د.زهير لهنا يكتب: قهر الرجال…
هوية بريس – د.زهير لهنا
توجهت لأسلّم على الدكتور “مهدي” في قسمه، فوجدته جلس في مكتب الممرضات. كان منهكًا وشاردًا، على غير عادته. جلست بجانبه، فنظر إليّ بعينين مثقلتين بالهموم، وقال إنه اضطر لترك منزله مرة أخرى بعد أن عاد إليه، إذ أبلغهم جيش الاحتلال بضرورة إخلاء بلدته شرق خان يونس مجددًا. بمرارة، أخبرني كيف أنهكته رحلة الذهاب والإياب التي كلفته 1000 دولار، وكيف تجرعت زوجته وأطفاله الخوف والمشقة. اذ اضطروا كعدد كبير من الناس أن يخرجوا من ديارهم و يمشون في الليل يحملون صغارهم و قليل من متاعهم. يعلمون ان جيش الاحتلال اذا دخل اي مكان فهو يقصف و يدمر كل حي.
بينما كان يسرد هذه المعاناة، لم يستطع حبس دموعه، وانهار بالبكاء. رئيس قسم يبكي وسط الأطباء والممرضين… هذا هو واقع أهل غزة تحت وطأة هذا العدوان الوحشي على شعب أعزل. ناولته رئيسة التمريض كوبًا من الماء ومنديلاً ليمسح به دموعه. نظر إليّ وقال: “منذ بداية الحرب وأنا أصبّر نفسي، لكن ما يصيبنا فاق حدود التحمل”.
بعدها، رافقته إلى مكتبه عسى أن يجد بعض الهدوء، لكن المستشفى كان مكتظًا بالمرضى والزوار، وكل منهم يأتي بسؤاله واستفساره وحاجته للتشخيص. لم يكن أحد يعذر الدكتور لأنه موجود.
هذا العدوان لم يدمر الحجر والبشر فقط، بل طال النفوس والأحلام. تكالبت قوى كبيرة على بقعة صغيرة، ليس لهم هدف سوى كسر إرادة أهلها وصمودهم، وإجبار العديد منهم، خاصة رؤوس الأموال والمثقفين، على الهجرة. كل هذا لكي يسهل عليهم احتلال غزة بشكل مباشر ونهب الغاز المكتشف في بحرها دون أي مقاومة. ومن أجل تحقيق هذا الهدف، رحى الحرب ماضية في قهر الرجال دون استثناء النساء و الاطفال.