د.بنكيران: إن لم تبك في صلاتك فتباكى لعل الله يمن عليك بقلب يبكي من خشية الله
هوية بريس – د.رشيد بنكيران
قـلّ في الناس البكاء في الصلاة، فأصبح نادرا ما تصادف باكيا بقربك وأنت تصلي، فهل قست القلوب أم رفع الخشوع؟
من علامات الخشوع في الصلاة أن تذرف الدموع صدقا وأنت تصلي لله، وقد رغب الشرع في الخشوع في الصلاة، واهتم العلماء بذلك فألفوا كتبا وصنفوا أبوابا تدعو للخشوع في الصلاة والبكاء فيها، من ذلك ما جاء في كتاب الترغيب والترهيب لأبي محمد المنذري (المتوفى: 656 هـ)، فقد بوب في كتابه باب “الترغيب في البكاء من خشية الله تعالى”، وذكر جملة من الأحاديث النبوية وآثار الصحابة التي تشهد لذلك، من بينها:
ـ قوله عليه الصلاة والسلام: “عَينان لا تَمَسهما النارُ: عينٌ بكَتْ مِنْ خشْيَةِ الله، وعينٌ باتَتْ تحْرُسُ في سبيلِ الله”.
ـ وقوله عليه الصلاة والسلام: “لا يَلجُ النارَ رجلٌ بكَى مِنْ خَشْيَةِ الله حتى يعودَ اللَّبَنُ في الضِّرْعِ، ولا يجْتَمعُ غبارٌ في سبيلِ الله ودُخانُ جَهنَّمَ”.
قلت: دل الحديثان على أن البكاء من خشية الله سبب من الأسباب التي تمنع صاحبه من الولوج في النار، وقد جاء ذكر البكاء مطلقا من غير قيد بعبادة من العبادات أو طاعة من الطاعات، ومن جملة العبادات أو الطاعات التي يمكن أن يصحبها بكاء الخاشي فيها قراءة القرآن الكريم وسماعه، أو تذكر الموت وأحوال القبور ومشاهد البعث، أو التوجه بالدعاء الخالص إلى الله، أو مناجاة الله في الصلاة، أو سماع الموعظة البليغة، وغيرها من العبادات والطاعات التي يكون البكاء فيهما أمارة صادقة على تحصيل الخشية من الله في أعلى مقامته.
وإذا كانت مواضع البكاء من خشية الله تعالى متنوعة فإن عبادة الصلاة تعد من أهم المواضع التي تكون محلا لذلك، وقد كان سيد الخاشعين وإمام الخاشين يبكي في صلاته،
فبسند صحيح عن مطرف عن أبيه قال: “رأيتُ رسولَ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلِّي ولصَدْرِه أزيزٌ كأزيزِ الرِّحا مِنَ البُكاءِ”،
وفي حديث آخر صحيح عن عليّ رضي الله عنه قال: “ما كانَ فينا فارِسٌ يومَ بَدْرٍ غيرَ المِقْدادِ، ولقد رأيْتُنا وما فينا إلا نائمٌ، إلا رسولَ الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – تحْتَ شجَرةٍ يصَلي وَببْكي حتَّى أصْبحَ”.
كيف أصل إلى منزلة البكاء من خشية الله تعالى في صلاة التراويح؟
نظرا لكون صلاة التراويح تتضمن طول القيام على غير المعتاد، فإنها تعد من أعظم الوسائل لتحصيل البكاء من خشية الله تعالى ومظنة لذلك، فالمصلي وهو يسمع القرآن الكريم يرتل أحسن ترتيل، ويأخذه إلى مشاهد عظيمة من وعد ووعيد، وترغيب وترهيب، وقصص وعبر، لا شك أنه إذا أصغى بقلبه قبل جوارحه سيتأثر بما يسمع، وخصوصا إذا عرض نفسه وما اكتسبت على كلام الله وحاسبها عما اقترفت من معاصي وأخطاء، فإن ذلك سيدفعه إلى الخشية من الله تعالى ثم البكاء عليه اعترافا بتقصيره وطلبا لعفوه ورحمته،
فإن فعل ذلك ورغم ذلك لم يشعر بالخشية من الله ولم يبك من ذلك فإني لا أرى له حلا إلا أن يبكي لحاله هذا، ويأخذ بنصيحة عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، فبسند صحيح عن ابن أبي مليكة قال: جلسنا إلى عبد الله بن عمروٍ في الحِجْر فقال: “ابْكوا، فإنْ لَمْ تجدوا بُكاءً فتَباكَوْا، لوْ تَعْلَموا العِلْم لَصلَّى أحَدُكم حتى يَنْكَسِرَ ظَهْرُه، ولَبَكى حتى ينْقَطعَ صوْتُه”.
قلت: وما أرشد إليه عبد الله بن عمرو ليس دعوة للتظاهر بما ليس في الباطن كالمنافق، وإنما هو دعوة لحمل الباطن لموافقة الظاهر والتدرج في ذلك ولا ينبئك مثل عارف خبير، حتى يصير البكاء من خشية الله تعالى منزلة إيمانية راسخة في القلب.
شعارنا فيما بقي لنا من صلاة التراويح: فإن لم تبك فتباكى.