د.بنكيران: ألا يسعنا ما وسع سلفنا الصالح
هوية بريس – د.رشيد بنكيران
◆ من علامة الرشد والبعد عن الاستبداد الفكري والبراءة من سرطان التعصب احترام قول المخالف في مسائل الفقه الظنية، وقد حاز المذهب المالكي العلامة الكاملة حينما قرر دليل مراعاة الخلاف وعمل بمقتضاه.
◆ والاختلاف في المسائل الظنية ضرورة كونية وشرعية، فلو أراد الله جل جلاله من عباده عدم الاختلاف لما خلقهم بقدرات معرفية متفاوتة ومدارك غير متساوية، ولا جعل كذلك بعض نصوص الوحي المتعبد بها ظنية محتملة تختلف فيها العقول والأنظار. وقد رأينا الاختلاف في مسائل الفقه الظنية بين أهل المذهب الواحد فضلا عن المذاهب الأخرى، وهي حقيقة أخرى واقعية تؤكد أن جمع الناس على التدين بقول واحد أقرب إلى المستحيل.
◆ ومن خالفك لدليل جزئي ترجح لديه في فرع فقهي فإنه في الحقيقة موافق لك؛ لأنكما متفقان على أنه لا يجوز عبادة الله إلا بدليل، فأنتما متفقان في الدليل الكلي -وهو الأهم- وإن اختلفتما في الدليل الجزئي، ومتفقان في الأصل وإن اختلفتما في الفرع.
◆ قضية المسح على “التقاشر” بينت أن كثيرا من المتشرعة من كلا الفريقين المختلفين بعيدون عن أدب الخلاف رغم أنك قد تجد منهم من يدبج العبارات في الخلاف وآدابه، لكن عند التطبيق تقع الغفلة ويتسع الخرق.
أفلا يستقيم في ديننا وتديننا حتى وإن اختلفنا في مسائل فقهية ظنية معدودة أن يحترم بعضنا بعضا، ويعترف بعضنا لبعض بالأحقية في الوجود، ولا يستعلي بعضنا على بعض، ولا يستبد بالرأي.
للأسف، رغم أننا نتفق في الكثير الكبير، ونختلف في القليل الصغير، وقع الكثير منا في الاستقطاب المذموم والتدابر والتنابز الذي نهانا عنه الدين.
وما حز في نفسي أكثر، هو غياب الرحمة فيما بيننا في الظروف العصيبة التي يمر بها أهلنا في أرض العزة والصمود، والانشغال عنهم وهم في أمس الحاجة إلينا…
اللهم دبر لنا فإننا لا نحسن التدبير، وهيئ لنا من أمرنا رشدا، واجعلنا متحابين فيك ولك غير متدابرين.
اللهم انصر إخواننا في أرض العزة والصمود.