د. رشيد بنكيران يكتب: قُــفّــة العيد وزكاة الـفـطر
هوية بريس – د. رشيد بنكيران
* قفة العيد:
قفة العيد هي عبارة عن كيس مُلئ بمواد غذائية متنوعة؛ علبة شاي وسكر وحليب، وقارورة زيت، وقطع من الجبن، وخمسة كيلو من الدقيق، وكذلك بعض القطاني مثل العدس والفصولياء وبعض التوابل، مع دجاجة أو نصف كيلو من لحم البقر، يُقدم للفقراء والمساكين قُبيل عيد الفطر، والذي يصلح أن يُهيء بمكوناته وجبة غذاء أو وجبتين في يوم العيد وأيام قليلة بعده.
هذا الكيس المملوء بهذه المواد الغذائية اشتهر في عرف بعض الإخوة الأفاضل في مدينة القنيطرة بقفة العيد، وأصبحت فكرة قفة العيد تجد انتشارا أكثر في بعض أحيائها.
* زكاة الفطر:
أجمع علماء الأمة على مشروعية زكاة الفطر ووجوبها على المستطيع القادر على أدائها، ومستند هذا الإجماع نصوص نبوية كثيرة من بينها ما جاء في الصحيحين مثلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، مِنَ الْمُسْلِمِينَ» وغيره من النصوص الشرعية.
وإذا كان إخراج زكاة الفطر من العين هو الأصل لدلالة الأحاديث عليه، فقد اختلف الأئمة الأربعة في حكم إخراج زكاة الفطر بالقيمة إلى ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه يجزئ بكل حال، وهو قول الإمام أبي حنيفة. بل وذهب بعض فقهاء الأحناف إلى أن أداء القيمة أفضل من العين، وعليه الفتوى عندهم، وعللوا ذلك بكونه أدفع لحاجة الفقير. وأحيانا تترجح الأفضلية عندهم بين العين أو القيمة بحسب ما هو أنفع للفقير؛ فإن كان في زمن الشدة فالأداء من الحنطة أو دقيقه أفضل من الدراهم، وإن كان في زمن السعة فالدراهم أفضل.
والثاني: أنه لا يجزئ بحال، وهو قول جمهور العلماء، ومنهم الإمام مالك والإمام الشافعي.
والثالث: أنه لا يجزئ إلا عند الحاجة، وهو المنصوص عن الإمام أحمد صريحا؛ فإنه منع من إخراج القيم في الزكاة، وجوزه في مواضع للحاجة، كما بين ذلك ابن تيمية في مجموع الفتاوى.
وقال رحمه الله: وهذا القول أعدل الأقوال فإن الأدلة الموجبة للعين نصا وقياسا كسائر أدلة الوجوب. ومعلوم أن مصلحة وجوب العين قد يعارضها أحيانا في القيمة من المصلحة الراجحة وفي العين من المشقة المنفية شرعا.
* علاقة قفة العيد بزكاة الفطر:
ونظرا لظهور المصلحة الراجحة في إخراج زكاة الفطر بالقيمة في المدن بالنسبة للمحتاج في وقتنا المعاصر ظهورا بينا لا ينبغي المجادلة حوله، فإن من قدم قفة العيد بنية إخراج زكاة الفطر فقد أخذ بمذهب من يقول بجواز إخراجها بالقيمة عند الحاجة، والذي هو أعدل الأقوال، مع المحافظة على المقاصد الشرعية المرجوة من إخراجها عينا، وبيان ذلك:
• أن قفة العيد لا تزال من جنس الطعام الذي نص عليه الشرع على إخراجه، ويدخل في عموم حديث أبي سعيد الخدري الذي جاء في الصحيحين وله حكم الرفع إذ قال: «كُنَّا نُخْرِجُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ . وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ وَكَانَ طَعَامَنَا الشَّعِيرُ وَالزَّبِيبُ وَالأَقِطُ وَالتَّمْرُ»، وكذلك في عموم حديث ابن عباس: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ» رواه أبو داود وغيره بسند حسن.
قلت: ونحن طعامنا اليوم هو غالب العناصر المكونة للقفة العيد، وأصبح من يمتلك القمح لوحده أو الدقيق كالمعدم الذي ليس لديه ما يقتات به.
• أن في إخراج زكاة الفطر بالقيمة نقدا ـ والذي قدرها المجلس العلمي الأعلى في هذه السنة بمبلغ ثلاثة عشر درهما ( 13 درهم) ـ إخفاء لشعيرة زكاة الفطر، فإن تقديم دراهم معدودات يشبه كثيرا الإحسان الذي يقوم به الناس في أيامهم العادية، وهذا مخالف لمقتضيات مقصود الشرع لما عينها في جنس الطعام، فإنه أراد أن تكون زكاة الفطر حدثا ظاهرا ومتميزا في المجتمع سواء للمعطي أو الآخذ.
• أن فكرة قفة العيد تفسح المجال عمليا لبعض مكونات المجتمع أن تجتمع فيما بينها لإنجاح مشروع قفة العيد، وقد يكون المجتمعون حول هذه الفكرة هم أفراد العائلة الكبيرة التي تقيم في نفس المدينة، أو جيران الحي، أو جيران المسجد، أو أصدقاء العمل…، فيعمد القيمون على المشروع بجمع المال من الراغبين في الانخراط فيه، وهذا من شأنه أن يعمق خُلق التآلف بين الناس وخلق التواضع وخفض الجانب في الحوار والمعاملة، ويجدد روح التكافل في المجتمع، وهي مقاصد مطلوبة شرعا. كما تسهم فكرة قفة العيد في إيصال زكاة الفطر لمن يستحقونها من المساكين المتعففين وإبعاد المتسولين المحترفين.
جزاك الله خيرا.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه و سلم.