د. حسن الأمراني يكتب عن خبر التحضير لإعدام سلمان العودة والقرني والعمري: هذا بيان للناس
هوية بريس – د. حسن الأمراني
بسم الله
أناط الله بالعلماء القيام بواجب الصدع بالحق في المنشط والمكره، والنصيحة لأئمة المسلمين وعامتهم، والنصرة للمستضعفين. وإنّ ما يشهده العالم الإسلامي من التضييق على أهل العلم والدعوة، من أهل الوسطية والاعتدال، ليوجب على العلماء الدعاة في العالم، وفي بلدي المغرب بخاصة، أن ينهضوا بالرسالة التي كلف الله بها أولي العلم والعزم.
ولأن المسلمين يقوم بذمتهم أدناهم، كما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإني أوجه هذا النداء، بانتظار أن يقوم له من هم أهله، فأنا شاعر، ولا أعد نفسي من العلماء، وعندما لقيت الدكتور سلمان العودة أول مرة بمكة المكرمة، منذ زمن، وكان حديث عهد بالخروج من السجن، وقال صاحبي معرفا بي: “حسن الأمراني”، بادر الدكتور سلمان العودة قائلا، وهو منشرح ومبتسم كعادته: “الشاعر”؟ فلا تستكثروا على شاعر مهمة النصيحة نثرا، بعدما قدمها شعرا على مدى عقود.
يتعرض عدد من العلماء الدعاة للتهديد بتنفيذ عقوبة الإعدام فيهم، على غير ذنب اقترفوه ولا جرم ارتكبوه، إلا أنهم يدعون إلى الله على بصيرة بالحكمة والموعظة الحسنة. ومن هؤلاء العلماء والدعاة سلمان العودة، وموسى الشريف، وعلي بادحدح، وسواهم.
ولقد عرفتموهم كما عرفتهم، وعاشرتموهم كما عاشرتهم، فكانوا مثلا للوسطية والاعتدال، وهم الذين حققوا التوازن في المجتمع، وهم الذين واجهوا التطرف والغلو والتكفير، يشهد لهم بذلك مواقفهم المتعددة، ومنها موقفهم من حركة جهيمان التي سفكت دم الحجاج في الحرم، عام 1400، مثلما فعل أسلاهم القرامطة.
ولقد تحركت منظمات حقوق الإنسان العالمية تطالب بمحاكمة عادلة لهؤلاء الدعاة العلماء، وهم معرّضون في كل لحظة للموت…
أفتكون هذه المنظمات العالمية أكثر غيرة على إخوانكم المظلومين منكم يا أهل الشأن؟ ولقد كان لأسلافكم من العلماء مواقف مشهودة من أحداث مشابهة، ومن ذلك موقفهم من إقدام حاكم مصر على إعدام سيد قطب رحمه الله، حيث تدخل العلماء من أجل وقف تلك الجريمة الشنعاء، ومن هؤلاء العلماء الذين نهضوا دفاعا عن الحق المرحوم علال الفاسي الذي خاطب حاكم مصر من أجل إلغاء عقوبة الإعدام، ولكن الحاكم بأمره لم يستجب لمطلبه، كما لم يستجب لسواه..
وندائي أيضا للعقلاء من حكام العالم الإسلامي، ليتدخلوا من أجل وضع حد لسفك الدماء في بلاد الإسلام، فإن المثل يقول: “الدم ينادي الدم”، وأمتنا لا تحتمل مزيدا من سفك الدماء. وإن من شأن إلغاء تلك العقوبات أن تعيد الطمأنينة إلى النفوس، وتؤذن بالانفراج وإنهاء الاحتقان الذي تعاني منه الشعوب، ويوشك أن يكون له انفجار غير محمود على الجميع. وإن لعقلاء الحكام مثلا في الملك فيصل رحمه الله، الذي تقدم إلى حاكم مصر بملتمس إلغاء عقوبة الإعدام في حق سيد قطب، فما كان من أمر الحاكم إلا أن أمر مقربيه بأن يؤجلوا عرض الالتماس عليه حتى الغد، لينفذ حكم الإعدام في سيد فجرا، وليكون رد الحاكم إنه يأسف لأن الالتماس وصل إليه بعد تنفيذ الحكم. وهذا لم يمنع من أن ينال الملك فيصل حسن الذكر، أما الحاكم بأمره فقد جر على قومه نكبة 67 المعروفة، بعد أشهر قليلة من ذهاب سيد قطب إلى ربه، ثم لحق القاتل بالمقتول بعد أقل من أربع سنين.
وحتى لا يكرر التاريخ نفسه، وتزهق أرواح بريئة، ذنبها أنها سعت إلى إنقاذ إيمان الأمة، ومل تدع لا إلى الخروج على “أولي الأمر”، وإلى حمل السلاح، غير سلاح الكلمة الطيبة في رفق، كما أمر ديننا الحنيف، آن الأوان ليتحرك أهل العلم المخلصون في العالم الإسلامي كله، لتقديم عريضة يوقعها أكبر عدد ممكن منهم، حتى تصير واسعة الانتشار، للكفّ عن جريمة قتل العلماء والدعاة، والتنكيل بهم وبأسرهم بغير وجه حق، وذلك قبل أن يقفوا بين يدي الله عز وجل فيسألون فلا يجدون ما به يعتذرون.
إن من شأن موقف كهذا أن يرد الأمور إلى نصابها، وأن يردع الظالم عند ظلمه، وفي ذلك خير للجميع.
إنني لست أول من يرفع صوته محذرا ، فقد نشر الأستاذ عصام العطار حفظه الله، على سبيل المثال، على جداره ما يلي: (هل هذا صحيح ما ينقل عن التحضير لإعدام سلمان العودة وعوض القرني وعلي العمري بعد شهر رمضان؟ إياكم ثم إياكم يا حكام السعودية أن ترتكبوا هذه الجريمة الفظيعة المنكرة المدمرة).
أما أنا، فأقول ما قاله عبد الرحمن الكواكبي رحمه الله: قد تكون كلمتي هذه صيحة في واد، أو نفخة في رماد، غير أنها في غد قد تذهب بالأوتاد.