د. رشيد بنكيران: زكاة الأوراق النقدية… بأي نصاب تقدر؟
هوية بريس – د. رشيد بنكيران
• تقوم الأوراق النقدية أو المالية اليوم مثل الدرهم المغربي والريال السعودي والأورو الأوروبي وغيرها من العملات مقام النقدين من الذهب والفضة في تثمين الأشياء وعروض التجارة. ولما كان للبدل حكم المبدل فقد وجبت الزكاة في الأوراق النقدية مثل ما تجب في الذهب والفضة بجامع علة الثمينة.
وإذا كان قيمة نصاب الذهب في العهد النبوي يقرب من قيمة نصاب الفضة، فقد تغير هذا الوضع اليوم وعرف سعر الذهب أمام سعر الفضة ارتفاعا كبيرا لا مجال للمقارنة بينهما. وسعيا نحو مزيد من التوضيح:
ففي العهد النبوي كان 85 جرام من الذهب الذي هو نصاب الذهب يساوي تقريبا 595 جرام من الفضة الذي هو نصاب الفضة؛ أي بمعدل لكل 1 جرام من ذهب يقابله أو يساوي 7 جرام من فضة.
أما اليوم ف 85 جرام من الذهب تساوي تقريبا 7380 جرام من فضة بمعدل لكل 1 جرام من ذهب يقابله تقريبا 86 جرام من فضة.
أي تضاعف سعر الذهب أمام سعر الفضة 12 مرة وزيادة ، وترجمته بالدرهم المغربي: فنصاب الذهب تقريبا هو 32300درهم ونصاب الفضة هو 2600درهم.
• ونظرا لعدم وجود نص صريح أو دليل قطعي يُبين حكم البدل عن النقدين من الذهب والفضة أي حكم الأوراق النقدية أو المالية هل تُقدَّر بنصاب الذهب أو بنصاب الفضة، وقع الخلاف بين أهل العلم:
فذهب فريق من العلماء إلى اعتبار نصاب الذهب هو المعيار الأرجح في تحديد نصاب الأوراق النقدية، وممن قال بذلك الشيخ يوسف القرضاوي في كتابه القيم فقه الزكاة، والشيخ وهبة الزحيلي في موسوعته القيمة الفقه الإسلامي وأدلته .
وذهب فريق آخر من العلماء إلى اعتبار نصاب الفضة هو المعيار الأرجح في تحديد نصاب الأوراق النقدية.
• والقول الثاني أولى بالاعتماد للأسباب الآتية:
أولا: ثبوت نصاب الفضة بالأحاديث الصحيحة وإجماع الأمة عليه، بخلاف نصاب الذهب فلم يصح فيه حديث وإن وقع الإجماع على نصابه؛
ثانيا: التقدير بنصاب الفضة فيه إبراء لذمة المزكي بيقين، واحتياط للمسلم لدينه أولى ، بخلاف التقدير بنصاب الذهب لارتفاعه الكبير؛
ثالثا: التقدير بنصاب الفضة فيه توسيع لدائرة المزكين لانخفاض سعر الفضة، والذي سيترتب عنه توسيع العمل بركن من أركان الإسلام الخمس من طرف فئة عريضة من المسلمين، وهي فرصة أن يستفيدوا من الخير المترتب على أداء الزكاة في الدنيا قبل الآخرة، ومن بينها نمو مالهم وزيادة بركته (فما نَقَّصَ مَالَ عَبْدٍ صَدَقَةٌ) الحديث؛
رابعا: التقدير بنصاب الفضة هو أحظ للفقراء وأنفع لهم، وهو أمر أولى بالاعتبار مما يؤدي إلى خلافه؛
خامسا: التقدير بنصاب الفضة ليس فيه ضرر على أحد، لأن أقصى ما يترتب عن الأخذ بهذا القول؛ هو أن مَن ملك قيمة نصاب من الفضة بسعر اليوم (2600درهم) سيخرج ما قيمته 65درهم، وهذا المبلغ لن يؤثر على من أدى الزكاة ولو كان ماله كله هو ما قيمته نصاب من الفضة؛
سادسا: اتفاق جمهور العلماء على وجوب الزكاة في عروض التجارة ـ أي في السلع المعدة للبيع ـ إذا بلغت نصابًا باعتبار أقل النقدين قيمة من الذهب أو من الفضة، وهو في وقتنا المعاصر هو نصاب الفضة؛
• اعتراض ودفعه:
الأول:
قد يقول قائل: أوجب الشرع الزكاة على الأغنياء. وهل من ملك 2500 درهم اليوم يعتبر غنيا !؟، فبيقين أنه ليس غنيا، فكيف نوجبها على هذا الصنف من المسلمين ؟؟؟
وجوابا على هذا الاعتراض أقول: الغنى المطلوب في باب الزكاة ليس هو الغنى الذي ينتشر مفهومه في عرف الناس، فهذا الأخير لا حد له ولا ضابط، ويشهد لهذا الفرق بين مفهوم الغنى في باب الزكاة وفي غيره أن الشرع أوجب الزكاة على الفلاح الذي حصد خمسة أوسق من قمح فصاعدا ؛ أي ما تقديره بالوزن 652 كيلو، وقيمته بالعملة المغربية 3260درهم بسعر اليوم، فما يقال لهذا الفلاح الذي تجب عليه الزكاة بالإجماع يقال عمن ملك 2600درهم، وإذا وجبت الزكاة على هذا الفلاح فما يمنع أن تجب الزكاة على التاجر الذي بلغ نصابا قدره 2600درهم، فهما متقاربان من حيث المستوى الاجتماعي.
والثاني:
بيّن الشرع أن الزكاة تعطى للفقراء ، وتصنيف من يملك 2600درهم من جملة الأغنياء الذين تجب عليهم الزكاة سيحرم هذا الصنف من أن يكونوا من آخذي الزكاة، وحقيقة من يملك ذاك المبلغ هو من معدود من الفقراء ! ؟.
وجوابا أقول: الذي يملك مبلغ 2600 درهم سنة كاملة، ولم تلجئه ضروريات الحياة ولوازم العيش إلى أن ينفق ذلك المبلغ، بمعنى أنه أنفق على نفسه وعلى من يعول وبقي المبلغ محفوظا لديه ،فحقيقة هذا الإنسان أنه مستغن عن ذلك المبلغ. هذا من جهة، ومن جهة أخرى أنه لا مانع شرعا أن يزكي المسلم إذا وجبت عليه الزكاة، ويأخذ الزكاة إذا كان محتاجا مستحقا لها.
• خلاصة:
لا يخفى على أحد أن مبلغ 2600درهم بالعملة المغربية هو مبلغ متواضع جدا، والحديث عنه باعتباره نصابا لمن تجب عليه الزكاة قد يراه البعض غير مستساغ أمام الواقع المعيش. ولكن، نحن أمام وضعين اثنين لا ثلاث لهما، إما أن نعتبر قيمة نصاب الذهب (=32300درهم)، أو نعتبر قيمة نصاب الفضة (=2600درهم)، والقول الأخير أولى لأسباب التي سبق بيانها. والدعوة إلى إحداث قول جديد غير مسبوق فيه مخاطر كبيرة قد تفضي إلى الاستهانة بشريعة الزكاة، والتي أصبحت ـ للأسف ـ متروكة لإيمان المسلمين فقط وموكولة إلى ضمائرهم، ولا حارس لها كما هو المفروض شرعا. ولهذا، كان فتح باب تغيير الموروث في هذه المسألة هو الإقدام على مزيد من الاختلاف دون مصلحة راجحة، ومع كثرة الأهواء ـ كما هو ملاحظ ـ لن تحصل الأمة على شيء يذكر سوى فقدان الناس الثقة بالدين.
• وبناء عليه:
فمن ملك مبلغا ماليا قدره 2600درهم فما فوق، ومر عليه عام هجري، أي لم ينفقه وبقي عنده سنة كاملة يكون مخاطبا بالزكاة وتجب عليه الزكاة لأنه ملك قيمة نصاب من الفضة ومر عليه حول. ومن لديه عروض تجارة؛ أي سلع معدة للبيع بقيمة 2600درهم فما فوق، ومر عليها عام هجري كامل يكون كذلك مخاطبا بالزكاة وتجب عليه الزكاة بشروطها. والقدر الواجب إخراجه هو ربع العشر من المال (2.5%).
والله أعلم.