د. رشيد بنكيران يكتب عن: إله الهوى والمربع الإباحي
هوية بريس – د. رشيد بنكيران
يقال إن الهوى إله لا عقل له ولا منطق، ولما اتخذه الباطل إلها وحَكماً ومرجعا كان من أظهر مظاهره وقوع التناقض فيه، فلا جرم أن يأتي بالشيء ويأتي بضده، ولا غرابة أن يدعو إلى شيء ويدعو إلى نقيضه، ولا عجب أن يبرم عقـدَ أمر ويبرم حله (كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أَنْكَاثًا)، وذلك مما يضيع الجهود والحقوق، وينشر البغي والفساد. وصدق رب العزة سبحانه إذ قال: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ} [المؤمنون:71].
ولن يختلف عاقلان في أن هذا الباطل يتجلى واضحا في دعاة العلمانية ، وبالضبط فيما اصطلحنا عليه في هذه الكلمة بالمربع الإباحي: محاربة زواج القاصر، الترخيص لإجهاض القاصر، إسقاط حد الإعدام، نسبة ابن الزنا لأبيه البيولوجي.
فهل بين هذه الأربعة رابط؟
فحينما يرفع دعاة العلمانية شعار “الحياة حق مقدس” مطالبين بإسقاط حد القتل على من سلب حياة المقتول، تكاد تراهم أحرص الناس على حياة حتى وإن كان العقل والحق لا يستسيغ إهدار حق نفس مظلومة بتقديس حق نفس ظالمة…
ثم حين ينسفون هذا الشعار بالمطالبة بالترخيص للإجهاض وبتقنينه على أساس أنه حق خاص للمرأة الحامل، ومسألة شخصية تلجها متى شاءت بزعمهم، تتأكد من الخبط واتباع الهوى واللامنطق: فمن اعتبر الحياة حقا مقدسا بالأمس ما لبث أن دعا إلى إزهاق نفس بريئة (الجنين)، وهذه معادلة ضيزى: سَلب حياة المقتول جنينا أو ضحية، وتكريم القاتل مجهضا أو قاتلا.
ويتناسل من هذه العبثية عند دعاتهم تخبط ثالث هو منع زواج القاصر ـ بدعاوى قد نقبل بعضهاـ لأنه جريمة في حق طفلة بزعمهم، لكنهم لا يتورعون من استباحة الإجهاض لها متى ما أرادت ذلك. وهكذا، وبعد أن منعوها من النكاح المشروع، مهدوا لها طريق السفاح المفضوح، فهي قاصر يقصر به الحلال، وقاصر يطول به الحرام…
وتتأكد هذه العبثية مرة أخرى في صورة رابعة، تتجسد في مطالبة أن يُنسب ابن الزنا لأبيه البيولوجي برسم تشريعي، مقوضين بذلك أركان الزواج الشرعي القانوني، فمن أراد تعدد الخليلات ببصمة القضاء فما عليه إلا أن يزني ويفرخ كتاكيت الزنا، وإياك أن تطالب بتعدد الزوجات، فهذه جريمة نكراء يحرمها إله الهوى.
وجوابا على السؤال أعلاه، لا يتردد كل متأمل لبيب لهذه الرباعية وغيرها كثير، في الإقرار بأن فكر دعاة العلمانية ومن تأثر بهم لا يحكمه منطق ولا عقل، وإنما يستحكمه الهوى والشطط والمصلحة الموهومة: فما قد يمسى لديهم مقدسا قد يصبح مدنسا، وما قد يكون عندهم جريمة يستحيل حقا مشروعا، فتناقضاتهم لا تنتهي، وغرائبهم لا تنقضي، وإنما مثلنا بهذا المربع الإباحي للتدليل على أنه ما من رذيلة إلا دعوا إليها، وما من فضيلة إلا حاربوها، فدعوتهم إلى الفساد، وتفلتهم من القيم الإسلامية والإنسانية، وتناقضهم في كلا الضررين هو أيضا مثلث لا تخطئه عين.