د.الودغيري يكتب عن الدور الأمريكي في غزة: لعبة الخَصْم والحَكَم
هوية بريس – د.عبد العلي الودغيري
باليد اليمنى يزوِّد الرجل الأمريكي المريضُ إسرائيلَ بمئة صفقة تسليح بآلاف الأطنان من القنابل والصواريخ وأحدث ما اخترعته عقولُ الشياطين من آليات الفَتْك والتدمير، لمساعدتها في حربها على غزة، ويبعث بخُبرائه وجنوده ومرتزِقته ليحاربوا في صفوف العدو، ويمارس ضغوطه القوية ضد كل دول المنطقة حتى لا تتدخل بأي شكل من أشكال التضامن أو المساعدة ولو بالكلام العاطفي المعسول. وعندما لا يبقى هناك بيت ولا مشْفَى ولا مدرسة ولا ماء، ولا دواء ولا نبات ولا مرعى، إلا أشلاء الآدميّين الملهوفين، يُخرج الحاوي الأمريكي باليد اليُسرى من قُفّة أفاعيه، مشهدًا كوميديّا آخر يمثّل فيه دور البطل المُنقذ من السماء بمناطيد الطحين وعُلَب السردين، أو بقواربه التي ترسو على الشاطئ، زاعِمًا أنها للغَوث والمساعدة، وهي لتهجير السكان وترحيلهم وإفراغ الأرض منهم إسعافًا لجيش الاحتلال كي يُكمِل في أريحية تامة مهمة الإبادة الجماعية وبقيةَ مخطّطه في توسيع المستوطَنات والاستحواذ على ما سلَبَه مرةً أخرى من أوطان الشعب المطرود.
وبلا حياء، يلبس جبةَ القاضي ليقف وسط المتفاوضين، ويدعو الإعلاميّين ليأخذوا له صورة مكبَّرة وهو يرفع غصن الزيتون، ويتوسط طاولة التحكيم بين القاتل والمقتول والظالم والمظلوم، رغم أنه لم يجرؤ يومًا على رفع سبّابته في وجه المُجرِم المعتدي ليقول له ولو مجازًا وتلميحًا: أسأتَ واعتَدَيت. بل عادةً ما يَغمرُه مدْحًا ومُلاطَفةً حين ينعته بصاحب الشرعية في الدفاع عن نفسه وصاحب الحق في البقاء والوجود دون غيره. أما صاحبُ الأرض الذي أَبَى إلا أن يموت دون أرضه وماله وعِرضه، فهو على الدوام منعوتُ ب(المخرّب) و(الإرهابيّ) و(المتطرِّف) من دون أن تُسمَع منه كلمةٌ أو تُقبَل حجة أو شهادة أو يسمح له بالإدلاء بتصريح، أو يشفع له شيءٌ مما يجمعه بالإنسانية.
بَرَع الصهاينة في تقمّص دور الجلاّد والضحية باحترِافية عالية، واستطاعت إدارة الكُوبُوي، منذ نشأة إسرائيل، أن تجمع هي الأخرى، في مشاهد هَزْلية سخيفة وبفَجاجة فاضحة، بين دور الخَصْم والحَكَم. هذا التأليف بين النّقيض ونقيضه أمر يبدو من الصعب وجودُه في شخصية طبيعية سليمة العقل والنفس، مفطورةٍ على قيَم العدالة والحقّ، لكنه يبدو سهلاً على كل الذين تخرّجوا بمدرسة أفلام رُعاة البَقَر الشهيرة بخشونتها وفَظاظة أبطالها، فأصبحوا يفرضون على العالَم القبولَ بهذا السلوك الطائش، والتسليم بهذا الواقع المُضحِكَ المُبْكِي الذي لا يُميَّز فيه بين الصادق والكاذِب وبين صاحب الحق ومُغتَصِبه، والتعايشَ مع هذا الضرب من النفاق الفاحِش والانفِصام النفسي الذي لا يأتي إلا بمثل هذه الأشكال من الألاعيب والحماقات والتراجيديات التي تشبه الكوميديات.