هوية بريس – د. عبد العلي الودغيري
بعد جهد جهيد وتدبير وتفكير دام قرابة سبعين عامًا من ″الاستقلال″، وصلت حكومتنا السعيدة إلى الاقتناع بضرورة تعريب النشرة الإنذارية لأحوال الطقس.
وبغض النظر عن كثير مما قيل أو يمكن أن يقال في التعليق على هذا الخبر الذي زّفَّه السيد رئيس الحكومة إلى عموم المواطنين مفتخِرًا به كواحد من أعظم مُنجزات ولايته، وعن الطريقة التي استقبَلت بها مواقعُ التواصل الاجتماعي هذا ″ الإنجاز″ الذي لم يجرؤ عليه أحد من قبل رغم بساطته، فإن انتباه الحكومة بعد أن تكرَّرت حوادثُ المياه الجارفة التي ذهبت بعشرات الضحايا وممتلكاتهم قبل بضعة أيام، إلى أهمية استعمال اللغة الوطنية في توعية المواطنين وتحذيرهم من كل المخاطر التي تُهدِّدهم، لهو في نظري، حدَثٌ يستحق التوقّف عنده من الناحية التي أريد الحديث عنها.
فلعل في ذلك عِبرةً لمن يعتبر.
إذا كان المسؤولون -أو بعضُهم على الاٌقل- قد فهموا الآن ، أن استعمال العربية في مجتمع معرَّب في غالبيته العظمى، مفيد جدا في مجال التحذير من مخاطر التغيّرات الجوية في البر والبحر وما قد تُنذِر به من كوارث، فلماذا لا يفهمون أن استعمال اللغة الوطنية مفيد أيضًا بدرجة كبيرة في نشر الوعي الصحي والبيئي والوقاية من سوء التغذية والأمراض والأوبئة، وغير ذلك من الأمور المتعلقة بحياة الفرد والمجتمع في كل أحوالها، أكثر من أية لغة أجنبية، كما هو مفيد في تحسين مستوى التواصل بين الإدارة والمواطنين عكس ما نراه في الحياة اليومية من إصرار مختلف المصالح على مخاطبة المواطنين بالفرنسية في مراسلاتها ووثائقها الرسمية، ومفيد بكل تأكيد في حفظ حقوقهم ومعرفة واجباتهم، خلافًا لما يجري به العمل اليوم من إلزام الناس في كثير من الحالات بتوقيع أوراق وعقود تترتّب عليها واجباتٌ والتزامات لا يعرفونها وتلحق الضَّرر بهم لا محالة لأنها مكتوبة بلغة لا يفهمونها؟
اقرأ أيضا: العثماني يشيد بإصدار أول نشرة جوية إنذارية باللغة العربية في تاريخ الأرصاد الجوية
ولماذا لا يخطر ببال المسؤولين أن من أحد الأهداف المتوخّاة من وراء استعمال اللغة الوطنية في تدريس كثير من العلوم بالعربية كعلوم الصحة وما يتعلق بها، من صيدلة وتمريض وتطبيب وتوليد وتنشئة، وعلمي البيئة والمناخ وما يتعلق بهما، وعلوم الفلاحة والزراعة والبيطرة والتغذية والكيمياء والصناعة والتجارة والاقتصاد … وغير ذلك من العلوم اللصيقة بحياة الإنسان اليومية، هو تعميم المعرفة على أوسع نطاق ورفع نسبة الوعي الشامل في كل المجالات مما يعود علينا جميعًا بفوائد لا تُعدُّ ولا تُحصى. وانتشار قاعدة الوعي والمعرفة في أوساط المجتمع بهذه الطريقة، هو الذي يرفع وتيرة التنمية المجتمعية ويُعجِّل بها، وهو الذي يحوِّل جزءًا مهمًّا من العلوم التي لا يجني ثَمرَتَها إلا مَن درَسَها بلغة أجنبية، إلى فوائد ومعلومات مُبسَّطة، وخبرة يومية شائعة ومتداوَلة بين كل الأوساط، ويُسهِّل على كثير من الناس الولوج إلى المعلومات التي تخصُّهم منها حتى ولو لم يكونوا من المتخصّصين، لأنها مكتوبة بلغة يفهمونها أو يفهمون نسبة كبيرة من ألفاظها.
لذلك كنا وما زلنا نقول: إن التنمية الشاملة (الاجتماعية والاقتصادية) والدائمة لا يمكن أن تحصل إلا بنشر الوعي والمعرفة على أوسع نطاق، وهذا لا يمكن أن يتم إلا بتعميم التعليم الذي لن يتحقق إلا باستعمال اللغة الوطنية الأقرب إلى حياة الناس وعواطفهم وأفهامهم. والنتيجة أنه لا بد من تدريس كل العلوم والمعارف التي تساهم في تنمية الوعي الفردي والمجتمعي باللغة الوطنية. ونحن هنا لا نتحدث عن مستوى البحث العلمي. فالبحث العلمي يُمارَس في مستوى متقدِّم من مراحل التعليم، ويحتاج مُمارِسوه في كل أنحاء العالَم إلى إتقان لغة أجنبية أو أكثر. إنما نتحدث عن التعليم في مستوياته العادية: في الابتدائي والثانوي والمرحلة الجامعية الأولى.
لله درك