د.بنكيران: هل الأخلاق التي يتحلى بها الإنسان فطرية أم مكتسبة؟
هوية بريس – د. رشيد بنكيران
اختلف الناس في هذه المسألة إلى ثلاثة أقوال:
1- الإنسان متخلق بفطرته، وما يتحلى به من أخلاق حسنة فهي هبة من الله سبحانه وتعالى. يشهد لهذا القول:
– قوله تعالى: ﴿لَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَـٰنَ فِیۤ أَحۡسَنِ تَقۡوِیم﴾ [التين]. أي في أحسن تكوين، ووجه الشاهد أن لفظ (تقويم) نكرة في سياق الامتنان فهي تعم جميع أنواع التقويم لدى الإنسان، تشمل تقويمه من حيث الصورة الظاهرة (شكله)، وتقويمه من حيث السيرة الباطنية (نفسه) وتقويمه من حيث القوة المدركة(عقله).
✓ وقوله ﷺ : “كل مولود يولد على الفطرة” أي على الأخلاق الحميدة في قول، فهو مفطور عليها، فإذا رأيت سلوكا غير حميد من الإنسان فهو مخالف لأصل فطرته.
✓ قوله ﷺ في القدسي: “يقول الله تعالى: إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين…” فالإنسان خلق حنفيا مستقيما لكن الشياطين تحرفهم عن الاستقامة إلى الضلالة. ونستحضر في هذا المقام المثل العامي المغربي المشهور: “لي مهدي راه من عند ربي“.
2- الإنسان يكتسب الأخلاق الكريمة بسلوك التربية الحسنة ومجاهدة النفس. ويشهد لهذا القول:
✓ قوله ﷺ: “إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم“، والتحلم هو تكلف الحلم وحمل النفس عليه ومعاودة ذلك حتى يصبح للمرء سجية. ويقاس على خلق الحلم جميع الأخلاق الكريمة التي يمدح صاحبها، فالصبر بالتصبر، والكرم بالتكرم، والحياء بالاستحياء، وهكذا..
✓ عموم النصوص الشرعية التي تدعو المكلف إلى التخلق بالصفات الحميدة واكتسابها، وهي كثيرة من بينها: {وَمَن یُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ﴾ [الحشر]. فلو كان الإنسان غير قادر على التخلي عن شح النفس والتحلي بالكرم لكان تكليفا بما لا يطاق، وهو محال.
✓ دليل الواقع؛ والمقصود به ما نراه من أثر التربية الحسنة على سلوك النشء، فقد ثبت بلا مجال للشك فيه أن التربية الحسنة لها تأثير على اكتساب المرء الأخلاق الحميدة. ولا يفوتني أن نستأنس في هذا المقام بالحديث النبوي: “مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ“، فهو يدل على أن حمل الطفل على الصلاة مما يساعده على التعود عليها، فكذلك حمله على التعود على القيم الحميدة يساعده على اكتسابها.
3- الأخلاق الكريمة التي يتحلى بها الإنسان قد تكون هبة من الله له، وقد تكون كذلك بالسعي نحو اكتسابها، أي جمع بين القولين السابقين معا، وهذا أوسط الأقوال وأرجحها؛ لأن فيه الأخذ بأدلة القولين معا وإعمالهما، والإعمال أولى وأحلى من الإهمال.
وبناء عليه، ينبغي للمربي أن يسلك الطريقين معا في تحصيل نشء متأدب بالأخلاق الكريمة.
لكن قد يتساءل أحدنا إذا كان سلوك طريق تربية النشء على القيم الحسنة واضحا وأمرا ممكنا، فكيف يتأتى للمربي سلوك الطريق الأول الذي تقرر فيه أن التحلي بالأخلاق الحسنة هبة من الله، فالله هو الواهب، وهو سبحانه من بيده ذلك والقادر عليه؟
فجواب ذلك أن يكثر المربي من دعاء الواهب سبحانه وتعالى بصلاح النشء ولا يفتر عن ذلك، ويتحين أوقات استجابة الدعاء، فهو جدير أن يحقق ذلك.
من القصص الواقعية الجميلة والمحفزة التي أحب أن أختم بها هذه الخاطرة أنه أخبرني ثقة عن رجل أعرفه وأعرف ابنه، أنه كان يدعو لابنه في كل صلاة منذ ولادته، يقول عن نفسه، كنت أحيانا أقتصر على الدعاء لولدي وأكتفي بذلك .
اليوم، ابنه -تبارك الله- صاحب القراءات العشر، وذو شهادة الدكتوراه في الدراسات الإسلامية، وينتظره مستقبل كبير في العلوم الشرعية ومتخلق بأخلاق عالية، ويغلب ظني أن الابن بلغ ما بلغ ببركة دعاء الوالد.
فأيها الٱباء، أيتها الأمهات، أيها المربون:
استعينوا على تربية النشء كذلك بكثرة الدعاء لهم.