د. رشيد بنكيران يكتب: الفرق بين المظاهرة والخروج على الحاكم
هوية بريس – د. رشيد بنكيران
الخروج على الحاكم له أوصاف معلومة في الشرع، يجمعها أمران؛ الاول :منابذة ما اتفقت عليها الأمة والثاني : حمل السلاح عليها…
والمظاهرة ليس من هذا القبيل، وليس لها حكم واحد في الشرع، لأنه لم يأت نص شرعي يتعرض لها بالجواز أو المنع، فتبقى على أصل الجواز وينظر إليها باعتبار مآلها، فحكمها يدور مع المصلحة الشرعية وجودا وعدما، فقد تكون واجبة تدخل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وقد تكون محرمة، وقد لا يترجح أحد الأحكام فيكون المناسب هو التوقف.. وما قيل في المظاهرة يقال فيما أصبح يعرف بالمقاطعة.
والذي يحدد حكم المظاهرة أمور وهي:
1- الموضوع الذي لأجله يتظاهر الناس، هل هو مقبول شرعا أم لا ، فإذا كان غير مقبول شرعا فلا يجوز:
فمن غير المقبول شرعا مثلا لو تظاهر مجموعة من الناس للمطالبة بحق الاجهاض دون عذر شرعي فهذا لا يجوز، ومن غير المقبول شرعا كذلك المطالبة بالإطاحة بولي الأمر وتقويض حكمه… فهذا لا يجوز.
ومن المقبول شرعا مثلا لو تظاهر الناس لأجل المطالبة بتحديد السعر بعض المنتوجات الأساسية للحياة، فهذا يجوز، ومن المقبول شرعا لو تظاهرت مجموعة من النساء للمطالبة بتيسير سبل تعدد الزوجات ورفع التعقيدات القانونية المستحدثة والتي هي أشبه بالتعجيز خوفا من العنوسة، أو لأجل جلب الالتفات لهذا المطلب المشروع، ومن المقبول شرعا لو تظاهر الناس للمطالبة بمدارس ومؤسسات تعليمية غير مختلطة، فهذه الأمثلة المذكورة على سبيل التوضيح تبين المقصود أكثر .
2- هل يدخل ضمن الشروط المتفق على جوازها بين الراعي والرعية(أي وجود الأذن بالمظاهرة كما هو موجود في القانون المغربي)
3- أن تكون بفتوى من العلماء الربانيين؛ لأن هم من يحددون درجة تحقيق المصلحة الشرعية أو الموازنة بين المصالح المرجوة والمفاسد المتوقعة، كما أنه على العلماء أن يستعينوا بأهل الخبرات أو التخصص في المجال الذي ترتبط به الفتوى لكي ينقلوا إليهم الواقع كما هو ويتصورونه تصورا سليما فالحكم على الشي فرع عن تصوره، ولا يحق للعلماء أن يستفردوا بتشخيص الواقع دون الرجوع لأهل الاختصاص وأصحاب الخبرة العالية للقصور الذي وقع للعلماء في هذا الباب، فالواقع تعقد كثيرا وأصبح فيه شركاء متشاكسون، لا يستطيع عالم هذا الزمان أن يحيط لوحده بما يؤهله أن يصدر فتوى تستجمع الأركان الشرعية لقبولها وإقامة الحجة على العباد بها دون الاعتماد على من يبصره بالواقع..
——–
فإذا وقع أن اناسا تظاهروا دون التزام منهم هذه الشروط، فقد يقعون في الاثم حسب درجة المفسدة المترتبة على تظاهرهم، ولكن لا يحق أن يطلق عليهم وصف الخروج على الحاكم أبدا.
—–
بعض العلماء يقولون ان المظاهرة لا تأتي بالخير أبدا، وقد يكون كلامهم صحيحا باعتبار التجارب التي مرت، ولكن تعليلهم هذا يدل على أن المظاهرة ليس فيها حكم ثابت أصالة، وإنما الوقائع والتجارب هي التي أفضت إلى ذلك الحكم ، ومن أطلق وصف المنع على المظاهرات باعتبار الغالب عليها فله ذلك وقد أخذ بالاحتياط، واجتهاده يدور بين الأجر والأجرين، ومن خالفه فيما ذهب وتشبث باصل الجواز ثم النظر في مآل كل واقعة فله ذلك وعمله يدور بين الأجر والأجرين كذلك، ولا تبديع ولا تفسيق للفريقين، وإنما هو المجادلة بالحسنى رجاء التصويب، ولكن يجب أن نستثني من أصل الجواز المظاهرة للمطالبة بالإطاحة بولي الأمر لوجود نصوص شرعية تأمر الناس بالصبر على ذلك، وللعواقب الوخيمة بل الكارثية والمفاسد المترتبة على ذلك والتي هي أشبه بالحقائق الثابثة.
ومنهم يقول إن المظاهرة فيها مشابهة بغير المسلمين، وهذا القول منهم في إطلاقه نظر، فليس كل ما فعله غير المسلم يحرم على المسلم فعله أو الاستفادة منه، بل لابد أن ينظر هل هو يدخل في باب المقاصد أو الوسائل، فالتشبه بالكافر في المقاصد ومنها معتقده أو عبادته أو الخلق المميز للكافر عن غيره او عادته التي بها ينعت انه غير مسلم ليس حكمه مثل حكم التشبه في الوسائل، فالأول لا يجوز والثاني يدور مع الأحكام التكلفية الخمسة، وقد استفاد النبي صلى الله عليه وسلم من الفرس فن حربهم لما ذكر له سلمان الفارسي رضي الله عنه حفر الأخدود، واستفاد عمر من منهج الفرس في السجلات أو الدواوين، وبسط هذا الأمر يطول ولا يسعفه هذا الموضع والقصد من هذه الكلمة المتواضعة.
——–
الحاصل أن المظاهرة ليس لها حكم واحد نعتقده دوما، وقد وقع في بعض السنوات الماضية أن تظاهر جماعة من الناس لما أقفلت السلطات دور القرآن، وكانت تلك المظاهرة قد استكملت الشروط المطلوبة، فهل يمكن أن نقول إن تلك المظاهرة كانت خروجا على الحاكم !!؟… لا أبدا.
—–
وأعود واقول مجددا إن الشروط التي يتم التنصيص عليها بين الراعي والرعية وليس فيها ما يخالف الشرع وتم الاتفاق عليها يجب الوفاء بها، ومن لم يف بها فقد أخل بالشرط، والمسلمون عند شروطهم إلا شرطا يخالف شرع الله، فهو باطل.
ورغم ذلك، لا يعني هذا أنه كلما وقع إخلال بشرط دون شرط الوقوع في الكفر المجمع عليه نزع الناس يدهم من طاعة ولي الأمر، فهذا لا يجوز ومخالف للنصوص الشرعية..
ولكن المظاهرة ليس اصلا نزع يد من طاعة، ليس خروجا على الحاكم…
ما يصدر من القضاة أو الوزراء في التعليم والصحة وووو أو رجال الأمن لا ينسب إلى ولي الأمر كما لو أنه هو من فعل …
نعم عليه مسؤولية ما على ذلك دون شك، ولكن لا يحق لنا أن ننسب إليه تلك الأفعال التي يقوم بها المسؤولون ويباشرونها كما لو أن هو من فعلها وقام بها إلا إذا التزمها، فإذا التزمها نلزمه ما التزم .
ولهذا، من حق الناس وخصوصا من له علم ودراية أن يبدي رأيه في بعض الأمور التي تصدر من الوزراء أو القضاة ، وليس في ذلك طعن في ولي الأمر أو الخروج عليه أو نزع يد من طاعة كما يصوره بعض الدعاة.
الواقع تغير بشكل كبير بل هناك فروق جوهرية بين ما كان عليه الأمر في الصدر الأول من حياة الأمة أو في عهد الأئمة الأربعة أو في عهد من جاء بعدهم وبين ما نعيشه اليوم، ولهذا يجب الحذر عند نقل كلام العلماء المتقدمين على سبيل الاحتجاج به الذي يتعلق بواقعهم ، أو نقله على وجه التأصيل.
فالواقع هو شريك في الحكم وليس ذيلا له، بمعنى أن الشرع وإن كان هو المهيمن على فعل المكلف فإن الواقع هو الذي يرشد إلى الحكم الشرعي المناسب لفعل المكلف، ولابن قيم الجوزية كلام بديع وقوي في هذا الموضوع في إعلام الموقعين ، قال رحمه الله:
“لا يتمكن المفتي ولا الحاكم من الفتوى إلا بنوعين من الفهم :
أحدهما : فهم الواقع والفقه فيه واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن والإمارات والعلامات حتى يحيط به علما.
والنوع الثاني : فهم الواجب في الواقع ، وهو فهم حكم الله ورسوله الذي حكم به في كتابه أو على لسان رسوله في هذا الواقع، ثم يطبق أحدهما على الآخر، فمن بذل جهده واستفرغ وسعه في ذلك لم يعدم أجرين أو أجرا، فالعالم من يتوصل بمعرفة الواقع والتفقه فيه إلى معرفة حكم الله ورسوله..”
فجعل رحمه الله تعالى للواقع نصيبا مؤثرا في اختيار الحكم ومرشدا إليه.